المحور الآسيوي الجديد

ناصر قنديل

– منذ تصاعد الحرب على سورية قبل سنوات والمعادلة الدولية الإقليمية التي يشكّل مستقبل البَرّ الآسيوي محورها، تقوم على مواجهة تدير واشنطن جبهتها الرئيسية بتحالف بدأ بأكثر من مئة دولة، يواجهه محور بدأ بسورية وإيران وقوى المقاومة ومعهما روسيا جزئياً والصين ودول البريكس معنوياً. وخلال سنوات المواجهة تفكّكت الجبهة التي تقودها واشنطن فخسرت تركيا بالتدريج، منذ تخلّيها عنها في مواجهتها المنفردة مع روسيا، عندما تموضعت موسكو مباشرة في الحرب السورية، وتكرّس الانفصال التركي بولادة مسار أستانة بعد هزيمة محور الحرب لمعركة حلب، وبرز المحور الروسي الإيراني السوري. بينما صار الحلف الذي تقوده واشنطن مع تتابع الهزائم ومحاور التفكك في جبهة الحرب التي أصابت العلاقة الأميركية الأوروبية، على إيقاع ملفات بحجم الملف النووي الإيراني والحرب التجارية الأميركية، حلفاً أميركياً إسرائيلياً سعودياً.

– مع تبلور حلف روسي إيراني سوري مقابل حلف أميركي سعودي إسرائيلي، تصاعدت عوامل تشكيل المشهد الدولي الإقليمي من حولهما، فأوروبا تبدو في موقع وسط رغم علاقتها المتشابكة بواشنطن والسعودية و«إسرائيل»، لكن الرعونة التي يبديها هذا الحلف في ملفات المنطقة وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني ومستقبل القضية الفلسطينية، والصلف الأميركي في الملفات الاقتصادية، تضع اوروبا تدريجا في موقع الانتظار وعدم الحماس لانخراط جدي في الثلاثي الأميركي السعودي الإسرائيلي، في ضوء مقاربات روسية وإيرانية تمنح أوروبا المزيد من الفرص لمواقف عقلانية من قضايا الاشتباك بينما تكفلت سياسات واشنطن بجعل تركيا بعد العقوبات التي طالتها، أقرب لتشكيل محور إقليمي جديد مع روسيا وإيران، ليستقر هذا الأسبوع في قمة طهران البحث في قيادة آسيوية جديدة، تقوم على التنسيق بين أطراف الثلاثي الروسي الإيراني التركي. فعلاقات أكثر من عشر دول آسيوية تجاور هذا الثلاثي تدور حول محاوره، ويكفي تفاهم أركان الثلاثي لضمان استقرار الإطار الدولي الإقليمي لدول مثل حوض قزوين والقوقاز وآسيا الوسطى وجمهورياتها الإسلامية.

– على ضفة موازية تكفلت المعادلات الآسيوية الجديدة في ضوء الحرب السورية من جهة، وفي ضوء السياسات العدوانية للمحور الأميركي السعودي الإسرائيلي، وتهديدها المستمر بزعزعة استقرار الكيانات الآسيوية، بتغيير جيواستراتيجي في موقع دولة مفصلية في الجغرافيا الآسيوية هي باكستان، كما ترتب على الحرب التجارية التي أعلنتها واشنطن على الصين وصار واضحاً أنها عنوان سياسات لاحقة، أن تخرج بكين من تردّدها في خوض غمار السياسة، والاكتفاء بتوظيف مقدراتها ومكانتها لضمان تطورها الاقتصادي بصمت، ووجدت نفسها ملزمة بتسريع حركتها السياسية، خصوصاً بعدما ظهرت محاولة أميركية مكشوفة لتصيد كوريا الشمالية من وراء ظهر الصين، اضطرت بكين للتحرك لإسقاطها وربط التسوية الكورية بتفاهمات إقليمية دولية أبعد، وصار واضحاً أن مسار تبلور محور صيني روسي تركي باكستاني إيراني لضمان استقرار آسيا، وحمايتها من الجنون والعدوانية في الضفة المقابلة، يشكل مدخلاً لتشابك مصالح اقتصادي وتكامل أمني سينتج تسويات في العديد من ساحات الصراع الإقليمية الآسيوية مثل أفغانستان والعراق ولبنان.

– قال الملك عبدالله الثاني قبل عشر سنوات إن هناك هلالاً شيعياً في المنطقة. وكانت الحروب الكبرى لتدمير هذا الهلال الوهمي. وها هو البدر الآسيوي الواقعي في طريق الاكتمال كطريق وحيد لفرض الاستقرار والسلام، وإدلب الاختبار الأول.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى