معضلة النازحين… إلى أين؟

عبدالله خالد

تمهيد

جاء تحرير جنوب لبنان في 25 أيار عام 2000 على يد المقاومة ليشعر الحلف الأميركي الصهيوني – الرجعي بالخطر على مشاريعه وطموحاته وفي مقدّمتها تكريس الاحتلال الصهيوني في فلسطين ليشكل قاعدة متقدّمة في المنطقة مهمّتها حماية مصالح الغرب فيها.

وهكذا برزت مشاريع تفتيت المنطقة ليسهل استخدام تناقضات كياناتها في تكريس تجزئتها عبر إثارة العصبيات الطائفية والمذهبية فيها وتحويلها إلى صدامات تأخذ طابعاً عنصرياً بين مكوّناتها.

وقد وقع الاختيار وقتها على العراق ليشكل بداية تنفيذ المخطط الأميركي – الصهيوني الجديد. ومع بدء العدوان على العراق بحجة حماية السلم العالمي الذي يهدّده حيازة العراق أسلحة الدمار الشامل – التي ثبت في ما بعد أنها مجرد أكاذيب – عادت بي الذاكرة إلى أحداث 1958 في لبنان التي دفعت بعض سياسيّيه إلى تحذير رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون من مخاطر سياسته التي يمكن أن تؤدّي إلى تقسيم لبنان، وجواب شمعون الجازم بأنّ بداية التقسيم تصبح جدية حين تتهدّد وحدة العراق. وهكذا تمّ احتلال العراق ووصل الجيش الأميركي إلى حدود سورية وجاء كولن باول إلى دمشق ليحاول فرض إملاءاته على الرئيس بشار الأسد.

لقد توهّمت واشنطن انّ العواصم العربية ستخضع للإملاءات الأميركية بعد سقوط بغداد. وقد فاجأ الرئيس الأسد كولن باول حين رفض كلّ إملاءاته وأعلن دعمه للشعب العراقي الراغب في تحرير أرضه.

وجاء عدوان تموز 2006 على لبنان الذي هدف إلى تصفية المقاومة وفشل في تحقيق أهدافه مسجلاً هزيمة موجعة للمشروع الأميركي – الصهيوني ليؤكد انّ مرحلة جديدة في المنطقة قد بدأت وأنّ عصر المقاومة قد بدأ… مؤكداً جدارته ببدء تحرير الأرض والإنسان في المنطقة وصولاً إلى تحرير فلسطين. وهذا ما أفشل المشروع الأميركي – الصهيوني ودفعه إلى التفكير بخطة متكاملة للقضاء على المقاومة المتجسّدة بسورية والعراق والمقاومة اللبنانية… وهكذا برز ما سمّي زوراً وبهتاناً «الربيع العربي» بينما هو في الحقيقة خريف أسود هدفه تدمير المنطقة وفي مقدّمتها سورية والقضاء على المقاومة وتحويلها إلى كيانات هزيلة تستند إلى عصبيات طائفية ومذهبية تبرّر تناحرها من جهة وتسمح بتكريس الاحتلال الصهيوني وتحويله إلى قوة أساسية تهيمن على المنطقة.

1

جاءت الحرب الكونية على سورية التي شاركت فيها أكثر من 83 دولة أرسلت مسلحين مدرّبين ومزوّدين بأحدث الأسلحة ووضعت تحت تصرفهم كلّ التقنيات اللوجيستية التي جعلت منهم جيشاً حديثاً بكلّ ما تحمله هذه العبارة من معان، لتفرز تدميراً ممنهجاً لسورية أرضاً وموقعاً ودوراً ووظيفة بهدف إسقاط نظامها السياسي لمنع إمكانية استمرار تهديده للمخطط الأميركي – الصهيوني الرامي إلى تثبيت الاحتلال لفلسطين والهيمنة الغربية على ثروات المنطقة. وهذا ما أحدث معضلة النزوح من المناطق السورية التي طالها الدمار والخراب هرباً من استمرار المعارك الضارية فيها أو من ظلم الإرهاب التكفيري الإلغائي.

والمفارقة اللافتة للنظر انّ الدول المجاورة لسورية وفي مقدّمتها تركيا والأردن كانت قد أعدّت مخيمات النزوح قبل بدء الحرب في مؤشر واضح على انّ ما جرى في سورية هو حرب مفتعلة وهكذا جمع النازحون في مخيمات هي أشبه ما تكون بمعسكرات اعتقال تنتهك فيها أبسط حقوق الإنسان وتمارس فيها كلّ أنواع الضغوط لتحويل القاطنين فيها إلى بيئة حاضنة للإرهاب وتتمّ فيها عملية تحويل الشباب إلى مقاتلين يتمّ إرسالهم قسراً إلى جبهات القتال لمقاتلة الجيش العربي السوري.

وقد حاول البعض أن يقيم معسكرات مماثلة في لبنان وتحديداً في منطقتي عكار والضنية وجرت أكثر من محاولة استكشاف لإمكانية إقامة تلك المخيمات بالتزامن مع المحاولات التركية ولكنها فشلت لأسباب كثيرة يأتي في مقدّمتها طبيعة التوازن القائم في لبنان الذي لا يسمح بخوض مواجهة مكشوفة ضدّ سورية علماً انّ الحدود قد فتحت على مصراعيها لدخول النازحين إليها بحجة العامل الإنساني دون أن يتمّ التدقيق في طبيعتها لحصر أعدادهم ونوعياتهم الأمر الذي أضفى نوعاً من الغموض على هذا الملف وسمح باستغلاله من قبل أكثر من طرف يتعاملون معه وفق مصالحهم الذاتية متجاهلين مصلحة النازحين أنفسهم والسعي لاستخدامهم كورقة ضغط في الصراع الدائر في المنطقة وأدخل في صفوفهم أطرافاً متعددة من ضمنها المسلحين الذين يقاتلون الدولة السورية، بالإضافة إلى مجموعات تكفيرية متعدّدة سعت للهيمنة على النازحين لتحويلهم الى حاضنة شعبية عبر تخويفهم بعاقبة عدم الانصياع لرغباتهم عبر التلويح بتحويل وضعهم المعيشي إلى جحيم إذا لم يستجيبوا لهم أو لم يقبلوا مشاريع توطينهم في الأماكن التي يتواجدون فيها، وبالتالي تجنيسهم وإدخالهم في إطار لعبة الأمم التي يديرها المشروع ألأميركي الصهيوني الذي يريد تحويلهم إلى أدوات تنفيذية في مخطط إثارة وتكريس العصبيات الطائفية والمذهبية، وبالتالي التناقضات بين مكونات الوطن الواحد، وبذلك تحقيق هدفين في وقت واحد: إضعاف الوطنية السورية في صفوف النازحين واستخدامهم في الوقت المناسب في تنفيذ المخططات التي ترسمها الإدارة الأميركية مستقبلاً ضدّ سورية باعتبارهم مواطنين سوريين جرى تدجينهم في المناطق التي يتواجدون فيها وهذا هو السبب الحقيقي لرفضهم عودة النازحين إلى ديارهم.

2

أصبح واضحاً أنّ الهدف المركزي للمشروع الأميركي – الصهيوني هو إبقاء النازحين في أماكن تواجدهم واستغلال أوضاعهم لتحويلهم إلى أدوات تخدم مشاريعهم، ولاجئين على غرار الفلسطينيين الذين شرّدوا من أرضهم على يد الغاصب الصهيوني.

لقد دفع هذا الشعور النازحين كما فعل اللاجئون الفلسطينيون من قبل إلى رفض تحوّلهم إلى لاجئين وتمسّكهم بهويتهم الوطنية، وهذا ما تجلى في زحفهم إلى السفارة السورية في اليرزة ومشاركتهم الكثيفة في إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لولابة جديدة، الأمر الذي أسقط كلّ المراهنات على إمكانية استدراجهم إلى مواقع ومواقف لا يرغبونها وتؤدّي بهم إلى لعب دور حصان طروادة في مواجهة وطنهم.

الأمر المؤكد انّ معضلة النازحين لم تعد مشكلة سورية فقط وتتعدّى تداعياتها المحيط اللبناني بعد أن اصبحت معضلة إقليمية ودولية بامتياز.

وفي إطار هذا البحث سنركز على انعكاسات معضلة النازحين على الواقع اللبناني فقط خصوصاً أنّ النازحين الذين تمركزوا في لبنان شكلوا رقماً يفوق قدرته على تحمّل تداعياته الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية.

ولكن حلّ هذه المعضلة لا يكون بإعطائها طابعاً عنصرياً لضرب العلاقة اللبنانية السورية التي أثبتت جدواها في تحرير جنوب لبنان ومواجهة المخططات المعادية للبلدين خصوصاً أنّ أيّ حلّ لهذه المعضلة يتطلب نعاوناً وتنسيقاً بين البلدين لمعالجتها ووضع الحلول لها ولا يفيد في هذا المجال اللجوء إلى المجتمع الدولي كبديل للتفاهم اللبناني السوري المطلوب.

انّ المسافة بين بيروت ودمشق أقصر بكثير من أيّ مسافة بين بيروت والعواصم الإقليمية والدولية الأخرى التي ستلجأ بدورها إلى دمشق لإيجاد الحلول المناسبة التي تقلّص الآثار السلبية للمعضلة في إطار يؤمّن مصلحة الجميع.

علينا أن نعترف بأنّ النزوح السوري الذي فاق قدرة تحمّل لبنان قد خلق نوعاً من التوتر بين اللبنانيين وأشقائهم السوريين نتيجة التزاحم والمنافسة في سوق العمل الأمر الذي زاد نسبة البطالة في صفوف اليد العاملة اللبنانية وخلق توتراً في العلاقة بين الأشقاء اللبنانيين والسوريين تحوّل في بعض الأحيان إلى صراع أخذ طابعاً عنصرياً كنتيجة طبيعية لشحن الغرائز والسعي الممنهج لتدمير العلاقة الطبيعية بين أبناء البلدين الذين تربطهم وشائج القربى والمصير المشترك وتزيد الأمور سوءاً ولا تخدم مصالح البلدين.

وإزاء الشعور بأنّ معضلة النازحين أصبحت قنبلة موقوتة يمكن أن يستخدمها أيّ طرف لتمرير مصالحه الخاصة على حساب النازحين بالدرجة الأولى دون الدخول في عمق حلّ قضيتهم ودون تقليص تداعياتها السلبية في الداخل اللبناني الأمر الذي فاقم مخاطر المعضلة وحال دون السعي لإيجاد حلول لها تضمن عودة آمنة للنازحين إلى سورية بعد أن استعادت الدولة أكثر من 85 بالمئة من ترابها الوطني.

وبدلاً من ان يسهم المجتمع الدولي في تأمين هذه العودة للنازحين إلى ديارهم أعلن معارضته لها بكل الوسائل والسبل، وهو الذي تقاعس عن تأمين الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة للنازحين. وهذا ما فضح طبيعة المخطط الغربي الراغب في استمرار الحرب الكونية على سورية واستخدام معضلة النازحين كورقة ضغط إضافية على حكومتها.

3

الأمر اللافت للنظر في معضلة النازحين هو ازدواجية المعايير وكيفية التعامل معها على الصعيدين المحلي والدولي. ففي الوقت الذي يتمّ التعامل معها على أنها كارثة حلت بلبنان لتداعياتها السلبية على اللبنانيين في أكثر من مجال، وفي الوقت الذي يتمّ التعامل مع النازحين بفوقية تأخذ طابعاً عنصرياً في أغلب الأحيان، يتمّ رفض أيّ مسعى لإعادتهم إلى وطنهم علماً أنهم يحمّلون النظام السوري مسؤولية هذه المعضلة ويرفضون الحديث معه لحلّ هذه المعضلة التي يتمّ الاستفادة منها على أكثر من صعيد في ظلّ انقسام واضح في النظرة إليها بين اللبنانيين. وبديهي أن يؤدّي هذا الوضع إلى تكاثر الأزمات والفضائح والمآسي وتوالدها كالفطر بعضها نتاج عيوب بنيوية واختلالات داخلية سياسية اقتصادية اجتماعية، وبعضها الآخر نتاج تدخلات خارجية تنطوي على مخططات خبيثة لتمزيق النسيج الاجتماعي في لبنان ودول الجوار واستغلال العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية لتنفيذ مشاريع تقسيمية محلية وإقليمية تنطلق من النظرة إلى النازحين الذين هجروا أرضهم بسبب الحرب في سورية وعليها والعنف الأعمى الذي مارسته التنظيمات الإرهابية.

لقد ازدادت معضلة النازحين تعقيداً بفعل عاملين: التمييز الفئوي ضدّهم وتقصير الحكومة اللبنانية في معالجة أزمتهم التي تتفاقم يوماً بعد يوم. وقد اقترن التمييز الفئوي بجهل معظم المسؤولين وتجاهلهم خطورة معضلة النازحين وأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية وتغاضي الحكومة عن وجود أغلبهم خارج سلطة الدولة وعرضة لخضوعهم لضغوط وتهديدات متعدّدة سعياً لاستخدامهم كأدوات في مشاريعهم الخاصة التي تتناقض بشكل كامل مع رغبتهم في إنهاء الحرب والتمهيد لعودتهم إلى ديارهم التي تركوها قسراً.

لقد أصبح معيباً أن نكتفي برفع الصوت في المحافل الدولية مطالبين بتوفير مساعدات مالية لا تغطي حاجة النازحين خصوصاً أنّ أغلبها يوزع كرواتب عالية للعاملين في المؤسسات الدولية أو الجمعيات المحلية التي تكاثرت كالفطر بحجة مساعدة النازحين بحيث لم يتبقّ منها إلا القليل ليوزّع على المحظوظين الذين ارتضوا السير في ركاب ما يخطط لسورية من مشاريع مشبوهة.

كما انه لم يعد مسموحاً التوقف عند بند العودة الطوعية للنازحين الذي ورد في قرار مجلس الأمن 2254 الذي تسوّقه الأمم المتحدة، أو السكوت على رفض الحكومة اللبنانية التواصل مع الحكومة السورية للتوافق على أسس ومناهج لإعادة آمنة للنازحين إلى ديارهم وبيوتهم واتخاذ موقف موحد وخطة مشتركة لإعادة النازحين إلى ديارهم وتحرير لبنان من عبء وجودهم في لبنان.

في ضوء تفاقم مخاطر معضلة النازحين في لبنان وما رتبته من تداعيات سلبية على مكونات النسيج الوطني اللبناني وامتداداً العلاقات اللبنانية – السورية، شارك جمع من الشخصيات الوطنية وممثلي القوى الحية شكلت الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي في اجتماع خصّص لدراسة انعكاسات وتداعيات معضلة النازحين وتمّ تشكيل اللقاء الوطني للنهوض والتغيير الذي أخذ على عاتقه صياغة مذكرة حول الموضوع وإيصالها إلى المسؤولين في كلّ من لبنان وسورية. وبالفعل أعدّت المذكرة وسلّمت إلى الرئيس تمام سلام رئيس الحكومة يومها والسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، وجالت اللجنة المشكلة لهذا الغرض وكنت أحد أعضائها على الفعاليات الوطنية لوضعهم في أجوائها.

4

تضمّنت المذكرة التي وضعها اللقاء الوطني للنهوض والتغيير التوصيات التالية…

أولاً: اعتبار النازحين السوريين قضية وطنية وقومية وإنسانية خطيرة تهدّد بتداعياتها لبنان وسورية بالدرجة الأولى، ولا يجوز تالياً التهاون في معالجتها، أو بالاعتقاد بالقدرة على ذلك بمعزل عن سورية، أو بالإصرار على تجاهلها وتجاوزها.

ثانياً: رفض إضفاء صفة اللاجئين على النازحين السوريين المهجرين قسراً من بلادهم لما لمصطلح اللاجئ من تداعيات وتبعات تلحق أضراراً بالغة بلبنان وسورية معاً.

ثالثاً: وجوب مبادرة الحكومة اللبنانية فوراً إلى التواصل مع الحكومة السورية من أجل التوافق على سبل وأشكال التعاون لمعالجة قضية النازحين، وتوحيد المواقف والضغوط في المحافل الدولية للحصول على المساعدات المالية والعينية اللازمة لإعادتهم إلى ديارهم.

رابعاً: اتخاذ قرار في مجلس الوزراء بتكليف وزير الخارجية التواصل مع سورية بغية التعجيل في وضع أسس التعاون لمعالجة قضية النازحين بما يؤدّي إلى اعتماد خطط جدية لإعادتهم إلى بيوتهم وديارهم.

خامساً: دعوة هيئات المجتمع المدني اللبناني إلى التواصل والتعاون مع نظيرها في المجتمع المدني السوري، كما مع الحكومة السورية إذا اقتضى الأمر، من أجل المشاركة في خطط ناجعة لمساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم وبيوتهم.

كما دعا اللقاء اللبنانيين مسؤولين ومواطنين إلى وعي قضية النازحين والارتفاع إلى مستوى خطورتها والمبادرة إلى اتخاذ إجراءات فعّالة في هذا المجال. باعتبار انّ معضلة النازحين قضية وطنية وقومية وإنسانية تهدّد تداعياتها لبنان وسورية مما لا يجوز تجاهلها ولا يمكن حلها إلا بتعاون وثيق سوري – لبناني لأنّ الحلّ المنفرد سيعقد المعضلة بدلاً من أن يسهم في حلها، خصوصاً بعد أن تمادت لعبة الأمم في تحويل النازحين إلى لاجئين والسعي لتوطينهم وتجنيسهم.

واعتبر اللقاء أنّ وضع أسس التعاون بين الدولتين يكفل عودة النازحين إلى ديارهم وبيوتهم.

وشدّد اللقاء على ان لا بديل عن السعي لتحقيق التواصل والتنسيق بين هيئات ومؤسسات المجتمع المدني بين الدولتين وصولاً إلى تشكيل قوة شعبية ضاغطة مشتركة وبلورة تصوّر مشترك يؤمّن مصالح الدولتين وفي المقدّمة عودة النازحين إلى ديارهم.

5

ترافق حراك اللقاء الوطني للنهوض والتغيير مع بدء الجيش السوري والقوى الرديفة والحليفة المساندة له معركة تحرير حلب التي شكلت منعطفاً حاسماً في تقرير مصير الحرب على سورية، والتي سعى الحلف الأميركي – الصهيوني الرجعي لإطالتها عبر ضغوط وتهديدات فاقت كلّ تصوّر. وهذا ما أحيا آمال القوى المعادية لسورية ودفعها لممارسة ضغوط على الدول التي لجأ النازحون إليها لمنعهم من العودة إلى ديارهم وبيوتهم ترافق مع محاولات لتوطينهم حيث يقيمون واستخدامهم كورقة ضغط إضافية على سورية يضاف إليها إمداد الإرهابيين بأسلحة حديثة ومتطوّرة من شأنها أن تعيق إذا لم تجهض تحرير حلب خصوصاً بعد أن ترافقت مع العودة إلى اتهام سورية مجدّداً باستخدام الأسلحة الكيماوية.

والمفارقة اللافتة للنظر إنه في الوقت الذي ازدادت حدة اتهام النازحين بأنهم سبب كلّ الأزمات الاقتصادية في لبنان وعدم القدرة على تحمّل أعباء إقامتهم ومطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته وزيادة مساعدته للبنان كان هناك إصرار على منع عودة النازحين إلى ديارهم إلا بشكل طوعي وضمان سلامتهم بتعهّد دولي.

أما المفارقة الثانية فهي الإصرار على اعتبار النازحين بيئة حاضنة للإرهاب ورفض التمييز بين البيئة الحاضنة للإرهاب والبيئة الخائفة منه وهكذا وضعت عقبات جديدة أعاقت مساعي التمهيد لعودتهم الآمنة إلى ديارهم التي كانت قد بدأت بالتبلور بأكثر من شكل.

وهكذا تمّ الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل الصراع في سورية وعليها، خصوصاً بعد فشل مخطط إعاقة تحرير حلب التي تحرّرت بالكامل ليبدأ مخاض تحرير دير الزور وصولاً إلى الحدود السورية العراقية وليتكرّر سيناريو الإعاقة، وهذا ما حدث مع الغوطة وتكرّر في درعا وما تبقى من بادية السويداء والقنيطرة. إلا أنّ الرغبة في إنهاء الحرب على سورية وتحرير كامل الأراضي السورية من الإرهاب كانت أقوى. وهكذا تحرّر أكثر من 85 بالمئة من الأراضي السورية واتخذ قرار تحرير إدلب التي يتجمّع فيها أكثر من 100 ألف مسلح من منظمات إرهابية متعدّدة يأتي في مقدّمتها تنظيم النصرة، وبدأ الإعداد له وينتظر أن تبدأ عملية التحرير في الأيام القليلة المقبلة.

لقد أعاد الوضع الجديد إحياء المساعي الهادفة إلى إعادة النازحين إلى ديارهم خصوصاً أنّ أكثر المناطق السورية أصبحت آمنة وأصبح بإمكانها استيعابهم سواء بإعادتهم إلى بيوتهم أو إقامتهم بشكل موقت في مناطق سورية أخرى. وترافق هذا الأمر مع بدايات جادّة بدأها حزب الله في البقاع حيث تواصل مع النازحين الراغبين في العودة وبدأت قوافلهم بالعودة فعلاً بمواكبة من الأمن العام اللبناني حيث كانت تستقبلهم على الحدود اللبنانية السورية الأجهزة الرسمية السورية والهلال الأحمر السوري لتوصلهم إلى بيوتهم أو الأماكن الموقتة المخصّصة لهم.

كما بدأت مبادرة الحزب السوري القومي الاجتماعي لتسريع عودة النازحين وواكبها لقاء الأحزاب والقوى الوطنية في طرابلس.

وكانت روسيا قد أعلنت مبادرة ترمي إلى إعادة النازحين في الدول المجاورة لسورية باعتبارها المناطق التي يتواجد فيها أغلب النازحين… وهكذا بدأت مسيرة عودتهم إلى ديارهم رغم كلّ محاولات العرقلة التي يقوم بها الغرب وتساندها بعض المؤسسات الدولية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى