صلاح وإصلاح

الاكتفاء بالصّلاح دون الإصلاح ترفٌ ووهن! فمتى أصبح العالم من حولنا مشوّهاً تفوح من شخوصه رائحة العفن، ومتى انعدم احتمالنا لتقيّؤات أفراده على جدران المجتمع، علينا البحث عن منفذٍ يعبر بنا إلى عالمٍ آخر عالم نقيّ غير ملوّث لا تفوح منه رائحة النّشادر. ذاك العالم جميل تقبع فيه الطّيور بجانب الصّقور وتقفز الأرانب قرب الثّعالب وينمو الصبّار على كتف الأقحوان، عالماً غير الّذي ينوء بأحمال الكراهيّة والحقد ولا منهكاً بأثقال الخيانة والغدر. هذا العالم منذ زمنٍ بعيدٍ لم يعد مكاناً للإنسان الذي خلقه الله وأسماه آدم، فرغم أنّ آدم نزل للأرض عقاباً له من الله وأملاً في محو خطيئته إلاّ أنّ أبناءه أوغروا ثنايا هذا العالم بالخطيئة والجحود وبالجريمة والكفر تحت مقولة نحن بشر ولسنا آلهة!! حتماً هذا لا يعني الشّمولية ولكنّ الكمّ الأكبر لم يعد يمتّ للإنسانية في شيءٍ. في يومٍ قال طفلٌ أنّه سيحكي لله عن كلّ شيءٍ كأنّه كان مدركاً أنّ الله نسينا وأشاح بوجهه عنّا إنّنا أشباه إنسانٍ أشباه بشر- كأنّ الله منشغلٌ ببشرٍ آخرين في كونٍ آخر في عالمٍ آخر أباهم ليس آدم وأمّهم ليست حواء ولم ينجبوا أولاداً كقابيل وهابيل ولم يأكلوا من الشّجرة المحرّمة. إنّهم محبوبون من الله فلم يصنع لهم شيطاناً ولم يرسل لهم أنبياء. فهم هكذا خلقوا مؤمنين أبرياء!! نحن نشبه البشر في الأكل والنكاح فقط كأنّه لا مكان للعقل بيننا نحارب الكفر ولا نحارب الفقر نكافح السرقة ولا نتتبع السارق ننادي بالديمقراطية ونظلم الأبرياء. النّساء يطالبن بحقوقهن ورجالهن مضطهدون. المرأة تلهث وراء التّحرر وتحجبه عن زوجة ابنها وتفرضه على زوج ابنتها. وبعد هذا تحدّثك عن مجتمعٍ ذكوريّ وكيف أنّ للذكر مثل حظّ الأنثيين، أمّا الرّجل فمقولةٌ أخرى يعلّم فتاةً منذ نعومة أظفاره من أين تؤكل الكتف وكيف يلاعب العذارى ويلاغي العاهرات ومن ثمّ يحدّثك عن انحلال المجتمع وانحطاط أخلاقه!! أين نحن من هذا كلّه في عالمٍ نقول فيه ما لا نفعل ونكره الحاذق فينا ونحارب الجريء وندسّ السّم للمتمرّد. ألهذا فرضت الأقدار علينا أحكامها الجائرة وسلّطت علينا قوانينها الصّارمة فأمسك بلقمة عيشنا من ليسوا منّا، هم فقط جياع الأرض وحفنة من المرضى يحاولون التحكّم بمستقبلنا ومستقبل أبنائنا. ليتنا نعود لعالمٍ جميلٍ خلقه الله لنا وكرّمنا به ملؤه المحبّة والغفران والتفاؤل، حيث تستوي السريرة والعلنيّة والصّدق كي لا يموت الدفء في جنباتنا وعواطفنا ونتحوّل آلهةٍ تمشي على الأرض بلا غفران تحصد الأخضر واليابس.

رنا جنيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى