عوائق عملية إدلب بين تركيا وروسيا وإيران ومآلاتها

د. هدى زرق

كثفت تركيا جهودها الدبلوماسية مع فرنسا وألمانيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة حول عملية إدلب في الوقت الذي كانت تواصل الانخراط العسكري والاستخباري مع روسيا يومياً تقريباً. استمرت المحادثات الفنية بين الهيئات الحكومية والأمنية المعنية في تركيا وروسيا بهدف إيجاد حل للفوضى التي نشأت في محافظة إدلب. قالت السلطات الروسية إنها تولي اهتمامًا لقلق تركيا على إدلب، لكن لا يمكن تحمل وجود المنظمات الإرهابية الجهادية إلى الأبد.

وقبل ساعات من انعقاد قمة طهران في 7 ايلول، أيد موقف تركيا ثمانية أعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وجميعهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي. من الواضح ان محادثات تركيا مع الأوروبيين تناولت تدفقاً محتملاً للاجئين السوريين وكذلك الإرهابيين إلى تركيا، ومن ثم الى اوروبا بسبب الهجمات العسكرية التي يمكن أن تسببها العملية العسكرية التي تعد لها الدولة السورية. وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيم جيفري قد حذّر من الاستعدادات لهجوم كيماوي من قبل النظام.

ليس من العبث أن يؤكد أردوغان على ضرورة بذل الجهود وفقاً «لروح أستانا»، بحيث أفاد بشكل ما ان أزمة إدلب تعطي إشارات يمكنها أن تشكل اختباراً لمستقبل الشراكة بين تركيا وروسيا وإيران حول سورية. في الفترة التي نشطت فيها الدبلوماسية الأميركية ضد الرئيس بشار الأسد وحليفيه، روسيا وإيران في الآونة الأخيرة. وقد لوحظت هذه السياسة الجديدة بالفعل في مجلس الأمن الدولي في الأيام القليلة الماضية حيث اتخذت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا موقفاً حاداً جداً ضد الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيميائية من قبل الحكومة السورية في إدلب وفتحت مسألة سكريبال التي تتهم روسيا باستعمال السلاح الكيماوي لتسميم سكريبال وابنته. شرح جيفري ذلك على أنه استخدام «لغة جديدة» وأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي هجوم كيميائي.

هذه الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة قد ترضي أنقرة، ولكن هناك بعض الجوانب التي ستزيد من تعميق الهوة بينهما لاسباب تتعلق بالأكراد. يهم أنقرة الاستماع الى موقف الولايات المتحدة من الأسد وعدم وجوده في مستقبل سورية وضرورة رحيل إيران وجميع حلفائها من سورية.. كما أنه من المريح لأنقرة أن تحظى بتأييد واشنطن ضد العملية العسكرية الواسعة النطاق المحتملة من قبل الجيش السوري في إدلب، وهي أكبر منطقة لا تزال تسيطر عليها المعارضة السورية. ترغب أنقرة في إبقاء إدلب تحت سيطرة المسلحين حتى نهاية عملية السلام، في حين أن موسكو وطهران تدفعان باتجاه هجوم ضد فصائل المعارضة.

يوجد في منطقة إدلب وجوارها ما يقرب من 35000 من قوات «الجيش الوطني السوري» التي تسيطر عليها تركيا. كما يغطي نظام الدفاع الجوي التركي الإقليم، هذه المنطقة التي تضم أجزاء من محافظات حلب واللاذقية وحماه، والمناطق الشمالية من حلب وعفرين والباب وجرابلس وأعزاز هي تحت السيطرة التركية. تدرك أنقرة أنه إذا خسرت المعارضة إدلب، فإن الحكومة السورية لن تتوقف عند هذا الحد. في محاولة لإعادة ترسيخ سلطتها على كامل البلاد، وستطلب من تركيا مغادرة سورية لذلك، أكد الرئيس رجب طيب أردوغان مرة أخرى معارضته القوية أي هجوم من قبل الرئيس الأسد وحلفائه. أنقرة تريد المحافظة على السيطرة على المعارضة وتريد دمج المنطقة كمنطقة آمنة للحدود التركية، قد تنضم فصائل المعارضة المحلية المعتدلة، التي تصل إلى حوالي 50.000 مقاتل وتتحد في جبهة التحرير الوطني، إلى جانب «الجيش الوطني السوري» المؤيد لتركيا.

هناك خطط لإعادة فتح الطريق السريع بين حلب وحمص للنقل وتقترح أنقرة السيطرة على الطريق بشكل مشترك من قبل روسيا وتركيا. أنقرة لن تمنع النظام من الاستيلاء على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون في محافظتي حماه واللاذقية، ترى أن وجود 12 نقطة مراقبة يقيمها الجنود الأتراك في المحافظة السورية المذكورة، يشكل ضماناً لمنع أي هجوم محتمل عليها، لا يمكن للطائرات الحربية الروسية والقوات البرية للنظام أن تشنّ هجمات مع وجود الجنود الأتراك هناك. فالأمر سيعطل عملية أستانا، وسيقوض كافة الجهود السياسية في جنيف أو في أستانا لذلك تتشدد في موقفها.

وهي ترى ان إنهاء الحرب لا يشكل أولوية بالنسبة لأوروبا، وأن الأخيرة لم تبذل جهوداً أو تتقدم بمقترح يذكر في هذا الخصوص إلى الآن. وأن القلق الرئيسي للدول الأوروبية هو الخوف من مواجهة موجة جديدة من الهجرة وأن وجود القوات الأميركية إلى أجل غير مسمى يعني أيضًا تعاونًا أكثر تكثيفًا واستمرارًا مع قوات حماية الشعب / حزب الشعب الديمقراطي أي قوات سورية الديمقراطية. بدعم من الجيش الأميركي، حيث تسيطر وحدات حماية الشعب على حوالي 40 في المئة من الأراضي السورية وهي في طريقها لوضع هيكلها الإداري الخاص بها.

في ظل هذه المعطيات وفي ظل التلاعب الاميركي والتحذيرات الاوروبية وطموحات تركيا التي تستنجد بالكتف الغربي وتهديداته. ترى موسكو أن عملية واسعة النطاق في إدلب، تتطلب مشاركة قواتها فيها. لذلك يمكنها العمل على السيطرة على الطريق الرئيس الذي يربط حلب بحماه واللاذقية، وتنفيذ عمليات ضد «هيئة تحرير الشام»، والاستفادة لذلك من العلاقات الاستخبارية مع أنقرة والاتفاق على المصالحة مع المعارضة المعتدلة. هذا هو الخيار الأكثر واقعية، فهو يرضي كلاً من تركيا وروسيا. وسيتطلب ضربات موضعية كما ان الدول الغربية بدورها تسعى الى سيناريوات إيجابية تمنع تدفق اللاجئين، فالاتحاد الأوروبي ودوله تخشى ان تؤثر هذه العملية ان حصلت بتدفق اللاجئين. ما سينعكس صعوداً لليمين خلال الانتخابات لذلك شدّدت المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل: على وجوب منع وقوع كارثة إنسانية في إدلب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى