مَنْ يسجن الشعب العراقي كما سُجن الإمام الكاظم؟

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

تلعثم القيادة العراقية أمام حل مشكلة العراقيين بعد سنوات طويلة من الحرمان والاستبداد ، هو أمر أضعه في خانة الخيانة . قيادة لم تكن بكل التضحيات التي قدمها هذا الشعب وخصوصاً في مواجهة «داعش» التي لو استقرت في الحكم لكان نهر الدم سيالاً حتى الآن .

ما حصل في البصرة مؤخراً مؤشر خطير على محاولة سحب العراق إلى الخندق الأمريكي تحت النار. رئيس الحكومة تخفى في ثنايا الخلافات بين القوى السياسية وسمح للاضطرابات بامتدادها المرعب أن تتجاوز الخطوط الحمراء ، ووصل الأمر إلى حرق مكاتب ومقار الحشد الشعبي الذي لولاه لكان العراقيون في منافي العالم وتيه الصحراء ومقاصل الإعدام.

ألهذا الحد يمكن أن يصل السوء، أو تصل التبعية إلى التفريط بدماء الشهداء وتضحياتهم من أجل منصب أو خوفاً من غضب الإله الأمريكي؟ مَنْ يصدق أن محافظة تعوم على النفط والثروات الأخرى تنعدم فيها أبسط وسائل العيش من كهرباء وماء وطرقات! فأين تكمن المشكلة؟ وقد كنتم أذلة فأعزكم الله بدماء الشهداء ، ولكن لم تقدموا إلا تجربة فاشلة لا علاقة له بشعارات أحزابكم وانتسابها إلى الشهيد السيد محمد باقر الصدر

الذي وجه خطابه لتلامذته ومريديه وكل كوادر العراق :»نحن نقول بأننا أفضل من هارون الرشيد ، أورع من هارون الرشيد ، أتقى من هارون الرشيد ، عجباه نحن عرضت علينا دنيا هارون الرشيد فرفضناها حتى نكون أورع من هارون الرشيد. يا أولادي ، يا أخواني ، يا أعزائي ، يا أبناء علي .. هل عُرضت علينا دنيا هارون الرشيد ، لا .. عرضت علينا دنيا هزيلة ، محدودة ، ضئيلة ، دنيا ما أسرع ما تتفتت ، ما اسرع ما تزول ، دنيا لا يستطيع لانسان أن يتمدد فيها كما كان يتمدد هارون الرشيد ، هارون الرشيد يلتفت الى السحابة يقول لها أينما تمطرين يأتيني خراجك ، في سبيل هذه الدنيا سجن موسى بن جعفر ع ، هل جربنا أن هذه الدنيا تأتي بيدنا ثم لا نسجن موسى بن جعفر؟ جربنا أنفسنا ، سألنا أنفسنا ، طرحنا هذا السؤال على انفسنا ، كل واحد منا يطرح هذا السؤال على نفسه ، بينه وبين الله. ان هذه الدنيا ، دنيا هارون الرشيد كلفته أن يسجن موسى بن جعفر ، هل وضعت هذه الدنيا أمامنا لكي نفكر بأننا أتقى من هارون الرشيد».

ولكن ما هو واضح أن كل الادعاءات بالورع والتقوى والزهد لم تكن صحيحة وكل المزاعم بخدمة الناس وتحسين معيشهم وتأمين مستقبلهم وتعزيز كراماتهم كانت مزيفة وغير واقعية .

نعم، قيادات تتسكع عند الأمريكي ، تتذلل للأمريكي ، تحابي الأمريكي ، من أجل دنيا هزيلة ، تافهة ، زالة ، ولهذا يُسجن الشعب العراقي ويُذل الشعب العراقي وتنتهك حقوقه وكراماته ويصبح متسولاً جائعاً.

إنّ أبناء الشهيد الصدر الأول لم يكونوا على قدر آماله ووصولهم إلى سدة المسؤولية لم يشكل إضافة حقيقية في مستقبل العراق ، فمنذ سقوط نظام صدام حسين وحتى الآن كان واضحاً حجم الانحراف عن مبائ وقيم الشهيد الصدر والتخلي عن كل المسؤوليات التي تحتم على هذه القيادات أن تقدم نموذجاً رائداً في مقاومة الاستكبار ومكافحة الحرمان وإعادة العراق إلى خط الحسين الذي رفع شعار « هيهات منا الذلة» .

فهل يأخذ هذا الشعار حقيقته الواقعية على أعتاب محرم الحرام وذكرى عاشوراء ، أم سيبقى التنافس الدنيء على الدنيا والمناصب هو المسيطر على القيادات والقوى السياسية لأعوام قادمة أيضاً !.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى