بعد فشل الرهان على المحكمة… مشروع غربي لمقايضة لبنان المال مقابل التوطين الحريري يحتاج حكومة لا يملك فيها أغلبية ولا ثلث التعطيل للتملّص من الضغوط

كتب المحرّر السياسيّ

تنعقد اليوم القمة الرئاسية الروسية التركية كتتمة لمجريات قمة طهران التي انتهت بخلاف روسي تركي حول العملية العسكرية في إدلب، بعدما نجحت المشاورات المتعددة بين الجانبين على مستويات وزارتي الدفاع والخارجية، بالتوصل لتفاهمات ستظهرها قمة الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب أردوغان. وهي تفاهمات قالت مصادر متابعة إنها ستقوم على إقرار خطة بدء العمل العسكري في منطقة إدلب، تبدأ من المحاور الأشد خطورة حيث يتجمّع التركستان والإيغور في جسر الشغور وسهل الغاب. وقالت المصادر إن سورية لا تمانع بتجزئة عملية إدلب، طالما أن الجيش السوري سيقوم باسترداد سيطرته على التراب الوطني السوري من إيدي الجماعات الإرهابية، وصولاً إلى الحدود الدولية. وقالت المصادر إن موسكو تسعى لترتيب العلاقة بين أنقرة ودمشق بصورة تلتزم فيها تركيا بالانسحاب الكامل من سورية بنهاية الحل السياسي، وإنهاء مخاطر قيام دويلة كردية، وتتعهد بالانسحاب التدريجي حتى الخط الحدودي، مع تقدم العمليات العسكرية والسياسية التي تطال تصفية الإرهاب وانضمام الجماعات الراغبة بالتسوية إلى مسار الحل السياسي.

بالتوازي فشلت السعودية في خلط الأوراق العراقية، بعد رهان امتد لسنة مضت، منذ استقبال ولي العهد السعودي لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، والتحضير للانتخابات النيابية برهان استيلاد أغلبية مناوئة لإيران، دفع ثمن التورط فيها رئيس الحكومة حيدر العبادي، وتولت كتلة المحور الوطني التي ولدت في كنف السعودية والإمارات قلب الطاولة عليها، بعدما نالت رئاسة مجلس النواب مقابل انضمامها إلى تكتل البناء الذي يقوده الحشد الشعبي، ونال التيار الصدري منصب نائب رئيس مجلس النواب بانضمامه للتفاهم، بينما نال الحزب الديمقراطي الكردستاني منصب النائب الثاني، ليتشكل تحالف قادر على تسمية رئيس الحكومة الجديد، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لتسارع السفارة الأميركية في بغداد للتأقلم مع النتائج، بينما بقيت الرياض تتساءل كيف حدث هذا؟

لبنانياً، قالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن لبنان أمام مخاطر ميثاقية جدية مع وجود مشروع غربي لتوطين مؤقت للنازحين السوريين وتوطين دائم للاجئين الفلسطينيين، وإن ما يجري من خلال مؤتمر سيدر في ملف النازحين السوريين هو مسؤولية أوروبا في هذا المشروع، بينما ما يشهده واقع الأونروا هو التعهد الأميركي، والنتيجة واحدة وهي الضغط المالي على لبنان واختراع أزمة مالية لإيصال الحكومة اللبنانية التي يفترض تشكيلها بمقاييس تتيح تعطيلها في حال عدم استجابتها للطلبات الغربية. وهذا سبب الإصرار على تمكين قوى الرابع عشر من آذار من الاحتفاظ بأكثر من الثلث المعطل ليتسنى التحكم بنصاب جلسات مجلس الوزراء أمام كل استحقاق يتصل بملفي النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، من دون الحاجة للتضحية بإمتلاك رئاسة الحكومة التي يجب بقاؤها في يد هذا التحالف الخارجي والداخلي وتحت ضغوطه.

وقالت المصادر إن الكثير مما يُحكى عن الوضع المالي الصعب هو جزء من الخطة، وإن التشبث بشروط مبالغ بها لأحجام حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بطلب سعودي، يهدف لتعويض الفشل في الرهان على دور المحكمة الدولية، التي لم تستطع التأثير في الرأي العام الداخلي والخارجي بما يتيح توظيفها سياسياً، وصار الرهان الوحيد هو على احتجاز رئيس الحكومة داخل لبنان وداخل الحكومة، بينما مصلحة رئيس الحكومة إذا أراد التملص من الضغوط التي تستهدف لبنان الاحتماء بنتائج الانتخابات لتبرير عدم مقدرته على التحكم بقرارات الحكومة، ورفض محاولات تكبيله بثلث معطل سيجبره وجوده بيده ويد حلفائه على الرضوخ، بينما سيشكل اعترافه بالضعف نيابياً ووزارياً طوق نجاة للبنان، ويصير مجرد بقائه رئيساً للحكومة قضية تستحق التنازلات بنظر حلفائه الخارجيين الذين يضغطون عليه اليوم وسيضغطون عليه أكثر إذا تشكلت الحكومة وفقاً للتشكيلة التي يقترحها.

الحريري ينتظر كلمة السر من الخارج!

لا تزال أبواب تأليف الحكومة مقفلة حتى إشعار آخر رغم موجات التفاؤل والأمل التي يضخها رئيسا الجمهورية والحكومة، لا بل يمكن أن تزداد عملية التأليف صعوبة مع اشتداد حماوة الصراع الدولي وتداخل العوامل الاقليمية مع قضايا وملفات الداخل اللبناني الى جانب استعار الحروب على جبهات التيار الوطني الحر بعبدا القوات اللبنانية – الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، والهجوم المعد والمنظم والشرس الذي يشنه هذا المثلث «السيادي» على العهد ورئيس الجمهورية لأهداف سياسية داخلية وخارجية باتت معروفة، ما يجعل امكانية ولادة الحكومة غير متوفرة في المدى المنظور وما حركة الرئيس المكلف المتتالية إلا وسيلة لملء فراغ التكليف المفتوح زمنياً وانتظار كلمة السر من الخارج.

وغمز وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل من قناة هذه الأطراف الثلاثة، واتهمها بالعمل لإفشال العهد، وقال في كلمة له قبيل افتتاحه «مؤتمر الطاقة الاغترابية الإقليمي الثالث لشمال اميركا»: «هناك من يتباهى بالحديث عن أن العهد، فشل، وممن اعتبروه انه ولد فاشلا من اليوم الاول حتى انهم لم يعطوه اي فرصة». أضاف «يمكن ان نفهم سياسياً أنهم بتأخيرهم تشكيل الحكومة يُفشلون العهد، واذ ليس من حكومة أصلاً يكون أفضل لهم. هؤلاء نفهمهم اذا طالبوا بأمور إضافية ليست من حقهم، لأن هدفهم معروف وهو إفشال رئيس الجمهورية وإفشال ما يُسمّى اليوم بمشروع توافقي او ما يسمّونه تسوية رئاسية، وهو توافق بين اللبنانيين وبين كل المكوّنات اللبنانية حتى تسير الأمور في البلد، البعض لا يريد حكومة في لبنان وغير مستعجلين وسعداء بعرقلة تشكيل الحكومة. وهذا هو هدفهم».

وبينما بقيت العقد الحكومية تراوح مكانها لم تسجل عطلة نهاية الأسبوع أي حركة سياسية أو حكومية على خط التأليف، في ظل تمترس القوى السياسية خلف شروطها ومطالبها، لا سيما الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية التي لم تقبل حتى الآن، بحسب معلومات «البناء» التنازل عن حقيبة سيادية العدل مقابل منحها وزارة دولة، بينما يرفض التيار الوطني الحر، بحسب ما قالت مصادره لـ«البناء» اقتراح توزير النائب أنور الخليل لحل العقدة الدرزية، معتبرة أن هذا الحل منسق مع النائب وليد جنبلاط ولن نقبل به متمسكة بتوزير درزي من خارج الكتلة الجنبلاطية، وفي سياق ذلك، تردّد بأن النائب نعمة طعمة وهو مسيحي في كتلة اللقاء الديمقراطي قد يكون أحد الحلول لحل هذه العقدة مقابل توزير النائب طلال أرسلان، ودعا وزير العدل سليم جريصاتي في تصريح رئيس الحكومة المكلف الى «تأليف حكومة منسجمة وفق المعيار الواحد»، مشيراً الى «اننا لا نريد ان نستقصي احداً ولا نريد ان نستثني نتائج الانتخابات الشعبية في الحكومة». وشدد على «اننا نعرف أن الوضع الاقتصادي حرج، ولكن هذه الضغوط لا تصلح على رئيس البلاد لتأليف أي حكومة».

وبرز الى سطح العقد مجدداً «الفيتو» الذي رفعته الولايات المتحدة في وجه تسلم حزب الله حقيبة الصحة في الحكومة العتيدة، وأشارت مصادر «البناء» الى أن مسؤولين أميركيين نقلوا مؤخراً الى المعنيين بالتأليف تهديدات مفادها بأن أميركا ستخرج من مجموعة البروتوكولات الموقعة مع وزارة الصحة اللبنانية في حال آلت وزارة الصحة الى وزير من حزب الله»، الأمر الذي يشكّل دليلاً اضافياً على التدخل الخارجي ليس في توزيع الحصص والتوازنات داخل الحكومة، فحسب بل في توزيع الحقائب ايضاً».

وشدد وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال محمد فنيش على أنه «لم تعد مقبولة هذه المراوحة في مسألة العجز عن تشكيل الحكومة، لأن هناك ضرراً على البلد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وربما لا سمح الله أن يستغل البعض هذا الضرر ليصيب الاستقرار الأمني»، ودعا الى عتماد «معيار واحد يطبق على جميع الكتل النيابية بناء على نتائج الانتخابات النيابية التي اعتمدنا فيها قانون النسبية، وهذا كفيل بأن يزيل المعوقات أمام تشكيل الحكومة، التي لا بد أن يكون فيها أيضاً تفاهم بين الرئيس المكلف وفخامة رئيس الجمهورية».

الاشتراكي مستمرّ بحربه على العهد

بموازاة الحملة القواتية على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر واصل الحزب الاشتراكي حربه بأوامر خارجية على العهد، وغرد النائب السابق وليد جنبلاط، على «تويتر» قائلاً: «يا لها من نظرية عجيبة بأن معاقبة الفلسطينيين وإقصاءهم وقتلهم يساعد في عملية السلام. إنها من بنات افكار صهر ترامب جاريد كوشنر. ونفس النظرية يطبقها الصهر في لبنان لتثبيت هيمنته وما من احد يعارضه سوانا ويدفع الثمن سوانا والبقايا مجموعة أصنام وجيف همها تقاسم المصالح. لا تلعبوا بالنار». ما استدعى رداً من وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، وقال عبر «تويتر»: «نجلك يا وليد عن المشابهة بين جبران، ابن هذه الأرض، وجاريد الذي هوّد القدس. نحن لم نقل يوماً عنك، وأنت ابن هذا الجبل، أنك شبيه الجولاني. العقل والحكمة من سمات بني معروف، فلا تغترب مع غربانك».

مَن يريد التوطين في لبنان؟

الى ذلك عاد شبح التوطين ليطلّ برأسه من جديد وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إن «أميركا أبلغت الحكومة اللبنانية عبر قنوات غير رسمية بأن لبنان ملزم بتوطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه»، ولفتت الى أن «الولايات المتحدة تعمل على مقايضة لبنان بالمساعدة لإعادة النازحين السوريين الى سورية مقابل توطين الفلسطينيين في لبنان». واتهمت المصادر الرئيس سعد الحريري بـ»التواطؤ في المؤامرة الدولية الأميركية الجديدة»، موضحة أن «اميركا وبعض الدول العربية يسعون للبحث عن مناطق جغرافية معينة للاستفادة من الوقائع الحاكمة لا سيما في الأردن لتوطين الفلسطينيين وانشاء وطن بديل لهم ويأتي ذلك في إطار تمرير صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية»، موضحة أن «رفض التوطين بالمواقف من دون قرارات تنفيذية غير مجدٍ».

وأكد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق «أن خطر التوطين ليس مبالغاً به، بل بات حقيقة قائمة، لأن الرئيس الأميركي باتفاق مع دول عربية، قرروا توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم موجودون الآن، أي توطينهم في لبنان، ويمكن لأحد أن يقول ان اللاجئين الفلسطينيين في سورية استقروا وصاروا جزءاً من المجتمع، وكذلك الأمر في الأردن ومصر وغيرهما من الدول الكبرى، ولكن القضية ليست في أن بلدنا صغير ولا يتحمل استقبال وتوطين اللاجئين، بل هي أبعد وأعمق من ذلك». ودعا قاووق القوى السياسية كافة الى «الخروج من انقساماتها لتتوحد على موقف جامع لمواجهة خطر فرض التطبيع والتوطين على المنطقة، وعندها نستطيع أن نواجه التآمر الأميركي والتواطؤ العربي والأطماع الإسرائيلية».

14 آذار تفتعل أزمة مع الكويت

ووسط هذه الأجواء الإقليمية السوداوية والاستعصاء الحكومي، عمدت بعض الأطراف في الداخل والخارج الى استغلال ما قاله أحد الإعلاميين على قناة المنار عن دولة الكويت لإعادة توتير العلاقات اللبنانية – الكويتية وتحميل حزب الله مسؤولية ذلك، لا سيما وأن محاولات مضنية قام بها رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي لترميم هذه العلاقة بين البلدين بعد تأزمها على خلفية ملف «خلية العبدلي»، لكن السؤال المطروح: لماذا لم تتحرك كل هذه الأبواق السياسية والإعلامية المحلية عندما تتعرض بعض الرموز «السيادية» الى الرئيس والدولة في سورية والى الجمهورية الاسلامية في إيران بالعبارات الخارجة عن اللياقة؟ ألا يُعتبر ذلك أيضاً تهديداً لعلاقات لبنان مع دول شقيقة وداعمة للبنان ومقاومته وقضاياه؟ ورغم ضرورة حرص لبنان على علاقاته الجيدة مع كل أشقائه العرب، لكن هل يظهر الرئيس سعد الحريري وقوى 14 آذار الحرص نفسه على علاقة لبنان بسورية وإيران، رغم أن لبنان يرتبط مع سورية باتفاقيات ومصالح استراتيجية واقتصادية وأمنية أعمق من مصالحه مع أي دولة أخرى!

وكي لا يلجأ البعض الى الاصطياد بالماء العكر، سارعت قناة «المنار» الى توضيح الموقف، واشارت الى أن «ما ذكر في إحدى المقابلات حول الكويت لا يعكس موقف المنار ويعبر عن رأي من أطلقه»، مشيرة إلى أنه «جرت العادة أن تستضيف القناة ضيوفاً في برامجها السياسية وهم يعبرون عن آرائهم الخاصة». وأكدت القناة أنها كانت ومازالت تقدر باحترام كبير أمير الكويت والحكومة والشعب الكويتيين، معتبرة أن «محاولة تحويل كلام الضيف إلى مشكلة مع الكويت عمل مسيء وأهدافه معلومة».

ولتطويق اي احتمال لتفاقم الأمور، أجرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مساء امس، اتصالاً هاتفياً بأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح، وعرض معه الأوضاع العامة والعلاقات اللبنانية – الكويتية، حيث أكد رئيس الجمهورية على متانة هذه العلاقات الاخوية وتجذرها، منوها بمواقف أمير الكويت الداعمة للبنان في كل الظروف التي مر بها. وتوافق الرئيس عون والشيخ الصباح على ان لا شيء يمكن ان يؤثر على صلابة العلاقات اللبنانية – الكويتية على المستويين الرسمي والشعبي.

أما اللافت فهو دخول الإمارات على الخط في محاولة لتسعير الأمر وتحريض الكويت ضد لبنان والتعرض لحزب الله، حيث تساءل قائد الشرطة السابق في دبي ضاحي خلفان «ما الّذي يجعلنا نقف مع لبنان وهو يسيء إلى رموز قادتنا الخليجيين الكبار؟ العلاقات يجب أن يُعاد النظر فيها. قطعناها مع القريب، نقطعها مع البعيد، عندما تزيد قلّة أدبه». وأكّد في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ «حزب الله يحاربنا على كل الجبهات، و الحكومة اللبنانية القرار فيها مات. نقطع الصلات والعلاقات».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى