نظرة مبكرة على الانتخابات التشريعية الأميركية المقبلة

يتعاظم الاهتمام المحلي والدولي بجولة الانتخابات الأميركية المقبلة، 6 تشرين الثاني/ نوفمبر، والتي سترسم التوازنات السياسية المقبلة بين الحزبين في مجلسي الكونغرس لسنتين مقبلتين في ظلّ حالة انقسام حادّة في المجتمع والمشهد السياسي الأميركي.

الميزة الأبرز في المشهد المقبل هي نتائج حكم الناخبين على سياسات الرئيس ترامب وإدارته في ملفات متعدّدة، والتي هي بمثابة استفتاء أشمل على سياسات الحزب الجمهوري المسيطر على السلطتين، التنفيذية والتشريعية، تتوّج بانتخاب ممثلين جدد أو إعادة ترشيح البعض منهم ونتائجها تقرّر بالانتخاب المباشر بخلاف الانتخابات الرئاسية التي تعتمد على تصويت النخب السياسية في مجمع الكلية الانتخابية بالإضافة إلى التصويت الشعبي.

توقيت الانتخابات تحكمه آليات دستورية تتيح إجراء انتخابات عامة في الولايات المتحدة كلّ سنتين والتي تصادف منتصف كلّ ولاية رئاسية. الجولة المقبلة تنطبق على كافة مقاعد مجلس النواب بشكل أساسي 435 + 4 مقاعد لممثلين مراقبين يشغلون مقاعدهم لمدة سنتين ، ثُلث مقاعد مجلس الشيوخ 35 من مجموع 100، منها 26 مقعداً لممثلين عن الحزب الديمقراطي ، وحكام بعض الولايات 36 من أصل 50 ، أبرزها ولايات أوهايو، متشيغان، بنسلفانيا وفلوريدا ومسؤولين محليين. كما تستغلّ المناسبة للتصويت على سنّ قوانين جديدة في مختلف الولايات.

من أبرز نتائج الانتخابات المسلّم بها هي ميل الناخبين للتصويت ضدّ حزب الرئيس الحاكم، خاصة في ولايته الأولى. وتشير البيانات الانتخابية القريبة لعام 2017 إلى خسارة حزب الرئيس 28 مقعداً في مجلسي الكونغرس، الأمر الذي حفز مرشحي الحزب الديمقراطي على إعادة قراءة الخارطة الانتخابية وتحفيز قواعده. وفي فترة احتلال العراق، خسر الرئيس بوش الإبن وحزبه الجمهوري عدة مقاعد في مجلس الشيوخ وعدداً آخر من مناصب حكام الولايات، تجسيداً لحالة الإستياء العامة من سياساته وحزبه.

ومن المسلمات أيضاً تأثير حال الاقتصاد على نتائج الانتخابات، وبما أنّ «اقتصاد السوق» في تغيّر مستمرّ يستعصى على المرء التكهّن بنتائج الانتخابات الرئاسية العامة. ومن مفارقة «الانتخابات النصفية» أنّ خسارة حزب الرئيس لم تسفر عن تضعضع نسبة شعبيته في الانتخابات المقبلة، بعد سنتين كما شهدنا في إعادة انتخاب الرؤساء على الرغم من تدني «معدلات الرضى» الشعبية: بيل كلينتون 1994 ورونالد ريغان 1982 وهاري ترومان 1946 .

علاوة على ما تقدّم، ينتظر الناخب الأميركي بشغف نتائج تحقيقات روبرت موللر، المحقق الخاص، فيما أعلن بأنّ لديه دلائل «كافية» تشير إلى تورّط الرئيس ترامب وحملته الانتخابية مع روسيا «للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية» الأخيرة. من المتوقع أن يحجم المحقق الخاص عن إعلان تقريره قبل موعد الانتخابات، بيد أنه يسهم بفعالية في التأثير على توجهات الناخبين بإعلانه التوصل «لصفقة» مع رئيس حملة الرئيس الانتخابية، بول مانافورت، 14 أيلول الحالي، وإعلانه لصفقة مشابهة مع محامي ترامب الخاص، مايكل كوهين، في اليوم عينه.

جولة في النتائج المتوقعة

حالة الاستياء العامة والإحباط بين الناخبين من أداء أركان الدولة، الرئاسة والكونغرس، حفزت تكهّنات معظم المراقبين والأخصائيين إلى ترجيح فوز الحزب الديمقراطي بمجلس النواب دون مواكبة فوز مماثل في تركيبة مجلس الشيوخ.

أبرز «التكهّنات» تتمحور في لجوء الحزب الديمقراطي فور نجاحه إلى المصادقة على البدء بـ «إجراءات عزل الرئيس»، التي تبدأ في مجلس النواب بأغلبية بسيطة، 50+1، وإخفاقه في مجلس الشيوخ الذي يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء، 67. فالمسألة أضحت تسجيل مواقف متبادلة تهيئة للانتخابات الرئاسية المقبلة، ولإدراك قادة الحزب الديمقراطي مخاطر انتقام القواعد الانتخابية نتيجة تصويت بعض أعضائه في مجلس النواب والذين فازوا في دوائر انتخابية أيّدت الرئيس ترامب، والخسارة في الانتخابات العامة المقبلة عام 2020.

من بين الخيارات الأخرى المتاحة أمام الحزب الديمقرطي، ونظراً لترؤسه لجان مجلس النواب في حال نجاحه، المضيّ في إجراءات تحقيق متعدّدة ضدّ الرئيس ترامب، لا سيما في معاملاته المالية ومدى التزامه بالقوانين الضرائبية، علّ بعضها سيصيبه في مقتل وبالمحصلة لن تؤدّي إلى عزله بل التأثير على فرص إعادة انتخابه عام 2020.

بوسع الحزب الديمقراطي أيضاً عرقلة برنامج تخفيض الضرائب الذي يطبّقه الرئيس ترامب على كبريات المؤسّسات ورؤوس الأموال بيد أنّ المسألة محفوفة بالمخاطر أيضاً نظراً للنفوذ الواسع لتلك المصالح الاقتصادية الهائلة داخل الحزب الديمقراطي نفسه وأقصى ما يطمح لتحقيقه هو تعديل بعض النسب في تلك البرامج.

على الطرف المقابل، في حال فوز الحزب الجمهوري بأغلبية مجلس النواب، مرة أخرى، فمن غير المتوقع أن نشهد تغيّرات ملموسة عما هو قائم، بل الإمعان في السياسات المحابية للمصالح الكبرى واستمرار تقليص الإنفاق الحكومي على المرافق العامة.

خريطة مجلس الشيوخ

نظراً لطبيعة الانتخابات المقرّرة لبعض أعضاء مجلس الشيوخ، خاصة أنّ 10 مقاعد لممثلين عن الحزب الديمقراطي تعود لولايات صوتت لصالح الرئيس ترامب، فمن غير المرجح أن تتحوّل قيادة المجلس للحزب المنافس. بل ليس من المستبعد أن يتكبّد الحزب الديمقراطي خسارة إضافية في مقاعد مجلس الشيوخ المقبل.

أبرز المنابر المتخصّصة في تركيببة وتوازنات واستشراف مستقبل مجلسي الكونغرس، رول كاول، تتوقع تمسك الحزب الجمهوري بـ 48 مقعداً إذ لا يحتاج لسوى مقعدين لتصبح النسبة 50 من مجموع 100، يُضاف إليها صوت نائب الرئيس الجمهوري في حال مناصفة نتائج التصويت. في المقابل، يرجح أنّ حجم كتلة نواب الحزب الديمقراطي المضمونة لا تتعدّى 39 مقعداً.

بيد أنّ الخارطة الانتخابية مليئة بالمفاجآت. بعض التكهّنات ترجّح أنّ الحزب الديمقراطي يحتاج إلى مقعدين صافيين للفوز في مجلسي الشيوخ، يعززها ميل الناخبين لتفضيل مرشحيه في ولايات جنوبية لم تكن في متناول اليد قبل هذه الفترة: أريزونا، بيفادا، تنيسي، تكساس، ومسيسيبي.

أما الحزب الجمهوري، وفق قراءة التوقعات، فلديه فرصة سانحة ربما لكسب ثلاث مقاعد لمنافسيه في ولايات ميزوري وداكوتا الشمالية وفلوريدا، إضافة لولاية انديانا مسقط رأس نائب الرئيس مايك بينس.

وعليه، باستطاعة المرء تقدير أنّ الحزب الجمهوري ماضٍ في الاحتفاظ بمجلس الشيوخ، وإنْ شهد خسارة طفيفة في حجم أغلبيته المضمونة.

محورية مجلس الشيوخ، وفق النصوص الدستورية، أنه المنبر المخوّل للمصادقة على الترشيحات الرئاسية من وزراء دولة وسفراء وقضاة. كانت الصيغة المعتمدة لفترة قريبة تقضي بموافقة ثلثي أعضاء المجلس على أيّ مرشح، وأجرى الحزب الديمقراطي تعديلاً جوهرياً على تلك القاعدة تسمح بالنسبة البسيطة، 50+1، للمصادقة. وها هو مقبل على حصد ما اقترفت يداه في لحظة ضعف ورؤية قاصرة ليضع المحكمة العليا في مصاف التيارات الأكثر تشدّداً ومحافظة في الحزب المنافس لعقود وأجيال مقبلة.

سباق مع الزمن

نتائج الانتخابات التشريعية ستظهر بشكل حاسم عشية ليلة الانتخابات، 6 تشرين الثاني المقبل، نظراً لأنها تجري بالاقتراع المباشر، كما أسلفنا.

الأعضاء الجدد سيقسمون اليمين وتسلم مهامهم رسمياً مطلع العام المقبل، بعد انتهاء أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة. أما مصير المرحلة الزمنية الفاصلة بينهما فهي رهن المناورات وتحقيق أكبر قدر من الفرص أمام الحزب الجمهوري قبل أن يسلم راية مجلس النواب لمنافسه الحزب الديمقراطي.

من صالح الحزب الجمهوري، المسيطر راهناً على مجلس النواب، الإبقاء على انعقاده مفتوحاً خلال فرصة الأعياد طمعاً في تمرير والمصادقة على أكبر قدر ممكن من القضايا ذات الأهمية له. ما يعزز تلك الفرضية تصريحات رئيس مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، ميتش ماكونيل، بأنه عازم على تمديد فرصة عمل مجلس الشيوخ لما بعد فترته الزمنية المقررة بغية المصادقة على مرشحي الرئيس ترامب لسلك القضاء تحديداً.

بقاء مجلس الشيوخ بقبضة الحزب الجمهوري، بعد الانتخابات، سيؤهّله التمتع بفرصة أعياد أطول مما كان متوقعاً، إذ لا خشية بعد الآن على خريطة التوازن التمثيلية وتمسكه بزمام المبادرة، وما على الحزب المنافس إلا الانصياع لتوجهات الأغلبية.

في حال حدوث اختراق كبير ليلة الانتخابات يسفر عن فوز الحزب الديمقراطي بمجلس الشيوخ، رغم استبعاده راهناً، فالمشهد السياسي مقبل على حقبة انعقاد وصراع مرير على أجندة الحزب الخصم والمصادقة عليه من إجراءات وتدابير وحرمان الأغلبية المقبلة من تقويض أيّ من «إنجازاته».

بصرف النظر عما ستؤول إليه نتائج الانتخابات المقبلة، فإنّ الحزب الخاسر سيشهد إعادة تموضع وغياب بعض القيادات عن الساحة وتعزيز فرص «الجيل الناشئ» من القيادات الواعدة للحلول محلّ قيادات شاخت وعجزت عن تبني أجندات ومطالب شعبية كما ينتظر من زعيمة كتلة الحزب الديمقراطي في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، أن تخسر موقعها لو تعرّضت استراتيجتها للفشل في كسب أغلبية مقاعد مجلس النواب.

أما في ما يخصّ الحزب الجمهوري، فلم يعد سراً حجم التباين بين الرئيس ترامب وقيادات الحزب التقليدية وصراعهما المفتوح لكسب ولاء التيارات المتشدّدة التي تميل بأغلبيتها نحو كفة الرئيس، وفق شبه إجماع لتوقعات مؤسّسات استطلاع الرأي.

ترامب من جانبة سيسخّر أيّ فوز مهما كانت نسبته ضئيلة لصالحه على حساب النفوذ التقليدي في الحزب، وسيعزز فرصه في إحداث تغييرات بنيوية لا سيما في قمة وزارة العدل حيث ضاق ذرعاً بالوزير الحالي، جيف سشينز، وربما نشهد تغييرات في وزارات أخرى منها وزارة الدفاع حيث يتمّ تسريب معلومات عن رغبة ماتيس بعدم الاستمرار في منصبه بعد الدورة الأولى للرئيس، كما تسود إشاعات عن توتر في علاقته مع ترامب وخاصة بعد نشر كتاب بوب وودوورد.

أيضاً سيعزز ترامب فرصه في الترشح لجولة الانتخابات العامة المقبلة، 2020. وبعكس ذلك سيعاني مجدّداً من ضغوط إضافية لقيادات الحزب التنحي جانباً مما سيثير موجة صراعات واصطفافات جديدة تستمر لما تبقى من زمن لولايته الرئاسية الحالية.

مركز الدراسات الأميركية والعربية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى