آخر الكلام

عبير حمدان

يُقال إن الوطن أغلى من الروح التي ترتقي ذوداً عنه، ويُقال إن ترابه الممتزج بدماء الشهداء يُنبت النصر. ومن يزرع الصمود يحصد البقاء بثبات الواثق ولو كره المارقون من خارج الزمن والتاريخ والجغرافيا.

للشهداء لغة من نور تشكّل مفهوم الوطن الحرّ والعاصي على المحتل. وهم أسياد هذا الزمن وكل زمن. هم نسيم الوجود الذي يسكن أنفاس الشجر. وهم حكايا القرى ونبض المُدن. وهم تاج الأمة ودربها إلى الخلاص من منطق التخاذل والارتهان وإملاءات هجينة وأوهام عدالة كرتونية على قياس حسابات دولية لا تُقارّن بدمعة أطفال هؤلاء الشهداء..

والدمعة أثمن من أي كتاب رسمي يصدر عن جهات قراراتها مشبوهة ورؤيتها منقوصة وتعاطيها فئوي، والدم أغلى من فعل النقاش حول «تغريدة» مدفوع سعرها من رصيد قتلة الأنبياء وأتباعهم.

ولعبة تغييب الأسماء ليست وليدة اللحظة، إنما هي سياسة ممنهجة وقديمة، بدءاً بتحويل مقهى الويمبي إلى متجر ألبسة وصولاً لتغيير وجه بيروت لتصبح عاصمة الخيم الرمضانية الضاجة بالرقص والمقاهي المختنقة بضباب النراجيل، وفي زمن ما تجرأ من كانوا في الحكم ووضعوا خريطة للأرض في وسط بيروت وبدلوا اسم فلسطين باسم «إسرائيل»… وفي زمن آخر اعتبر جزءاً من الذين يقيمون في هذا الوطن أن «عقل هاشم» مظلوم ويستحق أن يُصلّى عليه. وفي زمن ليس بالبعيد سقى هؤلاء العدوَّ الشايَ في ما كانت البلاد تواجه العدوان الحاقد تحت راية «الشرق الأوسط الجديد». وبعدها اجتمعوا ذات غداء في «عوكر» ليكملوا صياغة مجتمع على قياس قوة لبنان في ضعفه. هي سلسلة سمحت لقضاء مشبوه أن يدين مناضلاً حقق العدالة ذات أيلول وقلب الموازين وكسر عنجهية الزمن الإسرائيلي بكبسة زر..

واليوم تخرج الأصوات نفسها في مواجهة لوحة حديدية كُتب عليها اسم القائد المقاوم مصطفى بدر الدين، في محاولة عبثية لتغيير الواقع الذي يؤكد أن مَن يحقق الانتصارات يُحفَر اسمه في سجل التاريخ ولا تلغيه كافة المحاولات الافتراضية لأناس لا يتقنون إلا لغة السُباب والتغريدات الخالية من أي مضمون سواء أكانوا يحملون صفة إعلامية أو وزارية أو حكومية!

قبل أن تغرّدوا بقرارات أكبر من حجم حضوركم فكّروا قليلاً، على هذه الأرض أناس يتمسكون برموزهم ويكبرون بدماء هزمت المحتل والتهديد التكفيري، وكانت حيث يجب أن تكون، على هذه الأرض قوم لا ينكسرون وعزيمتهم لا تلين، هم أكبر من أي تسميات. وعلى هذه الأرض قادة تزهر الشوارع بأسمائهم. وعلى هذه الأرض مَن يرفض ذيول التسميات التي خلفها الاستعمار في الأزقة الضيقة فهل تجرأون على إزالتها؟!

ولأننا قومٌ نحبّ الحياة ونقدّس شهداءنا ونكبر بمناضلينا فلنا الحق بأن نحطّ أسماءهم في كل ركن من أركان بلادنا، ولن نكتفي بجادة السيد هادي نصرالله، وساحة خالد علوان، وشارع مصطفى بدر الدين بل نريد أن أيضاً أن نطلق كل الأسماء.. لكم شوارعكم الضيقة ولنا وطن سهى بشارة، وسناء محيدلي، والحر العاملي، وعماد مغنية، وحبيب الشرتوني، وأحمد قصير وكل مَن حمل راية الحق وبها سما إلى مرتبة الأنبياء…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى