«واشنطن بوست»: العائدون من «داعش» أم متطرفو الداخل.. أيهما أخطر على أمن تونس؟

قبل أربع سنوات بدأ الآلاف ممّن يسمّون «الجهاديين التونسيين» يتدفقون إلى ساحات المعارك في العراق وليبيا وسورية للانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية ـ داعش» و«القاعدة»، أكثر من أية جنسية أخرى. منذ ذلك الوقت خشيت السلطات التونسية والغربية من عودتهم، والفوضى المحتملة التي يمكن أن تحدث تبعاً لذلك، بحسب تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.

حتى الآن لم تتحقق هذه المخاوف وفقاً للسلطات التونسية والدبلوماسيين الغربيين والمحللين الإقليميين.

بدلاً عن ذلك، تقوم تنظيمات «داعش» والقاعدة بتجنيد جيل جديد من السكان المحليين لشنّ هجمات إرهابية في الداخل، بما في ذلك هجوم وقع في تموز الماضي بالقرب من الحدود الجزائرية، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص من الحرس الوطني.

ونقل التقرير عن مات هيربرت، وهو شريك في شركة Maharbal للاستشارات الأمنية مقرّها تونس، قوله: «هذا أمر منشأه في الداخل. غالبية التونسيين الذين نجوا من ليبيا وسورية لم يعودوا».

تحديات تواجه البلاد

وفقاً للتقرير فإنّ استمرار التجنيد المحلي للمسلحين يسلط الضوء على التحديات التي تواجه تونس، وهي الدولة الوحيدة التي ظهرت ديمقراطية بعد ثورات «الربيع العربي» في جميع أنحاء المنطقة. على الرغم من أنّ الاستقطاب الأيديولوجي لـ داعش والقاعدة يبدو أنه تقلص في أجزاء كثيرة من البلاد، إلا أنّ دبلوماسيين ومحللين يقولون إنّ فترة ما بعد الثورة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما زالت تثير الاستياء، خاصة بين الشباب التونسي.

دفع الإحباط الناجم عن نقص الفرص الاقتصادية والحراك الاجتماعي أكثر من 3 آلاف تونسي لمغادرة البلاد إلى أوروبا هذا العام، أكثر من أية جنسية أخرى، بحسب وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة. وقد تسبّبت هذه العوامل نفسها في انضمام الآخرين إلى الجماعات المتطرفة، خاصة في المناطق التي طالما أهملتها الحكومة.

وقال باتريس برجامي، سفير الاتحاد الأوروبي في تونس: «إنّ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية هي أفضل وقود سواء للهجرة غير الشرعية، أو في أسوأ السيناريوات لتغذية الإرهاب».

تجرى الكثير من عمليات التجنيد في الجبال الجنوبية الغربية الفقيرة في تونس على طول الحدود مع الجزائر. لدى كلّ من تنظيم «داعش» وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فرع الشبكة الإرهابية في شمال وغرب أفريقيا، فروع تابعة لها تعمل على طول الحدود. وعلى الرغم من أنّ المتطرفين هم في الغالب من التونسيين، إلا أنّ من بينهم أيضاً جزائريون وأفريقيون وليبيون، حسب قول محللين إقليميين. وأضاف محللون أنّ حوالي 15 إلى 20 تونسياً فقط هم من العائدين من ليبيا وسورية. سافر ما لا يقلّ عن 5500 تونسي في السنوات الأخيرة إلى العراق وليبيا وسورية للانضمام إلى تنظيم «داعش» والقاعدة، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

ونقل التقرير عن محللين قولهم: إنّ العديد من التونسيين الذين ذهبوا إلى ليبيا قتلوا في أواخر عام 2016 خلال مشاركتهم في العمليات القتالية لاستعادة سرت، عاصمة ما يسمّى بخلافة «داعش» في شمال أفريقيا، وفي معركة مدينة بن قردان الحدودية التونسية.

ويُعتقد أنَّ كثيراً من المُتطرفين الذين ذهبوا إلى سورية والعراق لقوا حتفهم وهم يقاتلون هناك. ويُعتَقَد أنَّ من نجا من تلك المعارك يتمركزون في أحد الجيوب التابعة لتنظيم «داعش»، يسيطر عليه مسلَّحون شرقي سورية أو موجودون في السجون السورية. وثمة آخرون قد تسللوا إلى ليبيا للانضمام إلى فرع «داعش» هناك، أو ربما انضمّوا إلى الفرع الموجود بمصر في شمال سيناء. وقد عاد ما يصل إلى 800 مقاتل إلى تونس، وتمّ سجن الغالبية العظمى منهم في جميع أنحاء البلاد.

أرض التجنيد

ويقول بعض المحللين: إنّ المتطرفين الذين ينشطون الآن في تونس يستخدمون البلد كنقطة انطلاق للهجمات على الجزائر التي خاضت مواجهات طويلة مع تنظيم القاعدة، وفي الآونة الأخيرة مع فرع تابع لتنظيم «داعش».

«إنّ تونس هي أرض التجنيد»، هكذا قال مايكل بشير العياري، كبير المحللين التونسيين في مجموعة الأزمات الدولية. ويقول آخرون: إنّ تونس نفسها لا تزال هدفاً بسبب وجهات النظر الحكومية الليبرالية نسبياً حول الإسلام والمرأة وحرية التعبير.

في عام 2015 هاجم مسلحون تونسيون مع تنظيم «داعش» مدينة منتجع سوسة ومتحف باردو الشهير في العاصمة مما أسفر عن مقتل العشرات من الناس، معظمهم من السياح الأجانب. في العام التالي دخل المزيد من التونسيين المنتمين إلى «داعش» من ليبيا وحاولوا الاستيلاء على مدينة بن قردان قبل أن تصدّهم قوات الأمن التونسية.

منذ ذلك الحين، نفذ تنظيم «داعش» والقاعدة المزيد من الهجمات في تونس، لكن لم يكن هناك تبعات كارثية. واليوم يعمل ما يقدر بنحو 200 مسلح ينتمون إلى تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة في الجبال، على الرغم من أنّ عدد المتعاطفين غير معروف، كما يقول محللون.

ويوضح الهجوم الذي وقع في يوليو بالقرب من الحدود الجزائرية طموحات المقاتلين المستمرة. وكانت سيارات الحرس الوطني في دورية في منطقة جبلية نائية بالقرب من مدينة جندوبة عندما ألقى المسلحون الذين كانوا مختبئين في الأدغال قنبلة يدوية ونشبت معركة بالأسلحة النارية.

وقال عمر بن عيسى، وهو مسؤول كبير محلي في غار الدماء، المنطقة الفقيرة التي وقع فيها الهجوم: «لقد كان كميناً غادراً. قُتل الجنود الستة في اللحظة التي وقع فيها الهجوم».

ويشتبه سكان ومسؤولون في أنّ المقاتلين ربما يكونوا قد تلقوا معلومات عن الدورية من قبل أنصار محليين. وأكد الفرع المحلي لتنظيم القاعدة المسؤولية عن الهجوم الذي يقول محللون إنه كان يهدف إلى إظهار أنّ المسلحين لا يزالون يمثلون قوة، واستغلاله من أجل عمليات التجنيد.

وقال هيربرت: «المجموعات التي لا تزال تعمل في الجبال في الغرب لديها الكثير من المهارة. ويبدو أنّ حجمهم نما على مدار العامين الماضيين. لديهم الكثير من المرونة لتحمل المحاولات التونسية لإنهاء هذا النزاع».

استياء شعبي

ونقل التقرير عن حاتم الهواوي، أستاذ ومدوّن في جندوبة، قوله: «إنّ معظم السكان المحليين يعيشون حياة صعبة ويستاؤون من الحكومة مما يجعلهم عرضة لنداءات النشطاء».

وقال الهواوي: «إنهم بائسون ويمكن أن يتمّ تجنيدهم بسهولة من قبل الإرهابيين. إنّ السلطات التونسية تخلق تربة خصبة للإرهابيين، إما عن طريق تهميش قوات الأمن أو تهميش الناس اقتصادياً». وتقول السلطات التونسية إنها أحرزت تقدّماً في التعامل مع التشدّد المحلي، مشيرة إلى انخفاض الهجمات في جميع أنحاء البلاد. قدمت الولايات المتحدة عشرات الملايين من الدولارات لتعزيز الأمن على الحدود الليبية.

يعطي المحللون الأمنيون درجات عالية لقوات مكافحة الإرهاب المدرّبة في الولايات المتحدة من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية واختراق الخلايا وتفكيكها. لكن المحللين يشعرون بالقلق بشأن القوات الأخرى خارج قوات النخبة، مثل الشرطة وحرس الحدود، الذين لديهم تدريبات أقلّ، وهم أكثر قابلية للفساد.

ويشعر المحللون أيضاً بقلق متزايد من احتمال حدوث تطرف في السجون التونسية، حيث يتمّ الاحتفاظ بالعديد من المتطرفين في زنازين تضمّ مجرمين عاديين.

وقال آرون زيلين، الخبير في الجماعات الجهادية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «من المؤكد أنه أمر مثير للقلق نظراً لوجود عدد هائل من الأفراد في السجون المكتظة يخططون لتحركاتهم الاستراتيجية المقبلة عندما يتمّ إطلاق سراحهم من السجن». وأضاف أنّ الدولة التونسية لا تملك برامج إعادة تأهيل، أو إعادة إدماج كافية للمقاتلين السابقين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى