الحلم والولادة والمرأة في معرض للفنان منذر كم نقش في المركز الوطني للفنون البصرية

لورا محمود

عن الحلم والولادة والمرأة والطبيعة تتحدث لوحات فنان يمتلك حرفية عالية في إيصال فنه بطريقة مختلفة عما تعودته العين، لا لكونها غريبة، بل لكونها مرسومة بذكاء فنان تأمل في الكون ووجد إبداع الخالق في كل مخلوقاته في الإنسان والحيوان والطبيعة. فمن يشاهد لوحات الفنان والنحات منذر كم نقش تنفتح أمامه أسئلة وجودية عميقة ومتشعبة بما فيها من ألوان الباستيل الهادئة والحالمة وأيضاً الأنيقة والواضحة الداخلة الى الروح والخارجة من المخيلة. كل هذا نجده في لوحات معرضه الذي افتتح في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق.

كم نقش

التقت «البناء» الفنان منذر كم نقش الذي تحدّث قائلاً: «أنا أهتم بالطبيعة فهي بالنسبة لي كل شيء حي بما في ذلك الانسان والحيوان. وقد رمزت للطبيعة بالمرأة التي تعطي وتنجب. فالطبيعة أصل الأرض لذا ربطت بين الطبيعة والمرأة والأرض من الناحية الكونية، وأردت أن يكون الانسان في اللوحة حراً، له حلمه القادر على تحقيقه فأهم الاختراعات في العالم بدأت بحلم» .

وتابع كم نقش «علينا أن نحلم ونختار بحرية اللغة التي نعبّر بها عن أحلامنا دون معرفة ما يحلم به الآخرون، ثم تبادل الأفكار التي من شأنها إنتاج معارف وثقافات تعكس متطلبات وحاجات مجتمعاتنا لاستمرار الحياة».

وأضاف كم نقش أنّ معرفتنا لتاريخ الحضارات عن طريق ما قدّمته لنا من خبرات وتجارب اكتشفت عبر فنون العمارة والنحت ولوحات وأدوات متعدّدة أخذت طريقها الى المتاحف المنتشرة في كل مكان من أنحاء العالم. كل ذلك يدلنا على أن لغة الفنّ كانت ولا تزال لها الأهمية الكبرى في التعبير عن تطلعاتنا إلى دعم إنسانيتنا.

ورأى كم نقش أن لغة الفنّ ساهمت وتساهم حتى الآن في تطوير مجتمعاتنا وقد أصبحت الثقافة وانتشار المعرفة سهلة بين أيدينا عن طريق اكتشاف الأبجديات ومن ثم فن الطباعة والأدوات الحديثة منذ اكتشاف الصورة الضوئية. كل ذلك يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة في البحث واختيار اللغة المناسبة كلاً منا حسب إمكاناته لتقديم قيم تساعد في دعم الثقافة واستمرار الحياة.

الأخرس

بدوره قال رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس: «إن الفنان منذر كم نقش بشغفه الداخلي نحات مثقف نحتياً ونحات مهم جداً من ثلاثة نحاتين مثقفين نحتياً هم الأهم في سورية. ومن المعروف عند النحاتين في العالم هوس الرسم وكم نقش عنده لغة وحس النحت وعصبية النحات المقاوم للمادة الصلبة».

وأضاف: «إن الطبيعة في لوحات الفنان تحمل مسحة خاصة لا تجعل منها فقط منظراً، بل تحمل مسحة خاصة تجعلها ليس فقط منظراً، بل فضاء متحرّك يتنفس وهذه روح النحات».

ولفت الأخرس إلى العلاقة التي تجمع الفنان منذر بالمادة التي ينفذ بها عمله علاقة حرفية ومقدسة ما جعلته يغني موضوعه بتواضع وشغف وأعطته بعداً ومعنى آخر.

ولوحاته الأخيرة هي نتيجة مراحل أبحاثه السابقة في الشكل والفراغ فلا يجب أن تفهم على أنها رسم عارٍ بقدر ما هي أسطورة. فالأسطورة عند منذر متحرّكة أبداً، ولذا في كل موضوع تتطلّب عملية معمارية متحركة أخرى.

عرابي

وتحدث الدكتور أسعد عرابي لـ»البناء» قائلاً: «لا يمكن أن ندرك خصوصية مبدعات منذر كم نقش إلا اذا بحثنا عن الروابط الجمالية بين منحوتاته الصغيرة البرونزية ورحابة فيافي تصويره الملون بتهشيرات أقلام الباستيل. فهناك علاقة شائكة ورهيفة تثبت أن تصويره المتأخر هو نحته المرسوم او الملون ذلك انه يحيك التفاصيل الحلمية بالحساسية البنائية نفسها. كما أن اللوحات تعوم فيها أجساد أنثوية بعريها الطهراني في قبة الفلك الأعلى متخلصة من آثام الاتصال الحسي وبالقدر الذي تملك فيه إيحاءها الميثولوجي تبدو معراجية تصوفية خاصة طريقة رسم الأنامل الرهيفة. تذكر باستبدال الرضيع لثدي أمه بمصّ إصبعه، وذلك ضمن حالة ملتبسة تقع بين الطهارة والخطيئة القدسية».

ونوّه عرابي سواء أكان الفنان كم نقش نحاتاً أو مصوراً يظلّ منذ عقود صانعاً أحلاماً سوريالية، أو بالأحرى لأشكال أسطورية تعيش في عالم المثل المعلقة مفترشاً أرجوحة السماء ضمن طوباوية مستقيلة من الثقالة الأرضية .

حسن

أما الناقد التشكيليّ عمار حسن فقال عن أعمال كم نقش إن ما نراه على سطح اللوحة امتداد آني وتراكمي لما حصل ويحصل داخل الفنان تلك التيارات المتقدة من الخبرات والهواجس تكون تحت السطح بدرجات عمق متفاوتة، كما يحدث في البحر تماماً. فالفعل الذي نراه على سطح اللوحة لا ينتمي بالضبط لمصفوفات منطقية بالمعنى الذهني ولا لتسارعات الفهم المتصل بتسلسل طبيعي، بل لهذا التوق الحدسي متوجاً بالفعل انطلاقاً من العمق والخصوصية الذاتية ومن هذا السطح التصويري الذي يصبح توليدياً من خلال تلاقح هذه الذرات المونادية مع ذرات الباستيل. الأمر يشبه مجموع الفعل الفني فترة التسعينيات في تجربة الفنان منذر إذ بدأت بنقطة ضوء وذرة لون وقطرة ماء بفعل خيال كان يتحرك الى الدائرة اي الى الرحم المتسع المتشابه لكينونة الذرة او القطرة او النقطة ومنه بدأت ولادة كون اللوحة.

وأضاف حسن: «عندما نسلم روحنا لتكون في يد الحياة يكون الفن. وهذا يقتضي الكثير من الاختمار والتراكم والفعل الفني. فكما يتشكل الكائن من نطفة او الصورة من فكرة او الفنّ من صور تشكّلت لوحة وتجربة منذر من ماء هلامي هش كصلصال من باستيل شفيف، رغم كتلته. فأنشأت لذاتها فضاء ثم طافت فيه طيور التم كروح فسكنت اللوحة ولا تزال حاضرة حتى اليوم».

ويرى حسن أن التقنية التشكيلية بما فيها التنويع بالخامة اللونية والتقنية الروحية تسير جنباً الى جنب في تجربة منذر في تطور طبيعي للشكل والمعنى ويخضع الخط البياني الإبداعي لتوهج أكثر أو أقل تبعاً لمدى الانغماس والهاجس والعمل. وهو ما يمكن ملاحظته في فترة التسعينيات التي مثلت حالة الولادة، بينما نضجت التجربة أكثر مع تقدمها الزمني حتى بتنا نلحظ اشارات واضحة بتحول عالم اللوحة من أرضي إلى سماوي وبدلاً من أن تفترش الوجوه والأصابع الأرض وصولاً الى المدى صارت تطير في السماء بحالة من الفرح والنشوة بما يشبه الرقص وبدلاً من ان تقطف ما هو مادي كالتفاح أصبحت تقطف الغيوم وبدلاً من قطرات الماء والنقط اللونية صرنا نشهد تشكيلات كروية. وهذه اشارة غاية في الأهمية الى رؤية ستجد طريقها الى اللوحة.

يُذكَر أن الفنان منذر كم نقش هو فنان تشكيلي من مواليد دمشق 1935.

تخرّج من كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم النحت، ثم انتقل إلى «باريس»، حيث أكمل دراسته هناك وحصل منها في عام 1976 على الدبلوم العالي للفن. وهو مدرس في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق وله العديد من المعارض الفنية داخل سورية وخارجها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى