زهايمر… نوعاً ما

بلال رفعت شرارة

ضحكت من نفسي الليلة، وقد وجدتني أحاول ارتداء قميصي برجلي اليمنى ! وأضحك من نفسي عندما أجدني لا أتذكّر اسماً معيناً. وأضحك بل أبكي وأنا أنتبه على حين فجأة أنني نسيت الآيباد في المنزل، وكذلك الهاتف النقال أو مفاتيحي الشخصية.

غداً سأضحك من نفسي عندما لا أعرف من أكون، عندما أصبح مثل الحكاية التي أتندّر بها حين سألني حاجز على مدخل عمري من أكون. وكنت أدخل المطرح سيراً على الأقدام فأجبت فلان فضحك. وقال: لا إنني أعرفه، فغيّرت إفادتي وزعمت أنني فلان آخر. فضحك. وقال عسكري الحاجز بغضب: كذاب فأنا أعرفه، فعدت وزعمت أنني فلان فنهرني العسكري وطلب أن أقف جانباً. وبدأ يُجري اتصالاً على الخط العسكري وهو يتطلع الى جسمي وكسمي وأنا أبدو على جانب من الأهمية الا أنني شخص مجنون بالتأكيد. في تلك اللحظة مرّ شخص يعرفني ويسلّم عليّ بالاسم: أهلاً أستاذ بلال، وهنا صافحت نفسي من جريح قلبي.

ها… أستاذ بلال كيفك من زمان لم أستعمل نفسي . وقلت بصوت مرتفع: عدم المؤاخذة فأنا لم أستعمل اسمي منذ زمن بعيد. أنا لا يلزمني اسمي ! . صرخ العسكري: أستاذ بلال تفضل… تفضل… تفضل أستاذ، وتفضلت.

ماذا سيحدث غداً عندما يستبدّ بي الزهايمر عندما أقع ضحية الذاكرة وأنا لا أستحق، حيث إنني ما زلت أتذكّر فلسطين تصوّروا ذلك والشهداء والمظلومين القتلى ضحايا المجازر «الإسرائيلية» وما زال يغلبني وجداني، وما زلت أكتب كلاماً دون غسيل وكوي كلاماً فظاً خشناً.

بالحقيقة أنا لست خائفاً من الضياع، فما يكفيني هو الوصول الى الوادي. وهناك سيجرّني دوري من جناحيه ويمضي بي إلى حيث يستودع نظراتي الشاردة من على شرفة التين، أو أنّ نساء التوت ستكتبن ألوانهن على لوح المسافات بين إحساس الفراشات الزنبقية الألوان بالحرية، وبين غناء عائلة من البلابل على شريط الكهرباء الذي لا ينبض.

لستُ وحدي مَن سوف لا يعرف غداً أسماء العلم للأمكنة والأسلحة والأشخاص، نحن الناس جميعاً سنصاب بداء الزهايمر . فكيف ستعرف أمي أو جارتي او أهل حارتي أنواع الطائرات الحربية من أصواتها؟ وكيف سنعرف إذا ما كانت الطائرة التي تمرّ بطيار او بدون طيار؟ كيف سنعرف بعضنا؟ في أيّ معسكر للاجئين ستقع أفكارنا؟ أيّ بوليس حربي سيقوم بجولة تفقد بين كلمات قصائدنا؟

الفرق بيننا يا حبيبتي هو أنّ عمري يمشي بطريق النسيان او التناسي، أما أنت فإنّ الوقائع الجارية ستغيّر المعالم التي تعرفين، سوف تمشط شعر الأشجار وتضع صباغاً على ما أبيضّ من شعرها وتعيد شباباً كاذباً لعمرها القديم؟

أنا يا حبيبتي اعترف أني إنسان سابق، أصبحت أنام مع الدجاج واستيقظ مع الديكة. في أيامي عشت الحلوة والمرة، تسابقت مع القبابيع في مجرى الهواء، استودعت ذكريات جميلة على مدخل صف الهوا تجوّلت في سوق الخميس، تذوّقت لوزاً وتفاحاً وتيناً، وفي أيامي لم يكن هناك تحالفات دولية جوية ولا هجرة للطيور السورية الى بلاد باردة، كان أبو شادي يحمل ريف حلب الى الوادي، وإذا غادرني فإنه يغترب الى مسكبة في التراب.

أنا يا حبيبتي ارتجف من كثرة الأدوية وأعرفها من بعضها، هذه الحبوب للسيلان وتلك لحماية المعدة. وهذه للسكري والحبوب الحمراء للكهرباء المستحكمة في أقدامي و المنغنير للانقباض الذي يمسكني في بطات رجلي.

سأضحك من نفسي اليوم وغداً رغم أني أعرف أنني هذا الصباح سأزور والدتي إذا كانت قد عادت من الجنوب، وسأزور بيت عمي ثم أني سأبحر بعد ذلك إلى المقهى حيث نتبادل الثرثرة، وسأستودع هذه الأوراق في أمانة كلام ليس بسركم ، وسأقول للبحر من على شرفة المقهى بعض الكلمات، سيأتي المير ويحدثنا عن الحراك المدني وسيأتي عماد ليمسكنا من أسماعنا وهو يخطب فينا، لا وكريم على عادته سيقوم ويقعد.

سأكوي هذا الصباح وأرتديه إلى المساء، سأتعب النهار حتى يمضي وأغلق خلفه الباب وأعود إلى صفحتي الالكترونية لأكتب وأكتب حتى أنام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى