نقل المعركة إلى الداخل الإيراني

د. رائد المصري

بهدوء… فلن نقارب الأفكار المُشوَّهة للأغلبيات العربية ووعْيها الجَمعي والتي نَأَت بنفسها عن أيِّ إدانة للعمل الإرهابي الذي ارتكبته عناصر تكفيرية تأْتَمر بأوامر من غرفة عمليات سعودية أميركية إسرائيلية بحقِّ الشعب الإيراني في منطقة الأهواز. فهذا ما قاله الجُبير منذ أشهر عدة بأنَّنا سننقل المعركة إلى الداخل الإيراني، وأثْنى عليه محمد بن سلمان – والذي تُزيِّن صورته صخرة الروشة في بيروت إكراماً له بعد تحريره لها من دنَس الصهاينة – بأنَّه سيدفِّع إيران الثمن غالياً وينقل المعركة الإرهابية للداخل، وكذلك فعلها المناضل الثوري تركي الفيصل حين قال هذا الكلام في باريس أثناء مؤتمر لجماعة رجَوي المعارضة. إنَّها مشكلة البُنى الفوقية للمجتمع اللبناني والعربي الفارغة والتي أَفْسدت وسائل الإعلام من خلالها عقول الناس الذين اسْتُدرِجوا نحو ثقافة الاستهلاك وغرِقوا في الملذَّات السَّطحية المُبتذَلة، كما تمَّ غسل عقولهم بوسائل الإعلام المتدفِّقة التي أفقدتهم هُوياتهم الطَّبقية وحاجتهم الدائمة إلى الثورة أو على الأقل إلى التغيير في السياسة والاقتصاد للبنية العامة في مجتمعاتهم، وعلى كل سنفرد لهذا الموضع بحثاً آخر… ولكن لندخل في صُلب الحدث الأخرق والذي ما زالت بعض الرجعيات في دول الخليج تراهن وتعمل على ضرب المكوِّنات والنسيج الاجتماعي لدول المنطقة بقصد التفتيت والتقسيم لتكون على شاكلة الكيان الصهيوني كمحميات إثنية ودينية وقبلية متقاتلة تتغذَّى بالنفط والمال السعودي وتتدعَّم بالسلاح الإسرائيلي لتتولّد صراعات تشبه تلك التي أتى بها مشروع داعش والقاعدة لفرض دولة دينية تنبذ غير المسلم وتتعايش في عرق ديني خالص، بما يتيح لـ»إسرائيل» التمثُّل بها وأعتقد بأنها فعلتها عبر قانون الدولة القومية اليهودية من دون أن تنتظر المشاريع المسخ التي تُتْحفنا بها مملكة الرمال في ثالوث دموي تكفيري إلغائي قاتل: منظمات التكفير والإرهاب والتي أُجْهِض مشروعها تقريباً، والكيان الوهابي في السعودية والخليج الذي لا زال يستعيد ويستحضر مجدَه الذي سطَع منذ العام 1800 وما قبل في احتلالاته لبلاد الشام والعراق لقطع الطريق على أي نهضة فكرية تحرُّرية استقلالية وتقدمية يُمكن لها أن تستفيد منها الشعوب العربية والمسلمة خلال تاريخها الطويل والمرير إبان مرحلة محمد علي باشا، ويجدِّد عنفَه الشخصي الحاقد اليوم في شعب اليمن. وثالث هذا الثالوث الدموي هو الكيان الصهيوني الذي يسلك ويستخدم نفس الدور الإرهابي والإلغائي القاتل لشعبنا في فلسطين وسورية ولبنان وكلِّ الشعوب العربية، لكون هذا الثالوث حَكَمَت نشأته وتربيته وترعْرُعِه الظروف الموضوعية ذاتها للمشروع الاستعماري الغربي، بمعنى أنَّ سياقات ظروف وأسباب تكوين وظهور هذه الكيانات الثلاثة تمَّت لأجل الأهداف المرسومة كأدوات في الدور الوظيفي الاستعماري. وفي كلِّ مرة يتقدم واحد منها على الساحة والمسرح ليقوم بالتصفيات المناسبة للفكر وللمنجز الحضاري والاقتصادي والسياسي، وأول ما بدأوا به كان المفكر والزعيم أنطون سعاده لتكُرَّ بعدها سُبحة إجرامهم وتصفياتهم لقضايا وأشخاص ومشاريع التحرُّر العربية والإقليمية…

يريدون اليوم الزجَّ بالمكوّنات والأقليات العرقية والطائفية الآمنة في دولها بحروب عَبَثية واصطفافات مذهبية وطائفية لتأليب الرأي العام في الداخل الإيراني وإظهار صورة للخارج تعكس كما يرسُمون عنف السلطة وقمعها الأقليات الدينية والمذهبية والطائفية، فهم يرسمون ويخطِّطون لسياسات تفتيتية، لكن من وجهة نظرهم ومن خلال تفكيرهم الشخصاني العقيم، فالدولة والنظام السياسي في إيران لا يتعاملان بردِّ الفعل والانفعال لا سيَّما أنَّ إيران دولة حقيقية فيها مؤسسات وجيش وجامعات وعقول وحدود وسيادة في القرار وتداول حقيقي للسلطة. وهنا نطرح أسئلة عديدة لنُقفل خاتمين تساؤلاتنا… لكن أظن أنه لن يكون هناك من مجيب:

هل يستطيع فاقد الشيء أن يعطيه..؟؟ بمعنى كيف يمكن لدول تحكمها قبائل وعشائر وعائلات من الحقبة القروسطية أن تُنظِّر وتطالب إيران بالحريات ومنحها للشعب، وهذه الدول تسجن وتحكم بالإعدام كل مواطن لديها يُغرِّد على تويتر لمجرَّد انتقاده الحكم…؟؟؟ بالتأكيد لا جواب لدى هذه الأغلبيات العربية ووعْيها الجَمْعي…

كيف لهذه الدول أن تتحدَّث عن ضرورة إشراك المعارضة الإيرانية بالحكم وتتحدَّث عن تداول في السلطة وحكم الولي الفقيه الاستبدادي، وفيها نظم ملكية إقطاعية استبدادية لا تعرف تداول السلطة منذ نشأتها وممنوع على الشعب الحديث عن ذلك؟؟ بالتأكيد، لا جواب لدى هذه الأغلبيات العربية ووعيها الجمعي…

كيف تتَّهم هذه الدول إيران وسورية بدعم وإنشاء الإرهاب كداعش والنصرة، وهي التي دعمت وأرسلت المال والسلاح وفتحت الحدود وغذَّت الخطاب المذهبي والطائفي في الإعلام وعلى الشاشات وفي المؤتمرات الأممية والإقليمية وفي الجامعة العربية. وكل هذه المجاميع الإرهابية تدين بولائها للسعودية وللرجعيات الخليج بالصورة والصوت..؟؟؟ بالتأكيد، لا جواب لدى هذه الأغلبيات العربية ووعْيها الجمعي…

كيف تتحدَّث هذه الدول عن تشكيل إيران خطراً على الأمن القومي العربي فيما «إسرائيل» تستبيح أرضهم وعرضهم وتسرح في بحارهم وتعتبر دولهم محميات عسكرية للمستعمر الأميركي والإسرائيلي تنطلق من قواعدها طائرات العدو لضرب دولنا وتقتيل شعبنا..؟؟؟ بالتأكيد، لا جواب لدى هذه الأغلبيات العربية ووعْيها الجمعي…

هل هذا الحقد العربي، أو عند أغلبية العرب أو بعض العرب، على إيران ناتج بسبب عدائها للمشروع الأميركي والإسرائيلي أم وراءه حجج كاذبة عن تدخُّلها في دول عربية؟ وهل كانت نظرتهم لإيران أيام الشاه شرطيِّ الخليج الأميركي كنظرتهم الحاقدة اليوم لها..؟؟؟ بالتأكيد لا جواب لدى هذه الأغلبيات العربية ووعْيها الجمعي…

أيّها العرب قبائل كنتم أو عشائر، بدواً كنتم أم حضر، مدنيين أم رجعيين، استبداديين أم ديمقراطيين.. مهما كنتم، خذوا من إيران ما يفيد مشروعكم في التحرُّر بوجه الغطرسة الاستعمارية الأميركية الغربية والإسرائيلية وصَلَفها واتركوا الباقي… فهي أصلاً لا تريدكم ولا شأن لها بكم… فوُجهتها شرقاً وأنتم وجْهتُكم الغربُ دائماً وحتماً ولضرورة وجودكم….

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى