سقوط الطائرة الروسية: اختبار لفعالية إجراءات موسكو للجم العدوان «الإسرائيلي»

السياسيون في واشنطن منهمكون في معركة حامية الوطيس لتقرير مستقبل مرشح الرئيس للمحكمة العليا، بريت كافينو، أكثر مما يشدّهم اقتراب اللعب على حافة الصدام المباشر بين القوات الأميركية والروسية في سورية.

سيسلط قسم التحليل الضوء على حيثيات الساحة السورية الخاصة بسقوط طائرة استطلاع روسية وعلى متنها 15 عسكرياً، في منطقة شنّ فيها سلاح الجو «الإسرائيلي» غارات صاروخية على الشمال السوري وكذلك تعزيز القوات الأميركية ورفدها بمشاة البحرية، المارينز، في أقصى شمال شرق سورية.

سورية

رجح معهد أبحاث السياسة الخارجية نشوب قتال جديد في إدلب «المعقل الرئيس الأخير لقوى المعارضة السورية.. بما أنّ كافة اللاعبين الأساسيين على الساحة يعدّون العدة لرسم معالم الحملة بما يخدم مصالحهم الخاصة». وأضاف أنه منذ إبرام اتفاق إنشاء «مناطق خفض التصعيد.. استغلت الحكومة السورية وداعميها ثغرات الاتفاق بما يسمح لها شنّ حرب ضدّ المجموعات الإرهابية». ومضى بالقول إنّ شروط الاستسلام التي فرضتها الحكومة السورية على تلك المجموعات في مناطق أخرى من البلاد «اقتضت ترحيل ما تبقى من القوات والعوائل المدنيين إلى محافظة إدلب».

اليمن

حذر معهد واشنطن صنّاع القرار السياسي من عدم تجاهل «الأزمة الرهيبة في اليمن» منذ أن وضعت الولايات المتحدة نصب أعينها هدف «الحيلولة دون بروز فرع لحزب الله في جنوب شبه الجزيرة العربية.. والذي شكل تهديداً صاروخياً جديداً لكلّ من السعودية وإسرائيل». للتأكيد على استنتاجاته، أشار المعهد إلى دراسة حديثة صدرت عن «مركز مكافحة الإرهاب» في كلية «ويست بوينت» البحرية والتي رسمت معالم «حركة يمنية أشدّ طموحاً وعدائية للمصالح الأميركية أوسع مما يدركه» صنّاع القرار.

العراق

لفت معهد واشنطن الأنظار إلى ما يعدّه الكونغرس الأميركي بتجديد العمل بقانون عقوبات ضدّ ما أسماه «وكلاء إرهابيين لإيران»، والذي جاء رداً على «ما تضمّنته تقارير سرية مؤخراً بأنّ إيران وفرت صواريخ باليستية لتنظيمي عصائب الحق وحركات حزب الله النجباء » وبعد ما تعرّض له مجمع السفارة الأميركية في بغداد من «قصف صاروخي» يومي 7 و 8 أيلول الحالي. واستشهد المعهد ببيان صادر عن البيت الأبيض، 8 أيلول، يحمّل فيه «إيران مسؤولية شنّ هجمات تسفر عن إلحاق الأذى بالطواقم الديبلوماسية أو تسبّب أضراراً للمنشآت الأميركية الرسمية».

أفغانستان

شنّ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حملة انتقادات لاذعة ضدّ الحكومة الأميركية «لفشلها» في الحديث بشفافية عن الوضع العسكري في أفغانستان «مما يعيد إلى الأذهان مخاطر إرساء الحكومة لانطباعات مضلِّلة حول نجاحات تحققها في الحرب أو الصراع.. وغزو العراق عام 2003 بناء على معلومات غير دقيقة». وحث المعهد صنّاع القرار على استعادة محتويات مؤلف كلاوسفيتز في الحرب لا سيما مقولته «إنّ ضباب الحرب لا مفرّ منه جزئياً، ولكنه أيضاً يمكن أن يصبح بسهولة جرحاً ذاتياً». وذكر المعهد القادة السياسيين من أنّ ما شهدناه سابقاً «إنشاء عالم خيالي هو أسوأ طريقة ممكنة لبناء استراتيجية.. ففي حمى المعركة يميل العقل إلى فقدان اتزانه».

روسيا

جدّد معهد كارنيغي منسوب العداء الأميركي لروسيا لجملة أسباب منها «انتعاش دور الكرملين كلاعب حاسم في الشرق الأوسط» وتأثيره الإيجابي على شعبية الرئيس بوتين «كما أنّ ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم شكل هبّة لمدى شعبيته، 61-65 قبل الإلحاق ووصل إلى ما ينوف عن 80 بعده». وأعرب عن قناعته بأنّ تلك الشعبية المرتفعة للرئيس بوتين شهدت انخفاضاً في الأشهر القليلة الماضية نتيجة الإحباط العام حول السياسات الداخلية واقتراح الحكومة بخفض مستويات الدعم عن البرامج الاجتماعية». واستطرد بالقول إنّ انخفاض شعبية الرئيس بوتين «قد ترافقها تداعيات حقيقية في ولايته الرئاسية الجديدة واحتمال اندلاع صراع على خليفته» في ما بعد.

الحرب على الإرهاب

أشارت مؤسسة هاريتاج إلى بعض الجديد المتضمّن في ميزانية وزارة الدفاع التي أقرت للعام المقبل، لا سيما بند الطائرات الهجومية الخفيفة، الذي جسّده الرئيس ترامب بالإيعاز لوزير الدفاع «إعادة تقييم آلية تطبيق القوات العسكرية الأميركية لمهام مكافحة الإرهاب بمستويات كلفة دائمة من الجهوزية العسكرية وتسخير الموارد». وأوضحت أنّ ما سينجم عنه «لجوء سلاح الجو لشراء معدات للطائرات من الأسواق التجارية بكلفة أقلّ.. عوضاً عما هو معمول به حالياً من اشتراك طائرات مقاتلة متطوّرة في مهام دعم عمليات القوات الأميركية وشركائها».

أعلنت موسكو، 22 أيلول/ سبتمبر، أنها قرّرت إغلاق «الأجواء البحرية والاقتصادية» السورية إلى ما بعد انتهاء مناوراتها البحرية الجارية، بعد مشاورات مكثفة بين القيادات الروسية المختلفة عقب سقوط طائرة الاستطلاع الروسية فوق المياه السورية 17 الشهر الحالي.

يُشار إلى أنّ مدى «المياه الإقليمية» وفق القانون الدولي يبلغ 22 كلم، أما «المياه الاقتصادية» فهي أبعد من ذلك بكثير، مما يُرسي «قواعد اشتباك» جديدة أمام تصاعد التهديدات الغربية «والإسرائيلية» والرامية لإدامة استنزاف سورية بعد هزائــم متتاليــة تكبّدتها المجموعات المسلحة.

الموقف الأميركي، محور اهتمامنا، أتى سريعاً كاشفاً عمق مستويات التنسيق مع «إسرائيل». إذ نقلت شبكت سي أن أن فور الحادث عن مصدر رفيع لها في الإدارة الأميركية قوله إنه «تمّ إسقاط الطائرة الروسية بالخطأ بصواريخ الدفاع الجوي السوري التي باعتها روسيا لسورية منذ سنوات.

وزير الخارجية مايك بومبيو قال في بيان إنّ «الحادث المؤسف يذكرنا بضرورة إيجاد حلول دائمة وسلمية وسياسية للصراعات الكثيرة المتداخلة في المنطقة، ولخطر الأخطاء المأساوية في التقدير في الساحة السورية المزدحمة بالعمليات». كما دعا لإنهاء عمليات نقل إيران لأسلحة عبر سورية، واصفًا إياها بأنها مستفزة وتشكل خطراً على المنطقة.

الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط يشهد حضوراً عسكرياً مكثفاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالاضافة لروسيا، بشكل غير مسبوق.

وقالت موسكو مباشرة إنّ فرنسا قد يكون لها صلة بحادث طائرة الاستطلاع الروسية «إيل-20»، استناداً إلى بيانات رصد راداراتها قيام «أوفيرني» بإطلاق صواريخ في سير طيران طائرتها «وحضورها في المكان والزمان غير المناسبين.» Auvergne لدى فرنسا، مثلاً، فرقاطة «اوفيرني» أرسلتها للمرابطة بالقرب من الشواطئ السورية وكانت نشطة في إطلاق صواريخ مجنّحة باتجاه مدينة اللاذقية.

السؤال المحوري الذي يولده سقوط «ايل- 20» على بعد 27 كلم غرب مدينة بانياس بريف اللاذقية وعلى متنها 15 عسكرياً روسياً، إنْ كان القرار جاء بطلب من «طرف ثالث»، أسوة بما حصل مع إسقاط مقاتلة سوخوي- 24، من قبل تركيا في عام 2015 بقرار من حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة.

في كلتا الحالتين، غاب الدور الأميركي عن صدارة الحضور المباشر، ومن المستبعد وفق رؤى صالونات واشنطن الاعتقاد أنّ وجهة الإتهام «إسرائيل» قرّرت «انتهاك الوضع القائم طوعاً، خاصة أنّ «إسرائيل» وافقت على «مبادرة الرئيس الروسي بإرساء قواعد اشتباك محددة» للحيلولة دون وقوع صدام مباشر مع القوات الروسية هناك.

البيانات الروسية الأولى حول سقوط طائرة الاستطلاع أشارت إلى «حادث».. الطائرة التي اختفت عن شبكة الرادارات تزامن مع شنّ طائرات حربية «إسرائيلية» هجوماً على مواقع سورية في اللاذقية وقيامها بمناورات جوية استفزازية عرّضت الطائرة الروسية للخطر». وأنّ المقاتلات «الإسرائيلية تستّرت بالطائرة الروسية»، ما جعل الأخيرة عرضةً لنيران الجيش السوري.

أضاف المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، إنّ الطائرة «إيل- 20» تتميّز بسطح عاكس فعّال أكثر من «أف- 16» الأميركية ، الأمر الذي جعلها هدفًا للدفاعات الجوية.

الخبير العسكري والأستاذ في قسم العلوم السياسية والاجتماعية بجامعة بليخانوف للاقتصاد في موسكو، ألكسندر بيريندجييف، رجّح أنّ ضربات العدوان الغربي على سورية هذه المرّة لن تُسدّدها المدمّرة الأميركية والطائرات الاستراتيجيّة وحسب، بل سيكون هناك «مدعوّون جدد»، لا سيما أنّ طواقم عسكرية أميركية ماضية في إعداد مطار عسكري في مدينة الشدادي شمال شرق سورية.

ما يعزّز توجيه الإتهام بالمسؤولية لواشنطن، من المستويين العسكري والسياسي، التصريح الأخير لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، 21 الشهر الحالي، بقوله «إنّ أكبر تهديد لسيادة سورية ووحدتها يأتي من شرق الفرات»، أيّ المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية المدعومة من قبل «التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن».

تكثيف واشنطن لحضورها العسكري في سورية أوضحته شبكة «رووداو» الكردية يوم 20 الشهر الحالي، لا سيما في تمركز عدد من الشاحنات المحمّلة بالأسلحة والعتاد في محيط مدينة الحسكة ودخول «500 شاحنة أميركية محمّلة بالأسلحة والمعدات العسكرية لمناطق كوردستان سورية وشمال سورية منذ مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الحالي»، أرسل قسم منها إلى منطقة «منبج» بريف حلب.

أضاف المصدر الكردي أنّ لأميركا «.. أكثر من 18 قاعدة عسكرية في سورية وكردستان السورية» بالإضافة لوحدات من قواتها الخاصة وفدت تباعاً.

في ظلّ هذه التطورات والصدام يلوح في الأفق، أعلن سلاح البحرية الأميركية، 20 أيلول الحالي، وصول «مجموعة ضاربة من سفن الأسطول الأميركي تتقدّمها حاملة الطائرات «هاري ترومان»، دخلت المتوسط وشرعت في تنفيذ عمليات تدريبية هناك». يذكر أنّ حاملة «هاري ترومان» شاركت بقصف دمشق ومواقع سورية بصواريخ «توماهوك» في شهر نيسان/ ابريل الماضي. وتتضمّن المجموعة، حسب قائدة الأسطول السادس الأميركي ليزا فرانشيتي، طراد «نورماندي» الصاروخي وعدد من المدمّرات بالإضافة إلى «هاري ترومان» التي تحمل على متنها 9 مجموعات من الطائرات المقاتلة.

موسكو أعدّت رزمة «مفاجآت» للردّ على الضربات الأميركية – الأطلسيّة المُزمعة، موضحاً انّ ردّ موسكو جاء بالكشف عن قدرات الطرّاد الصاروخي الروسي «مارشال اوستينوف»، المرابط بالقرب من السواحل السورية، والذي باستطاعته تنفيذ منطقة حظر جوّي في منطقة طرطوس وقاعدة حميميم بوسائل الدّفاع الجوي «أس300 إف «فورت»، والتصدي لأيّ صواريخ يحتمل إطلاقها عبر المجال الجوي اللبناني.

في تطوّر لافت وبالغ الأهمية خلال زحمة الاهتمام بموعد بدء معركة تحرير إدلب من المجموعات المسلحة، أعلنت روسيا وأميركا عن اتفاقهما لتفكيك «مخيم الركبان» وسحب القوات الأميركية من التنف على الحدود الجنوبية لسورية وترحيل المسلحين إلى إدلب. واكبه اتفاق القمة بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره التركي أردوغان في سوتشي الروسية لتجنيب إدلب معركة قاسية بالقضاء على المجموعات الإرهابية هناك «تدريجياً» بدءاً بإنشاء «منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب.. وخروج جميع الفصائل الجهادية في 10 تشرين الأول/ اكتوبر المقبل ونزع الأسلحة الثقيلة من دبابات وصواريخ ومدافع هاون» التي بحوزة تلك المجموعات بالإضافة الى بنود أخرى تتعلق بطبيعة الترتيبات والتنسيق الميداني مع تركيا.

الإعلان عن «إخلاء» قاعدة التنف من الوجود الأميركي لم ينل اهتماماً أميركياً كافياً، كونه جاء ترجمة لقمة هلسينكي بين رئيسي البلدين، من ناحية، وكونه يجسّد المأثور الشعبي «الطبل بإدلب والعرس بالتنف».

أمام هذه الخلفية من «تراجع المخطط الأميركي» بتفكيك سورية، وحشد قوى عسكرية غير مسبوقة بين الدولتين العظميين، ومثلث العدوان الثلاثي القديم، معطوفة على «تساهل» روسيا النسبي في التصدي لاختراق الأجواء السورية المتواصلة، قفز المشهد السياسي العام إلى مناخ جديد «لإرجاء» الصدام العسكري والسماح باستعادة الدولة السورية سيادتها «تدريجياً» على محافظة إدلب. أما مصير المجموعات المسلحة فقد تمّ «إعادته» للدول الراعية، عبر تركيا، التي ستكون مسؤولة دولياً عن «الفصل بين القوى المختلفة» وتركها لمصيرها المحتوم إنْ لم تقبل عروض المصالحة من الدولة السورية.

الثابت في السياسة الدولية أنّ روسيا وأميركا أحجمتا عن الصدام المباشر، على الرغم من لعب الأخيرة على حافة الهاوية، خاصة بعد ورود أنباء شبه موثقة بأنّ الضربة الصاروخية الأخيرة لمدينة اللاذقية ومحيطها جاء بعد توفر «معلومات استخباراتية محكمة» تفيد بأنّ الرئيس السوري بشار الأسد يتواجد في تلك المنطقة ليتمّ استهدافه شخصياً وقلب المعادلة الميدانية.

أما وقد حسمت روسيا مرحلة ما بعد إسقاط طائرتها الاستطلاعية فقد أعيد الاعتبار للحلّ السياسي، الذي تفضله واشنطن بصيغة «مؤتمر جنيف» بصرف نظرها عن التحوّلات السياسية والميدانية الممثلة بهزيمة القوى التكفيرية ودخول الأمم المتحدة مجدّداً على ذات اللحن السياسي.

جدير بالذكر أنّ روسيا لم تقتنع بالتبريرات التي قدّمتها تل أبيب حول ملابسات سقوط الطائرة ولا تزال تُخضِع الحادث للمزيد من التحقيقات، وكلّ المؤشرات تدلّ على أنّ القيادة الروسية عازمة على اتخاذ إجراءات جديدة تتركز حول حماية قواتها العاملة في سورية، وليس من المستبعد تزويد سورية بمعدات تقنية وعسكرية جديدة متطوّرة تضمن التصدّي والردع للإعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة كما حسم الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله في خطابه الأخير مسألة امتلاك المقاومة اللبنانية للسلاح الضروري دون الحاجة لأيّ «شحنات» جديدة عبر سورية، وهي الذريعة الجاهزة «إسرائيلياً» لتبرير اعتداءاتها.

سيتمّ اختبار مدى الإجراءات الروسية الجديدة في سورية لدى ايّ محاولة اعتداء إسرائيلية مرتقبة على السيادة السورية، ولقد فرضت حادثة سقوط الطائرة الروسية والمسؤولية «الإسرائيلية» فيها إعادة النظر بالمقاربة الروسية المتساهلة لتاريخه في التعامل مع الكيان «الإسرائيلي»…

مركز الدراسات الأميركية والعربية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى