لبنان… لم ينتهي عصر الرسالات بعد مهتدي الحاج انموذجاً!

طلال مرتضى

من قال إن زمن الأسطورة قد ولى، لقد خاب معطاه هذه المرة. وقد تناسى ربما عن غير دراية أو فكرة، بأن هناك نقطة جغرافية لم تزل تلد من لدن روحها رسائل محبة وسلام أبديين لكرة الأرض جمعاء، وإن تلك النقطة لم تشخ بعد، فهي كلما عصفت بها ريح السياسة انبلج من رحمها عنقاء جديد ليرسم من لأبنائها خطوط النور الذي ينير عتمة الكون أجمع..

لا تراهنوا على مساحته الصغيرة، لا تراهنوا على فرقة أولاده بفعل السياسة، لا تراهنوا على قلة موارده، لا تراهنوا وإن أقاموا عليه العزلة، فهو لا يستكين، ولا يلين، لعله ينحني ليمرّر العاصفة، لكنه لا ينكسر، ليس لشيء إنما لأن الله حباه بلهج الرسالات لهذا بقي وسيبقى أبداً سامياً وشامخاً كما أرزه المتعالي، لبنان، «لبنان يا نبض الدني».

حين ولى عصر النبوءات والرسل، ولد لبنان من رحم روحه رسولاً كي ينشي غرور البشرية فكان جبران النبي، واليوم يعيد كرة الحكاية مجدداً حيث يهدي العالم المثكول فلذة قلبه، طفله الواعد ليعلم البشرية بأن فتنة الحدود كذبة، وإن جغرافية الله هي للجميع كما الماء والهواء..

مهتدي الحاج، شاب لبناني لا فضل لأحد على قيامته إلا هو، تعلم منذ نعومة بنانه فتنة الجلوس على كرسي البيانو الغاوي، لم يكن ليريد سوى هذا الكرسي الذي يضاهي عنده كرسي الرئاسة حين يعتليه..

صنع ذاته بذاته دون منة، وزّع حواسه كلها على جميع خطوط الأرض الطولية والعرضية، لكنه ترك حبل روحه السري مشنوقاً على سارية «لبنان» الذي لم يستطع الانسلاخ منه لتحقيق ذاته، لهذا وكلما تفتحت بين أصابعه نقطة ضوء، كان يقف ويقول، تلك أهديها لوطني الكبير، لبنان.

مهتدي الحاج 31 عاماً.. استطاع وبفترة قياسية كسر نمطية أرقام الصدارة بعدما رفع للمرة الأولى علم لبنان في المركز الأول للعزف على البيانو الكلاسيكيّ في أوروبا، في المباراة العالمية التي أقيمت في بودابست، والتي شارك بها محترفو العزف من مختلف أنحاء العالم، وكذلك استطاع تحقيق مراتب وجوائز عديدة في روسيا ودول أوروبية… اليوم بدأ الحاج جولة فنية جديدة في أوروبا، انطلاقاً من عاصمة النور باريس وسيحلّ ضيفاً كبيراً في السابع والعشرين من هذا الشهر على مدينة الفكر فيينا، ليحيي حفلاً موسيقياً هنا، ثم يتابع جولته نحو بروكسيل وإلى نهاية مطاف حكايته..

وهذا ما فتح من جديد آفاقاً جديدة للتعاون بين بعض المؤسسات اللبنانية والنمساوية التي رعت حفل العازف الحاج، حيث يُقام حفل فيينا برعاية من «جمعية التنمية للإنسان والبيئة DPANA»، وهي مؤسسة لبنانية تسعى لبناء مجتمع ديمقراطي غير عنيف يتمتع فيه الأفراد بجميع حقوقهم وحرياتهم دون تمييز، وتقوم أيضاً بتقديم مجموعة من المشاريع لتعزيز التربية المدنية والمشاركة ودعم ونشر ثقافة السلام والثقة والتفاهم مع الأخذ بعين الاعتبار ما هو منوط لحماية وتعزيز أهمية الموارد البيئية الطبيعية، هذا من الطرف اللبناني. وأما النمساوي فكانت، المؤسسة المشرقية النمساوية للثقافة والاندماج cup of cultures والتي تعنى بدعم النشاطات الثقافية وسياسة الاندماج من خلال إقامة فعاليات على كل الأصعدة مع دعمها بكورسات لتعليم اللغات العالمية لتكون مفتاحاّ يسيراً للتواصل بين أبناء البلد والوافدين الجدد.

كاتب سوري/ فيينا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى