حسن حردان

فوجئ رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب من استهزاء وسخرية رؤساء وقادة دول العالم منه أثناء إلقائه كلمة بلاده من أعلى منبر دولي، ولحظة مشاهدته من قبل جميع شعوب العالم.. ولم يكن أمام ترامب سوى التظاهر بأنه ابتلع الإهانة عندما ضجّت قاعة الجمعية العامة بالضحك عليه لحظة حديثه عن إنجازات إدارته التي راح يتفاخر بها.. وقال تعليقاً على ذلك.. «لم أكن أتوقع ردة الفعل هذه لكن حسناً»…

هذا المشهد الأممي ليس عادياً فهو نادر الحدوث خصوصاً مع رئيس أكبر دولة في العالم مثل الولايات المتحدة الأميركية التي كانت حتى الأمس القريب تفرض سلطانها على المنظمة الدولية ولا تجرؤ الدول على الخروج عن طوعها.. ما يؤشر إلى حجم تراجع هيبتها وسطوتها وفقدانها احترام دول العالم على نحو غير مسبوق في ظلّ إدارة وعهد الرئيس الأميركي ترامب المثير للجدل منذ انتخابه، انْ داخل الولايات المتحدة أو في خارجها، والسبب انّ ترامب بقراراته وسياساته غير المتوقعة، من رئيس أكبر دولة، صدم دول العالم وفي المقدمة حلفاء أميركا، مما تسبّب في مشهد عزلة أميركا في مجلس الأمن الدولي أثناء تصويت جميع الدول ضدّ قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية العنصرية ونقل سفارة أميركا إلى القدس، حيث وقفت المندوبة الأميركية وحيدة في جانب وباقي الدول في المقابل في موقع الرافض لمثل هذا القرار الأميركي المنتهك لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة.. وقد علقت وكالة «رويترز» على هذا الموقف النادر بالقول: «وجدت واشنطن نفسها معزولة الجمعة الثامن من ديسمبر/ كانون الثاني ، في مجلس الأمن الدولي الذي عقد جلسة طارئة عبّرت فيها الامم المتحدة عن «بالغ القلق» إزاء مخاطر تصاعد العنف إثر قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بشكل أحادي بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، في حين أكدت دول المجلس الأوروبية أنه يخالف قرارات الأمم المتحدة. وصرّح سفراء السويد وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا أنّ قرار دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل «لا يتطابق مع قرارات مجلس الأمن الدولي «مؤكدين أنّ القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكدت الدول الأوروبية في إعلان صدر في بيان إثر اجتماع طارئ لمجلس الأمن وجدت فيه واشنطن نفسها معزولة، «أنّ وضع القدس يجب ان يحدّد عبر مفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين تختتم باتفاق حول الوضع النهائي».

وفي الواقعة الجديدة علق موقع» مشابل» الأميركى بالقول: «إنه بعد يوم من سخرية قادة العالم فى الأمم المتحدة من خطاب ترامب، استرجع الرئيس الأميركى هذه اللحظة المحرجة واعتبرها موقفاً مشرفاً».

وأضاف الموقع، يبدو أنّ الرئيس الأميركى أساء فهم ردّ الفعل، فالحضور «ضحك على» جملته ولم «يضحك معه».

وكان بعض الحضور ضحكوا وتمتموا عندما أثنى ترامب فى خطابه أمام الجمعية العامة على الإنجازات «الاستثنائية» لإدارته.

وبسؤاله عن هذا الموقف، علق ترامب: «لقد كان رائعاً، كان من المفترض أن نحصل على بعض الضحكات، لكنه كان رائعاً». وأعرب عن «سعادته البالغة» بخطابه، قائلاً: «لقد حصلنا على تقييمات جيدة للغاية».

ويُذكّر الضحك فى اللحظات الأولى من خطاب الرئيس الأميركى بانتقاداته عندما كان مرشحاً رئاسياً لسابقه باراك أوباما، الذى كان يتبنّى سياسة تميل للإنخراط الدولي، وكان ترامب يقول إنه بسبب القيادة الأميركية الضعيفة، «العالم يضحك علينا».

وفى 2014، غرّد ترامب قائلاً: «نحتاج إلى رئيس لا يثير ضحك العالم كله. نحتاج إلى قائد عظيم بحق، عبقري فى الاستراتيجية والفوز، والاحترام!»

ما الذي جعل ترامب موضع سخرية وتزداد معه مشاهد عزلة أميركا على المسرح الدولي؟

الجواب لا يحتاج إلى كثير عناء، فترامب لم يبق على صديق لأميركا عندما أعلن مؤخراً الحرب الاقتصادية على دول العالم بما فيها الدول الحليفة للولايات المتحدة، وصنّف هذه الدول باعتبارها عدوة لأميركا، في حين لم يتوقف عن مطالبة الدول التي تتواجد فيها قواعد أميركية دفع ثمن حمايتها، جاعلاً من السياسة الخارجية الأميركية سياسة تقوم على البزنس والابتزاز العلني في سابقة غير معهودة على هذا النحو في السياسة الأميركية.. وإنْ كانت تمارس مثل هذه السياسة الأميركية سابقاً بصورة مستورة وأقلّ فجاجة ورعونة وتراعي العلاقات الدولية.. وفيها احترام أقله للحلفاء…

على أنّ كلّ ذلك إنما هو مؤشر قوي على انحدار الإمبراطورية الأميركية والدرك الذي بلغته سياستها الخارجية، وهو ما يعكس اضطراب وتخبّط سياسة الإدارة الأميركية الناتجة عن تراجع الهيمنة الأميركية الاقتصادية والعسكرية والسياسية على العالم وانكسار احتكارها للقرار الدولي.. في وقت باتت تسير فيه أميركا في طريق خسارة سيطرتها على القرار المالي نتيجة إشهارها سلاح العقوبات المالية ضدّ الدول والشركات العالمية التي ترفض الالتزام بالعقوبات الاقتصادية التي تفرضها ضدّ العديد من الدول بهدف إخضاعها لمتطلبات السياسة الأميركية.. ما يدفع دول العالم إلى التقارب والتعاون للتخلص من نير هيمنة الدولار والنظام المالي الدولي الذي تتحكم به أميركا.. إنه زمن انهيار وتداعي الهيمنة الأميركية…

كاتب وإعلامي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى