منظومة «أس ـ 300» السورية هل يقتضي أن تحمي لبنان والمقاومة؟

عصام نعمان

مَن يُتابع كلمات ترامب ونتنياهو ومحمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي التصريحات الصحافية اللاحقة، يظنّ أنّ الشغل الشاغل لهؤلاء هو توليف تسوية للصراع الإسرائيلي – الفلسطينيي على قاعدة دولتين لشعبين، او دولة واحدة، او وفق ترتيبات «صفقة القرن». لكن الواقع مغاير تماماً. فالهاجسُ الأوّل لقادة الكيان الصهيوني وبالتالي لترامب وفريقه العائلي والرسمي هو «أمن اسرائيل» بالمفهوم الذي تستبطنه القيادة الصهيونية أو بالمفهوم الظرفي الذي يعرض، أحياناً، بعض جوانبه نتنياهو او وزير حربه ليبرمان او رئيس أركان جيشه ايزنكوت.

«إسرائيل» خائفة، نعم خائفة، في ضوء ما تعرفه عن قدرات أعدائها في الحاضر وما يمكن أن تكون عليه في المستقبل، او ما يخططون له وهذا هو الأهم لمواجهة ما تعتزم هي القيام به في المدى الطويل بدعمٍ من راعيتها الأبدية: الولايات المتحدة الأميركية.

«إسرائيل» خائفة لأنّ سورية استعادت أو كادت السيطرة على كامل ترابها الوطني وباتت على وشك إعلان الهزيمة المدوّية لفصائل الإرهاب التكفيري العاملة في إطار المشروع الصهيو – أميركي لتفتيتها وإخراجها من محور المقاومة. و«إسرائيل» خائفة أيضاً من استعادة الجيش السوري قوّته، وتعاظم خبرته القتالية خلال الحرب، ومن حصوله على أسلحة متطوّرة ونوعية جديدة في مقدّمها منظومة الدفاع الجوي «أس ـ 300» وأجهزة روسية أخرى للرصد والتشويش الجوي العملاني. وهي خائفة، على وجه الخصوص، من تعاظم قدرات المقاومة اللبنانية حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة ومفاعيل التنسيق والتعاون بينها وبين الجيش السوري على نحوٍ يجعل من جبهات القتال في شمال فلسطين المحتلة وشمالها الشرقي وجنوبها الغربي جبهةً واحدة.

«إسرائيل» خائفة أيضاً من مفاعيل ما تسمّيه «الوجود الإيراني» في سورية. ذلك أنّ إيران باتت تمتلك صواريخ باليستية وافرة للمدى القصير والمدى البعيد وانّ من شأنها تشكيل خطرٍ داهم على جبهتها الداخلية بكلّ أبعادها.

في مواجهة هذه التحديات والمخاطر، تعتمد «إسرائيل» على نفسها، بالدرجة الأولى، وعلى دعم أميركي سياسي واقتصادي وعسكري بلا حدود. ألم يعترف ترامب علانية في الأمم المتحدة بأنّ «أميركا مع إسرائيل مئة في المئة»؟ ألم يقل أيضاً انّ صهره جاريد كوشنر المسؤول عن ترتيبات «صفقة القرن» «يعشق إسرائيل»؟!

مع ذلك يدرك القادة الصهاينة ان لا أفق لكلّ ما يجري تداوله حالياً بشأن تسوية الصراع «الإسرائيلي» – الفلسطيني. فلا دولة ولا دولتين ولا تنفيذ لترتيبات «صفقة القرن» في المستقبل المنظور. فالفلسطينيون عموماً، حتى محمود عباس وغيره من مسؤولي السلطة الفلسطينية، يشترطون عودة ترامب عن مواقفه الأخيرة: الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، واستمرار عملية الاستيطان، ووقف تمويل وكالة «الأونروا، وإغلاق مكتب سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. هذا فضلاً عن عدم القبول بالولايات المتحدة وسيطاً وحيداً بين الجانبين. مع العلم انّ معظم منظمات المقاومة الفلسطينية ترفض اعتماد المفاوضة طريقاً لتحقيق هدفيّ التحرير والعودة وتتمسك تالياً بنهج المقاومة بلا هوادة.

الى ذلك، لا تبدو «إسرائيل» في وارد التنازل عن أيٍّ من مكاسبها الاستيطانية أو شروطها الأمنية لتسهيل العودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين. لعلّ ما قاله نتنياهو بعد لقائه ترامب يلخّص حقيقة الموقف «الإسرائيلي»: «الولايات المتحدة تقبل، حتى في حال تحقيق حلّ الدولتين، احتفاظ «إسرائيل» بالسيطرة الأمنية العامة في الضفة الغربية. «إسرائيل» ستحتفظ ضمن أيّ اتفاقٍ للسلام بالسيطرة الامنية بين نهر الأردن والبحر المتوسط». بكلام آخر، احتلال «اسرائيل» للضفة الغربية باقٍ، فأيُّ معنى يبقى للدولة الفلسطينية الموعودة؟

كلّ هذه التحديات والمواقف المتضاربة والمتناقضة تؤشر الى ان لا قضية ولا ترتيبات ولا اهتمامات في غرب آسيا من شواطئ البحر المتوسط غرباً الى شواطئ بحر قزوين شرقاً إلاّ بما تعتبره «إسرائيل» متعلقاً بأمنها القومي وبما يجب ان تتخذه الولايات المتحدة من تدابير دعمٍ لها غير محدود.

من الطبيعي، والحال هذه، ان يكون الهمّ والإهتمام الرئيسان لأطراف محور المقاومة ولروسيا الى حدّ ما منصبّين على الحرب في سورية وعلى حلفائها، ولا سيما بعد تلميح نتنياهو في الأمم المتحدة بقصف «مواقع صواريخ دقيقة» زعم انّ حزب الله أقامها بالقرب من مطار بيروت الدولي وفي محيطه بقصد ضرب «إسرائيل» في العمق.

إنّ التهديد بضرب المقاومة في لبنان يجب أن يدفع أطراف محور المقاومة إلى التحسّب للدفاع عنها بلا تردّد، فهل هي مستعدة لذلك؟ هل تعمد سورية، بعد حصولها على منظومة «أس ـ 300»، إلى نشر بطاريات منها على مقربة من حدودها مع لبنان بغية وضع البلد الصامد المقاوم، جواً وبراً، تحت مظلة حماية عملانية فاعلة؟ ام تراها ترضى بأن تتولى هذه المهمة وحداتٌ من حزب الله متموضعة في المنطقة عينها؟

ثم، ماذا لو وضعت روسيا قيوداً ومحدِّدات على سورية لجهة مواقع نشر بطاريات «أس ـ 300» واستعمالها وتحفّظت على استفادة لبنان والمقاومة في ربوعه من الحماية التي يمكن ان توفرها؟ ألا يصبح من واجب إيران المسارعة الى تزويد سورية، كما حزب الله، ببعضٍ من بطاريات «أس ـ 300» التي زوّدتها بها روسيا ما يفكّ حَرَج هذه الأخيرة التي، ربما، ما زالت حريصة على التنسيق العملياتي مع «إسرائيل» تفادياً لأيّ تصادم؟ أخيراً وليس آخراً، أليس تمكين حزب الله من تصنيع صواريخ دقيقة في منشآتٍ خاصة به في لبنان او سورية هو الحلّ الأفضل والأفعل لبناء جدار رادع وراعب في وجه «إسرائيل»، لاجمٍ لجنون أصحاب الرؤوس الحامية من سياسيّيها وجنرالاتها العنصريين؟

أسئلة ملحاحة تبحث عن أجوبة في زمن التحديات والمخاطر الماثلة.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى