هل حكومة الحريري لبنانية؟

د. وفيق إبراهيم

تتجاهلُ حكومة تصريف الأعمال تهديدات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي المحتل بنيامين نتنياهو بتدمير لبنان بذريعة أن حزب الله يختزن في معظم مدنه وعاصمته أسلحة صاروخية ما يثير عجب الكثير من اللبنانيين لا سيما أن البلاد مهددة بشكل فعلي بثلاثة مخاطر: عدوان إسرائيلي جوي واسع قد يستمر لمدة طويلة وانهيار اقتصادي متفاقم بسبب عدم وجود ادارة حكومية سياسية للبلاد، وإرهاب بدأ يتسلل الى بعض البؤر في شمال لبنان والمخيمات الفلسطينية ومراكز النازحين السوريين بتغطية علنية من مراكز دينية مختلفة.

يعتبر هؤلاء الناقمون على الصمت الحكومي أن ما فعله وزير الخارجية جبران باسيل من تشكيل وفد دبلوماسي وسياسي وإعلامي أثبت في جولة له أكاذيب نتنياهو وافتراءاته حول وجود صواريخ في مناطق الضاحية ومطار بيروت الدولي وتبين للدبلوماسيين المعتمدين في لبنان أنها مراكز تربوية ورياضية وسياحية.

ما يمكن ملاحظته في هذه الجولة أنها لم تأتِ بطلب رسمي وعلني من الحكومة اللبنانية التي يترأسها سعد الحريري الموالي للسعودية.

وقاطعها سفيرا السعودية والإمارات لأسباب لم يقولاها، لكنها معروفة ومبنية على أساس عداء بلديهما لحزب الله وصداقاتهما مع «إسرائيل» التي أدركت في علاقاتها مع الخليج حدود إعلان التحالف المبني على أساس استهداف إيران وحزب الله وسورية.

هناك ملاحظة إضافية هامة وتتعلق بتجاهل أحزاب المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي «وهي أحزاب مموّلة من السعودية»، لهذه الجولة والاكتفاء بصمت المريبين الذين يريدون عدم إثارة غضب الخليج عليهم – فقد يقطع عنهم التمويل.

بالإمكان ايضاً متابعة مستوى التغطية الإعلامية الداخلية والإقليمية والدولية لهذه الجولة التي فضحت أكاذيب «إسرائيل» الهادفة الى تغطية عدوان وشيك لها على لبنان.

لم يكن الإعلام بتنوّعاته بمستوى أهداف هذه الجولة وباستثناء بعض محطات التلفزة الداخلية والصحف الوطنية التي تعمّدت محطات كبرى لبنانية تمرير الحدث في وسط نشرات الأخبار وبشكل موجز، وعرض غير مقنع يلفه تشكيك تجعل المشاهد والمستمع والقارئ يَستبسِطُ الحدث الى حدود اعتباره مجرد «فبركة» معدّة مسبقاً أو «تلفيقة».

أما خطاب نتنياهو فعودوا الى نشرات محطاتنا وصحفنا التي تنتحل الصفة اللبنانية التي أفردت له مساحات كبيرة من أوقاتها وصفحاتها وهوائها، وركزت على استعداد «إسرائيل» لضرب لبنان بسبب صواريخ حزب الله.

كما استعمل بعض السياسيين اللبنانيين تهديدات رئيس وزراء الكيان الغاصب للتعجيل بتشكيل حكومة محلية موالية للسعودية.

على المستوى السياسي هل َسمِع أحدٌ تصريحاً حتى ولو كان موجزاً لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الموالي للسعودية يدين فيها هجوم نتنياهو على لبنان؟ أو يستنكر أقاويله حول تحالفه مع السعودية والإمارات؟ فلبنان لا يزال يعتبر «إسرائيل» عدواً اساسياً له ولم يوقع معها صلحاً ولا يعترف بها كياناً سياسياً، فكيف لا يدافع رئيس حكومة تصريف الاعمال والمكلف أيضاً بتشكيل حكومة جديدة عن بلد حكمه والده المرحوم رفيق الحريري منذ 1992 وحتى 2005 وتسلم منه هذه الرئاسة طيلة العقد الأخير.

كما أن حزبه المستقبل من جهته تجاهل كلياً جولة باسيل وكأنها حدثت في مجاهل الأرض، وهذا ليس موقفاً غريباً على حزب نما في أحضان السفارة السعودية.

أما حزب القوات اللبنانية الذي يجمع بين ولاء تاريخي لـ»إسرائيل» منذ سبعينيات القرن الماضي وبين ولاء جديد واضافي للسعودية حتى أن هناك من يجزم بأن حزب جعجع «القوات» هو أكثر بؤرة تدعمها الرياض في لبنان سياسياً وتمويلياً وتطالب لها بتمثيل أكبر من حجمها في الحكومة المرتقبة. وعلاقة هذه القوات مع «إسرائيل» ليست تهمة لأنها موثقة إعلامياً وفي كتب التاريخ ولا ينفيها أصحابها.

لجهة صاحب التغريدات اليومية التي لا تنقطع الوزير وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي فقد أوقف «تغريداته» فجأة لسببين: علاقته السياسية والتمويلية بالسعودية وخلافاته السياسية في منطقة نفوذه في الجبل مع التيار الوطني الحر الذي يقوده الوزير باسيل. فكيف يمتدح زيارة نفذها منافسه باسيل على الزعامة في عرينه التاريخي الشوف وعاليه. وهو بذلك يعطي مصالحه الخاصة تفوّقاً كاسحاً على مصلحة البلاد كدأبه دائماً.

يمكن اضافة عشرات الملاحظات التي تدعو الى السؤال عن أسباب صمت المراكز الدينية الإسلامية والمسيحية عن التنويه بجولة باسيل أم تراهم كانوا يفضلون تبرير أي قصف إسرائيلي على لبنان لجعل الفئات السياسية المرتبطة بهم تتفوق على تحالف التيار الوني الحر وحزب الله والأحزاب والحركات الوطنية؟

ماذا الآن عن انهيار اقتصادي مرتقب يهدد لبنان وسط امتناع الحريري عن تشكيل حكومة جديدة تتصدّى له؟ يحاولون دفع الإعلام لإشاعة أجواء اقتصادية صحية فيما تقول الحقائق الرقمية ان لبنان لا ينتج شيئاً. وبالتالي لا يصدّر. مستورداً كل حاجاته ولا يتجرأ على فتح حدوده مع سورية خوفاً من السعودية والأميركيين وربما الإسرائيليين، كما فاقت ديونه المئة مليار دولار. فهل هذا وضع طبيعي لا يستلزم تشكيلاً سريعاً للحكومة؟ فالبطالة بين الشباب أدركت عتبة الـ 55 في المئة. وهناك مليون ونصف مليون سوري تضغط احزاب المستقبل والتقدمي الاشتراكي والقوات لمنع عودتهم الهادئة الى بلادهم في حركة تماه وتشابه مع الغرب والخليج يريدان الضغط على الدولة السورية ومنع استقرارها بلعبة الاستثمار في النازحين.

على مستوى تسلل الإرهابيين من سورية والعراق. وهذا أمر مؤكد ومرصود من قبل الأجهزة الأمنية وحزب الله، لا سيما أن هناك بيئات حاضنة في الشمال وبين النازحين السوريين والفلسطينيين وتحظى بتغطيات من قوى سياسية لبنانية وأجنحة تعمل بشكل أمني ترتبط بقوى سياسية مقربة من السعودية.

هؤلاء يعتقدون ان هذا الإرهاب بإمكانه النيل من حزب الله وإرهاقه وإرباكه ويجب بالتالي دعمه لسببين: إرضاء الغرب والسعودية، وإمكانية حشر حزب الله تحالف عون والأحزاب والحركة ليقتنعوا بتخفيف مطالبهم بالتمثيل الحكومي العادل على أساس نتائج الانتخابات.

فيقبلون بالحد الأدنى للضرورة الوطنية العاجلة فتربح السعودية و«إسرائيل» في الحكومة ويخسرها تحالف عون حزب الله، تحت مسميات خطر الإرهاب والضرورات التي تبيح المحظورات فهل هذا ممكن؟

حزب الله والجيش والتحالفات الإقليمية والدولية لن يسمحا بهجوم على لبنان ما يعني أن تشكيل الحكومة لن يتم إلا وفق نتائج الانتخابات مع شيء من الميثاقية. وهذا يمنع لبنان من الارتماء في أحضان الغرب والسعودية و«إسرائيل» متيحاً مجابهة الإرهاب ووقف الفساد والانهيار معاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى