سنديانة كوكبا العاصية على الدهر…

راشيا الوادي – سعيد معلاوي

هكذا هو سنديان وادي التيم عميق في الأرض متشبّثاً بترابها، فلا تقتلعه عواصف الدهور وعاديات الأيام.

وإذ يغوص في رحمها أزلاً، يمدّ أفنانه في السماء وفوق التراب يحتضن هواءه ويظلّ ترابه، بوفاء بهي.

وإذا أصابته أمراض ويبست أوراقه، يقشر روحه صبراً وعزماً ليبقى أخضر عتياً كحرمون شيخ الجبال.

وشجرة السنديان متجذرة في أرضنا منذ ملايين السنين، ولعلها تضاهي شجرة الأرز في ذلك.

ومن المعروف أيضاً أنّ أحراج السنديان تغطي مساحات واسعة من جبال لبنان من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال، إلا أنّ المعمر منها قليلٌ بسبب الأيادي العابثة التي تقطع ولا تزرع.

وإحدى هذه الشجرات المعمّرة في بلدة كوكبا في منطقة راشيا، لأنّ فأس الحطابين لم تطلها بسبب حمايتها من الأوقاف الدرزية مما شفع بها ولا زالت ترابط هناك منذ أكثر من ألف سنة، وأوّل مَن اهتمّ بها ما بين عامي 1570 و 1630 م. هو الشيخ محمد أبي هلال الكوكباني الذي عُرف منذ ذلك الحين بالشيخ الفاضل.

ولقيمة الشيخ الفاضل الروحية عند طائفة الموحّدين في بلاد الشام تحوّلت هذه السنديانة التوأم الى مزار يقصده أبناء الطائفة لإيفاء نذورات وتمضية يومهم في ظلها الذي يغطي المكان.

ومن الممكن أن تكون هذه السنديانة الأطول عمراً من بنات جنسها على الأقلّ في لبنان.

والشيخ الفاضل، هو أحد أبرز الأولياء الروحيين لطائفة الموحدين، ويُعتبر الأب الروحي لحركة الأمير فخر الدين المعني الثاني التحرّرية، حيث جرّدت السلطة العثمانية حملة لاعتقاله عرفت بحملة كجك أحمد، ويروى، أنّ بعضهم أشار على الشيخ أن يقصد جبل حرمون، الذي نسب إليه، جبل الشيخ، للنجاة بنفسه، من أمام الحملة، فأبى.

استضاف الشيخ في صومعته في بلدة عين عطا حالياً، القائد العثماني وقدّم له صحن عسل من نتاج نحلة يربّيها. وسأله عن طلبه، بعد أن يُنهي ضيافته. لكن يُقال إنّ صحن العسل لم ينته. فتعجّب القائد العثماني. واعتبر انّ معجزة ما في هذه المكان، أو سراً ما في هذا الرجل، فجمع جيشه وتابع إلى مغارة نيحا الشوف، ليلقي القبض على فخر الدين ويسوقه إلى الآستانة ويتمّ إعدامه مع أسرته كافة، ما عدا ابنه الأصغر حسين لأنه كان رضيعاً وغدا لاحقاً من كبار موظفي الدولة العثمانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى