أوهام قصيرة ستحدث غداً…

بلال رفعت شرارة

عندما يصل القطار النفاث غداً إلى المحطة الأخيرة سنكون واقفين ووجوهنا الى جدار تلاشى تماماً، ربما لم يكن قائماً أساساً! والمحقق عندها يقتلنا الواحد تلو الآخر بطلقة واحدة في الصداع بعد أن نجيب على سؤال واحد ولا يقتنع بجوابنا.

اسمك؟

ـ كذا

فيطلق على حياتنا النار!

أحمد الله على أنّ دوري تأخر قليلاً مما يعني أنني سأعيش دقائق إضافية.

ولكن لا أكاد أتنفس الصعداء حتى يأتي دوري.

يسأل المحقق: اسمك؟

ـ لا أحد

مكان الولادة:

ـ ليس بعد

رقم السجل

ـ صفر

إذن أنت لا والدة أو والد لم تتناسل من أحد.

في هذا الفراغ، أساساً لا حياة ولا موت هنا في هذا الامتداد القاحل واليابس تماماً، فقط أنا أدور على نفسي يا سيدي المحقق وأنت الذي يسألني وهؤلاء الموتى.

ـ سأفرج عنك… سأدعك تذهب، فقد نجحت في امتحان هذا التحقيق وأنت جدير بالحياة.

تقول الحياة ! مع من؟

لم يبق غيري أنا وأنت ومن يقف خلفك… خلف إصبع الفراغ.

أقول أنا لأنا هذا الفراغ يتسع أو لا يتسع مساحته لي، الوحدة هنا قاتلة لا بشر ولا شجر ولا حجر… لا رمل ولا تراب… لا نهر ولا بحر… لا نوارس ولا ضفادع، فقط جثث الموتى الذين اعتقدوا أنهم يحملون أسماء ذات يوم!

أنا لم أعد أحتاج الى أوطان وحدود سيادية، إلى عاصمة أو نظام سياسي أو إداري.

هنا الفراع لا يمكن أن يحيط به شيء. عالم متسع على أوهام افتراضية بدل الاحلام… أوهام ناضجة تتدلى كشجرة تزدهر بالبرتقال… عالم لا تلزم شبكات الكهرباء، الهاتف، المواصلات والماء… عالم دون أعمال وإنتاج وأملاك بحرية… دون مشكلة نفايات… دون قانون للانتخابات… دون خطط لحقوق الإنسان، إذ إنه لم يعد من إنسان سواي ليسجل هذه الذاكرة عن عالم بشري مقتول.

غداً عندما يحلّ الفراغ مكان الفوضى العارمة على اتساع كلّ العالم ولا يبقى من أحياء، سوف أتذكّر الحاجة إلى الخبز والملح والحب والمنزل والعائلة والوطن، سوف أنتبه إلى أنّ الفراغ هو النتيجة الوحيدة لنظام عالمي يريد أن يستمرّ في اختيار من يحكم الموتى… عالم تمّ فيه نفي العقل يحكمه شخوص لا تفعل شيئاً إلا رفع الأيدي وتلتزم بعدم مدّها من الشبابيك… عالم عبارة عن وسيلة نقل لذوي العاهات… عالم مرعب غير طبيعي، عالم من تشوّهات من مطر غزير لا يتوقف وريح تعصف بأركانه وتغمره، وذوبان ثلوج القطبين، تكسر جبالها… عالم يتهادى على صفحة مياه الطوفان الذي يغمره سفين عليها زوجان اثنان من كلّ شيء لتعود وتبدأ الحياة، غداً عندما يتوقف المطر الشديد والذوبان… سيسود عالم اللاعودة الى إنتاج عالم جديد تتكرّر فيه الحياة على الغرار السابق نفسه.

أنا بانتظار أن يجد المحقق أسبابه ليطلق طلقته المؤجّلة في صدغي، سأكتب قصصاً قصيرة ممكنة عن اللاعالم في الغد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى