الأميركيون يساومون على إعادة إعمار سورية! وأوروبا نائمة!

د. وفيق إبراهيم

ثلاث محاولات أميركية جديدة قديمة لمنع الحل السلمي للأزمة السورية. أليس هذا ما يفعله الأميركيون بالإصرار على تفجير اتفاق إدلب؟

فما إن تنبّهوا إلى رفض تركيا لتفجير هذا الاتفاق حتى سارعوا إلى إلغاء اتفاق «منبج» الذي كان يقضي بنشر قوات أميركية تركية بديلاً من قوات «قسد» الكردية المنتشرة هناك.

أما المحاولة الثانية فتذهب نحو إجهاض عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، فتستعمل الترهيب حيناً والترغيب حيناً آخر.

ولا تنسى المخابرات الأميركية في «الثالثة» بتنظيم اشتباكات هدفها إضفاء طابع حربي في مرحلة تتجه الى السلم. وهذا يعني فرض توتر دائم لمنع الاستقرار النسبي المتسارع نحو حلول، وإلا فلماذا تشتبك «قسد» الكردية مع التنظيمات الموالية لتركيا في نواحي إدلب وبؤر الشمال؟ وكيف يسمح الأميركيون لداعش الانطلاق من خطوط في شرق الفرات لمهاجمة الجيش السوري في بعض الأرياف؟ وكيف يصل السلاح إلى هيئة تحرير الشام القاعدية «النصرة» في قلب إدلب؟

هذه معطيات حقيقية، لكنها لا تصل الى حدود «استغباء» المخابرات الأميركية، فهذه تعرف أن محاولاتها لا قدرة لها على قلب الميدان السوري الى ما كان في 2015. فهناك انتصار سوري كبير مقابل محاولات أميركية للتعويض بقليل من الأرباح، وذلك باستخدام وسائل هدفها المزيد من إرجاء الحل لتحقيق أهداف بدأت تتكشّف تباعاً.

تجوز هنا العودة الى تصريح لوزير خارجية فرنسا لودريان أكد فيه أن الأسد انتصر، لكننا «لن نسمح له بالسلام»!! وهذا إعلان غريب لأن المنتصر يترجم فوزه في عمليات الاستثمار السياسي، ما يدلّ على نيات غربية بالتأثير على السلام السوري المفترض من خلال تجديد الإرهاب و»إسرائيل» والناتو الإسلامي ومحاولات إعادة تركيا الى الصف الأميركي، و»الكرد الغافلين» وتجميد عودة النازحين من الأردن الى لبنان وباقي العالم.

هذه أوراق هامة لكنها لم تعد حاسمة.

على المستوى الأميركي يبدو وبوضوح أنهم يستخدمون هذه الوسائل مع عناصر إضافية هي «أوروبا» نفسها التي تبدو مقتنعة بوجود شراكة بينها وبين واشنطن على السراء والضراء فيما تكشف المعلومات أنّ الأميركيين يحالفون القارة العجوز على الضراء فقط محتكرين السراء لنظامهم الاقتصادي.

فكيف يُصدّق الزعماء الأوروبيون بإمكانية شراكة مع رئيس مثل ترامب يهدّد حلفاءه بضرورة الدفع مقابل الحماية. وهذا لا يشمل السعودية فقط أو بقية بلدان الخليج، بل يعني أوروبا التي يُذكّرها بأهمية الدور الأميركي المركزي في الحلف الأطلسي، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا هل بقي أحدٌ لم يشمله التهديد الأميركي؟

بالعودة إلى المحاولات الأميركية يعرف «البيت الابيض» أنّ الميدان السوري يتّجه بسرعة ناحية الاستقرار مدركاً انّ عناصر القوة فيه هما ثلاثة أطراف: السوريون والروس والإيرانيون. والسوريون بما هم مالكون لدولتهم وسيادتهم هم مقرّر حاسم، لكن واشنطن ركبت خطة تعتقد أنّ بوسعها تنفيذها. وهي محاصرة إيران لما تشكله لها من تهديد فعلي على مستوى الشرق الأوسط وبالتالي العالم الإسلامي من أفغانستان حيث الحلفاء «الهزارة» الى اليمن فالعراق وسورية والمقاومة في لبنان.

وبما أنّ طهران ليست مستعدة للتخلي عن تحالفاتها الواسعة «للمساومة في سورية»، كان لا بدّ للأميركيين من اختيار طرف روسي تعتقد أجهزة الأمن القومي والمخابرات عندهم أنهم صاعدون نحو دور كبير في العالم.

وبما أنّ موسكو تموضعت بقوة في سورية ولم يعد بالإمكان زحزحتها قيد أنملة عما أنجزته بنحو مئة وعشرين ألف غارة أدّت الى اضمحلال الإرهاب وتقلصه الى بؤر في مساحات سورية الشاسعة.

رأى «البيت الأبيض» أنّ مساومة الأقوى هي الأفعل والمؤدية الى حلول للمشكلة الأميركية الكبرى. كما انّ مفاوضة الروس لا تسبّب ازعاجاً لحلفائهم «الإسرائيليين» الذين يفضلون التعاون مع موسكو، باعتبار أنّ إيران تتعامل معهم وفق ايديولوجية إسلامية غير قابلة للمساومة بموضوع المسجد الأقصى وفلسطين بقسميها الإسلامي والمسيحي.

لذلك استعمل الأميركيون آخر ما تبقى لديهم من معوقات أمنية وسياسية لإرجاء الحلّ السوري إنما الى متى؟

هنا يظهر الهدف الأميركي الحقيقي من ايّ حرب تخوضها واشنطن منذ 1945 وهو الهدف الاقتصادي الذي يحتاج بالضرورة الى قواعد عسكرية وحروب واجتياحات وتوغل وعلاقات استراتيجية وسياسية. فعندما تؤسس أميركا قاعدة عسكرية ضخمة لها في منطقة العديد في قطر، فهذا لغايات حماية الخليج ومراقبة بحره قبالة إيران وهذه ليست إلا وسائل لحماية النفط العربي أي الهدف الحقيقي للأميركيين.

وكذلك عندما يدعم الأميركيون الكرد في شرقي الفرات، فإنهم يفكّرون في نفط هذه المنطقة والغاز فيها وليس بالقضية الكردية التي يستعملها الغرب منذ مطلع القرن الماضي ويستهلكها معاوداً دفنها في زوايا التاريخ.

ماذا يجري اليوم؟ بكلّ اختصار يساوم الأميركيون الروس على إعادة إعمار سورية بأسلوب غوغائي لطالما مارسوه، فهم يقولون بأنهم لن يشاركوا في إعادة إعمار سورية الا بعد انسحاب إيران وحلفائها منها. الأمر الذي يفرض سؤال الأميركيين من الذي دعاهم لإعادة الإعمار؟ فالقيادة السورية تتهمهم بتدمير بلادها فكيف تدعوهم لإعادة إعمارها والروس لا يبادرون في ايّ موضوع الا بعد نيل الموافقة السورية المسبقة. وهذا لم يحدث. كما انّ الدور الإيراني في سورية هو دور استشاري الى جانب دور عسكري كبير لحزب الله يرتبط بالنشر الأميركي التركي السعودي «الإسرائيلي» للإرهاب في سورية. وعندما ينهزم هذا الإرهاب نهائياً وتغادر القوات الأميركية قاعدة التنف في الجنوب ويتراجع الأتراك إلى حدودهم الدولية في الشمال يعود حزب الله الى عرينه المقاوم في لبنان.

لذلك فإنّ الصراخ الأميركي يتوجّه الى الروس في محاولة لإقرار صفقة بإعادة إعمار سورية وتقاسم شركات البلدين للثروات النفطية.

بما يؤسّس لإعادة إعمار العراق وإيران واليمن. وهذا حلم الاقتصاد الأميركي الباحث عن وسائل لوقف تراجعاته الكبيرة.

وهذا يظهر مدى أهمية دمشق في تنظيم الحرب في الإقليم وإقرار السلم فيه بعيداً عن مزاعم حكام الخليج الذين لا يمتلكون الا القدرة على الدفع تلبية لرغبات الذئب الأميركي.

أما الأوروبي فنائم حتى إشعار آخر عند اعتاب الحرب العالمية الأولى ويحلم بفتات يلتقطه من حليف أميركي لم يعد لديه حلفاء في العالم ولا يؤمن بهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى