عون يلتقي ماكرون: الحكومة شأن لبناني… ومرحَّب بالحريري في أيّ وقت نصرالله: لسنا محشورين… وندعو للإسراع حرصاً… والغموض البنّاء مع «إسرائيل»

كتب المحرّر السياسي

كل التعليقات والأخبار والتقارير التي تتناول قضية اختفاء جمال الخاشقجي، تقول إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان محاصَر من كل الجهات بالقضية، فالإجماع المتشكل دولياً من واشنطن إلى نيويورك إلى لندن وباريس له عنوان واحد، اتهام السعودية بالتخلص من الخاشقجي حتى يثبت العكس بينما كل الحملات السعودية عن الإهتمام بحياة مواطن من رعاياها، والاستعداد للتحقيق لكشف مصيره لا تجدي في تغيير وجهة التعامل الخارجية، حيث صورة إبن سلمان وصورة الخاشقجي معا تتصدر الصفحات الأولى للصحف الكبرى في عواصم الغرب، لتنقل سيناريوهات ومعلومات تتقاطع عند الحديث عن مكيدة دبّرها فريق إبن سلمان لاستدراج الخاشقجي إلى القنصلية السعودية في أنقرة لإلقاء القبض عليه وقتله، وكان أشدّ السيناريوات سواداً ما حفلت به التفاصيل التي نقلتها صحيفة يني شفق التركية، حول كيفية شراء الحقائب التي ضمّت أجزاء الخاشقجي بعد تقطيعه بمنشار في مبنى القنصلية، وحول الأدوار التفصيلية لأعضاء الفريق السعودي الذي وصل إلى اسطنبول صباح يوم اختفاء الخاشقجي وغادر بعد ظهر اليوم ذاته على متن طائرة خاصة متنقلاً بجوازات سفر دبلوماسية.الموقف الأميركي الذي ترتفع وتيرته بوجه الرياض مطالبة بالكشف عن مصير الخاشقجي والتلويح بإعادة النظر بأشكال التعاون القائمة إذا ثبت تورط ولي العهد في إخفاء الخاشقجي أو قتله، كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تزامن مع تحسن العلاقات الأميركية التركية بعد إفراج أنقرة عن القس الأميركي المحتجز لديها، بموجب صفقة تعتقد مصادر المعارضة التركية أنها تضمّنت تقدماً في مكانة تركيا الإقليمية بالتوازي مع التراجع في مكانة السعودية.

الموقف الذي أطلقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من يريفان عاصمة أرمينيا على هامش القمة الفرانكوفونية التي تستضيفها عبّر عن المناخ الذي يحاصر الرياض، حيث قال «ما تبلغناه خطير، خطير للغاية، إنني أنتظر كشف الحقائق والوضوح التام» في هذه القضية.

ماكرون الذي اجتمع بالرئيس اللبناني ميشال عون على هامش القمة ناقش قضايا النازحين ومؤتمر سيدر لدعم لبنان، بينما قال رئيس الجمهورية ميشال عون إنه لم يتم التطرق للشأن الحكومي باعتباره شأناً لبنانياً خاصاً، مع رغبة الجميع بالطبع برؤية الحكومة الجديدة قريباً، وعما اذا كان سيلتقي الرئيس الحريري بعد عودته الى بيروت، أكد الرئيس عون أن «الرئيس الحريري مرحَّب به ساعة يشاء».

في بيروت مع سقوط مهلة الأيام العشرة التي حددها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، كانت إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في تأبين والدة الشهيد القيادي في المقاومة الحاج عماد مغنية مناسبة لإطلاق جملة مواقف، حيث قال السيد نصرالله في الشأن الحكومي إن الرهانات الخاطئة حول كون حزب الله محشوراً إقليمياً لا أساس لها، فعلى الصعيد الخاص لا مشكلة لحزب الله ان يتأخر تشكيل الحكومة شهوراً وسنوات، لكنه يدعو للإسراع بتشكيل الحكومة حرصاً على البلد الذي يتشارك الجميع القلق على اقتصاده والأحوال المعيشية لمواطنيه، والحاجة لولادة سريعة للحكومة للنهوض بالأعباء التي ترهق كاهل الإقتصاد واللبنانيين، مجدداً الدعوة لتخطي الخلافات دون توجيه الاتهام بوقوف أسباب خارجية وراءها، وفي الردّ على تهديدات كيان الاحتلال للمقاومة ولبنان على خلفية الصور التي رفعها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في نيويورك امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نوّه السيد نصرالله برد وزارة الخارجية اللبنانية والجولة التي نظمتها في منطقة المطار لتكذيب المزاعم الإسرائيلية، مشيراً إلى أن المقاومة لم ولن تكون معنيّة بالردّ على الاتهامات الإسرائيلية، واصفاً منهج المقاومة بعدم التأكيد والنفي لما تنشره قيادات كيان الاحتلال حول سلاح المقاومة بالغموض البنّاء.

«تعويم» حكومة تصريف الأعمال…

مع وجود أركان الدولة خارج البلاد خلت الساحة السياسية من أي جديد لا سيما على الصعيد الحكومي، لتسرق العاصمة الأرمينية الأنظار التي باتت تصلح لإجراء مفاوضات التأليف على أراضيها في ظل وجود رئيس الجمهورية ميشال عون في ريفان، وقد انضمّ إليه وزير الخارجية جبران باسيل، بحضور المبعوث الخاص للرئيس المكلف الوزير غطاس خوري و»العراب» الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون، رغم تأكيد الرئيس عون بأن تأليف الحكومة أمر لبناني صرف ولم آت الى أرمينيا لأبحث الملف الحكومي، ما ينفي فرضية وجود مبادرة فرنسية لدفع عملية التأليف، بينما وصل رئيس المجلس النيابي الى جنيف أمس، على رأس وفد نيابي للمشاركة في أعمال مؤتمر الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي.

ويبدو أن الجميع سلّم بالأمر الواقع الحكومي، ولا يستطيع أحد إحداث خرق في جدار المواقف وفرض الحلول، إذ لا الدستور قادر على حل أزمة التمثيل الوزاري للأطراف السياسية وكتلها النيابية ولا التوازنات السياسية والطائفية في الداخل ولا الظروف الخارجية تسمح بأن يفرض أحد شروطه على الآخر. ما ينتج عن هذه المعادلة حل وحيد في الوقت الراهن هو «تعويم» حكومة تصريف الأعمال حتى إشعار حكومي آخر لتقوم بدورها في تسيير أعمال الدولة ومواجهة أزمات البلد الداهمة التي لا تنتظر تقاسماً للحصص والحقائب ولا حكومات ولا رئاسات ولا قرارات.

كما لم يعُد تأليف الحكومة موضوعاً يؤرق بال حزب الله ولا حلفائه، فهم الأكثر راحة مقابل الآخرين لا سيما لرُكني العهد الرئيسين عون والحريري الى جانب القوات اللبنانية التي باتت بنظر الرأي العام واجهة التعطيل، أما مَن يعمل للضغط على الحزب بهذه الورقة لانتزاع المكاسب الوزارية «فليخيّط بغير هالمسلة»، كما تقول مصادر 8 آذار لـ»البناء» لأنّ الحزب غير محشور لا داخلياً ولا اقليمياً بل إنّ «المحشورين» هم الرئيس المكلف وحلفه المتهالك في المنطقة والذي ربما يبقى الى أمد طويل مكلفاً ورئيس حكومة تصريف أعمال يتخذ وزراؤها القرارات بالمفهوم الضيق لتصريف الأعمال، بحسب القانون، بينما الطموح السياسي لرئيس المستقبل هو العودة الى السراي الحكومي من بابها الواسع.

ودعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الوزارات الى «العمل بسرعة لمعالجة المشاكل لا سيما مع بدء موسم الشتاء». وقال: «ما يجري في موضوع السيول ببعلبك الهرمل يجب أن تسارع وزارات الدولة الى تحمل مسؤوليتها بشكل سريع بعيداً عن البيروقراطية». وقال: «ليس لدي أيّ جديد في مسألة تشكيل الحكومة ونحن نحثّ على تشكيلها من اجل المصلحة الوطنية»، وأكد على «أهمية الإسراع بتشكيل الحكومة وبذل كلّ الجهود وبإخلاص وبعيداً عن التأثير الخارجي لتشكيل الحكومة في لبنان»، وشدّد على أنّ «إيران وسورية لا تتدخلان في مسألة تشكيل الحكومة لا من قريب ولا من بعيد». ولفتت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أنّ «النفحة التفاؤلية التي لفحت تأليف الحكومة ستمدّد مفاعيلها حتى أواخر الشهر الحالي على أن تعود الاتصالات والمشاورات الى نشاطها وحيويتها مع عودة رئيس الجمهورية ووزير الخارجية اليوم الى بيروت وعودة رئيس المجلس النيابي الأربعاء المقبل، وبالتالي استكمال المشاورات يظهر إمكانية وجود بوادر حلحلة حقيقية أو تثمير لهذه الإيجابيات التي طبعت مواقف الأطراف لا سيما رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط وتحويلها فرصة، لكن المصادر تساءلت: هل لا يزال الفيتو الأميركي السعودي على تأليف الحكومة موجوداً أم نُزع؟

وقللت المصادر من أهمية العقدة الدرزية، مشيرة الى «أنه لا عقدة مهما علا شأنها تقف في وجه ولادة الحكومة إنْ جاءت كلمة السر الخارجية، وتوقفت عند مسارعة جنبلاط الى خفض سقفه التفاوضي خلال الأيام القليلة الماضية، إذ لا يريد أن يكون كبش محرقة في حال جاءت كلمة السر من الخارج»، وتكشف المعلومات أنّ جنبلاط أبلغ الرئيس بري سقفه لحلّ العقدة الدرزية، لكن بري ينتظر تظهير الحلّ ريثما تُحلّ العقدة المسيحية ويقضي الحلّ بأن ينال التيار الوطني الحر وزيراً درزياً يسمّيه الوزير طلال أرسلان يوافق عليه جنبلاط الذي يناور على نوعية الوزارات فقط». ولفتت المصادر الى أنّ «الولايات المتحدة لا تريد تشكيل حكومة في لبنان تظهر انتصار حزب الله ومحوره في الإقليم»، ودعت الى مراقبة المفاوضات على الملفات الإقليمية لا سيما مع اقتراب تأليف الحكومة العراقية بعد الاتفاق على الرؤساء الثلاثة وبدء تطبيق اتفاق إدلب في سورية وصولاً الى التطورات العسكرية في اليمن».

وفي الشأن الإقليمي اعتبر السيد نصرالله «أننا اليوم امام نموذج أميركي يوغل في استكباره وغلوه لدرجة إهانة حلفاء أميركا وبشكل متكرّر. وفي مقابل هذه الاهانات لا نجد الا البسمة والخضوع والصمت القاتل». وقال خلال كلمة في حفل تأبين أم الشهداء الحاجة أم عماد مغنية: «اياً تكن خلفية كلام ترامب عن إمكانية سيطرة إيران على الشرق الأوسط بمدة 12 دقيقة، ولكن هذا يدل على عظمة إيران في عين ترامب، وإيران التي لم تساوم يوماً على ثروتها وسيادتها». وأوضح «أما دول حلفاء ترامب الذين باعهم السلاح بمئات مليارات الدولارات هي في عين ترامب ضعيفة ولا تصمد لأسبوعين».

واضاف: «جزء من كلام ترامب تهويلي، وترامب من خلال خطابه يكشف لنا أن الكثير من دولنا العربية والإسلامية اليوم تدفع الجزية لأميركا مقابل بقائها في عروشها»، و»على مَن يراهن هؤلاء الحكام؟ على ترامب والإدارة الاميركية التي تأخذ أموالكم وتهينكم في كل يوم؟». ودعا حكام دول الخليج الى «المصالحة والتعاون والاستماع الى مطالب شعوبهم ومعالجة المشاكل».

وقال الأمين العام لحزب الله: «بكل ما يتصل بالمقاومة سياستنا هي الغموض البناء والصمت الهادف من موقع المعركة، ومن الخطأ أن نقدّم نفياً أو إجابات على كل ما يطرحه نتانياهو أو غيره، والردّ يجب أن يكون السخرية من كل ما يفعله قادة الحرب النفسية الصهاينة الفاشلون»، مشيداً بالخطوة الدبلوماسية التي قام بها الوزير باسيل رداً على الادعاءات الاسرائيلية.

عون – ماكرون

وكان رئيس الجمهورية عقد خلوة مع الرئيس الفرنسي على هامش مشاركته في اعمال القمة الفرنكوفونية في يريفان انضمّ اليها لاحقاً الوزير باسيل ومستشار ماكرون. وأوضح عون في دردشة مع الصحافيين بعد اللقاء أن التفاهم كان تاماً مع الرئيس الفرنسي حول كل المواضيع، «ونحن نتعاون دائماً مع بعضنا كأصدقاء». ورداً على سؤال حول تشكيل الحكومة أكد الرئيس عون ان الاجتماع مع الرئيس ماكرون ليس بهدف تشكيل الحكومة، «لكنه يرغب طبعاً في تشكيلها وخصوصاً بعد إجراء الانتخابات النيابية». وعما اذا كان سيلتقي الرئيس الحريري بعد عودته الى بيروت، اكد رئيس الجمهورية أن الرئيس الحريري مرحَّب به ساعة يشاء. واذا كان الرئيس الفرنسي قد أبلغه ان مؤتمر سيدر في خطر قال: «عندما يصرح الرئيس ماكرون بذلك سوف تعلمون بالأمر».

وتطرّق الرئيسان خلال اللقاء بحسب قناة الـ»أو تي في» إلى أزمة النازحين واقترح عون فكرة للنازحين الذين يأتون كل آخر شهر الى لبنان لأخذ المساعدات أن يبقوا في بلادهم والمساعدات تحوّل إليهم».

سجال التيار – القوات

في غضون ذلك استعر السجال السياسي والإعلامي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بمصطلحات تستخدم للمرة الأولى بين الطرفين ما يعكس شدة الصراع السياسي والحكومي بينهما، وردّت النائب ستريدا جعجع على كلام باسيل، معتبرة أنه «يتحدّث بأسوأ وأخبث طريقة ممكنة ملؤها الحقد والشر»، وقالت في بيان: «لا يعود للوزير باسيل وضع المقاييس لتشكيل الحكومة التي إما يضعها الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وإما مجموع الكتل النيابية المكوّنة للمجلس النيابي، وبالرغم من ذلك يصرّ الوزير باسيل على مصادرة هذا الحق لنفسه، وعندما يضع مقياساً فهو يطبّقه على غيره ولا يطبّقه على نفسه». وردّ عضو «نكتل لبنان القوي» النائب نقولا الصحناوي على جعجع عبر «تويتر» قائلاً: «الخبث والحقد والشر صفات ظهرت عند قائليها منذ 28 عاماً يوم فرحوا بدخول الجيش السوري الى قصر بعبدا وساندوه مدفعياً ومعنوياً، فكان مقعد وزاري جائزة ترضية لهم، واليوم لأجل مقعد بالزائد، يعيدون الكرة. للأسف، التكرار لم يعلّم… البعض».

كما ردّ عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد عبر «تويتر» على كلام باسيل قائلاً: «بعد مقابلة الأمس للمرشح المفترض للرئاسة، والمكلف بدون تكليف للتأليف، تبدّد التفاؤل كالعادة فتمّ رمي المسؤوليات يميناً ويساراً، وضاعت المسؤوليات وتمّ تجهيل الفاعل وتوزّعت النصائح، فانتصرت كالعادة الأقوال على الأفعال إلى الحكومة در».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى