ماذا بعد اختفاء خاشقجي سعوديا وتركياً وأميركيا؟

محمد شريف الجيوسي

تكاد قضية الصحافي جمال خاشقجي تطغى على ما عداها من القضايا الإقليمية والدولية… حيث تنشغل في تفاصيلها ومتعلقاتها السعودية وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا والإعلام الدولي والرأي العام العالمي وغير ذلك.

ورغم التسريبات المتفاوتة حول مصير الخاشقجي، فإنّ الثابت أنه مواطن سعودي من أصول تركية، وصحافي مميّز، وسياسي متشدّد، انحاز بشكل معلن للعصابات الإرهابية في سورية، وهو جزء من تركيبة النظام السياسي السعودي، لكنه اتخذ مؤخراً وبشكل معلن مواقف متعارضة مع سياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرجل القوي الوحيد في بنية النظام الراهن في السعودية حتى الآن.

وقد قدم الخاشقجي الى تركيا بعلم وتنسيق مع السفير السعودي في أميركا لتسهيل مهام عقد قرانه لدى القنصلية السعودية في اسطنبول وزواجه من خطيبته التركية، وبطبيعة الحال لم يكن الأمر في معزل عن علم من يلزم في الولايات المتحدة الأميركية كصحافي كبير مقيم في الولايات المتحدة، وناقد لسياسات الأمير ابن سلمان رغم كونه من عظام رقبة النظام السعودي.

برغم كلّ الفيديوات المسرّبة عن دخول وخروج نحو 16 شخصاً سعودياً للقنصلية بالتزامن مع دخول الخاشقجي إليها، لم يشاهد الخاشقجي في هذه الفيديوات خارجاً من القنصلية أو ما زال في داخلها أو في أيّ مكان آخر، ما يؤكد انّ الرجل بات في حكم غير الموجود، وتتراوح الاحتمالات بين أنه إما أختطف أو قتل أو سجن، أو حرق أو تبخر !؟

لكن الأهمّ ما هي التداعيات المحتملة في حال لم يظهر الخاشقجي ثانية بكامل حريته أو ميتاً أو سجيناً. وبالطبع تتراوح الاحتمالات هذه بين حالة وأخرى.

الآن بعد نحو أسبوعين على انقطاع أخبار خاشقجي، لا يُعقل أبداً، أنّ الأطراف الرئيسة المعنية موضوعياً بالإختفاء، لا تعلم أو لم تعد تعلم بما آل اليه مصيره، أو ما يمكن أن يكون قد آل إليه مصيره، وهي أنظمة السعودية وتركيا وأميركا…

فالسعودية معنية باعتباره مواطناً سعودياً غير عادي جاء بترتيب مع سفير بلاده في واشنطن بغرض محدّد ودخل القنصلية بالتزامن مع دخول أشخاص سعوديين خرجوا بعد ساعات قليلة من دخولهم، دون أن يبدوا لدخولهم مهمة أخرى لا تتعلق بالخاشقجي، ولأنه لم يخرج ولأنّ القنصلية لم تقدّم ما يثبت خروجه أو تقدّم تفسيراً مقنعاً لعدم خروجه، ولأنها منحت الموظفين الأتراك يومها إجازة، ولأنّ الكلام عن تزامن ما حدث مع تعطل كاميرات المراقبة غير مقنع، لتلك الأسباب كلها فالسعودية صاحبة المسؤولية الأولى والوحيدة عن مصير الخاشقجي.

أما تركيا فمعنية لأنّ ما حدث وقع على أرضها رغم أنّ مقرات السفارات تعتبر بالأعراف الديبلوماسية بمثابة أراض للدول المقامة عليها السفارات، ولأنّ اختفاء الخاشقجي أثار موجة تكهّنات واحتجاحات وانتقادات واسعة تركية وعلى مستوى العالم، ولأنّ خطيبته تركية وكانا على وشك استكمال إجراءات الزواج أصولاً، وكانت تنتظره خارج القنصلية وقت خروجه المفترض ولم تشاهده يخرج، ولأنّ ما حدث بمثابة اختراق خطير للأمن القومي التركي، واستغلال بشع للثقة التركية حيث جرى دخول وخروج قتلة مفترضين تحت سمع وبصر الأمن التركي دون ان يتنبّه لذلك.

وبغضّ النظر عن مدى صحة التسريبات القائلة بأنّ لدى أجهزة الأمن التركية تسجيلات لعملية تعذيب وقتل الخاشقجي، تبقى مسؤولية أنقرة قائمة بدرجة ثانية.

أما الولايات المتحدة الأميركية، فمسؤوليتها تنحصر في أنّ الخاشقجي يقيم في الولايات المتحدة وقد انطلق منها إلى تركيا وهي على علم استخباري أكيد بمدى حساسية أطراف في النظام السعودي من الخاشقجي وشكوكها من تسريبات يقوم بها للإدارة الأميركية ضدّها بما يمكنها من استغلال هذه المعلومات وابتزازها مالياً مرة تلو أخرى، وآخرها قبل أيام بأنّ الأسرة السعودية غير قادرة على البقاء في الحكم لأسبوعين دون حماية أميركا وما لم تدفع.

لكن كيف سيُعالج الأمر، ستقوم تركيا والولايات المتحدة بمدّ أمد التحقيقات وتعقيدها وبالتدريج ضبضبة الملف حتى نسيانه، وفي المقابل يرجح أن تقوما بابتزاز الأطراف المعنية بالاختفاء.. لكن مطامع ومطامح أردوغان مختلفة عن ترامب، وتتركز في أمرين أولاهما معنوي سياسي عقيدي، وهو تراجع الوهابية وآل سعود عن القول بتمثيل الإسلام السني في العالم لصالح الإخوان وحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، والتوقف عن تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية وإطلاق يدهم في العمل السياسي في الخليج وعدم منافسة المطامع التركية في العراق وسورية.. وبدرجة ثانية تقديم دفعات مالية كبيرة من تحت الطاولة وفوقها على شكل منح واستثمارات وقروض.

أما الولايات المتحدة فستعمل على محور سريع وهو متابعة الإبتزاز المالي فقد فقدت بفقدان الخاشقجي مصدر معلومات مهمة ورغم ذلك ستعتبر غيابه فرصتها لمزيد من الإبتزاز طويل الأمد، وفي ظلّ الوضع الحرج والمخجل للشريحة السعودية الحاكمة التي وجدت نفسها فيه جراء عنجهية وثقة مطلقة بقدراتها فعل ايّ شيء دون تداعيات وسوء تقدير مطلق وغباء منقطع النظير ـ ستجد نفسها مضطرة لتلبية كلّ ما يطلب منها للبقاء.

والمحور الثاني سينجم عن جراء هذه الفضيحة وتراجع الدور المنتظر الإقليمي للسعودية والشريحة الحاكمة، وسيهتزّ تماهيها مع الكيان الصهيوني الذي سيفقد ثقته شريحة سياسية كهذه، وسيدفع متطرفون أميركان لفرض عقوبات على السعودية ككلّ وأعضاء الشريحة الحاكمة ـ كلّ هذا سيدفع واشنطن إلى إجراء مراجعة شاملة لمجمل علاقاتها الإستراتيجية بالسعودية، وإجراء تغيير في بنية الحكم قد تشمل أعلى مراتبه، ما سيضيف خلخلة جديدة في الأسرة السعودية الحاكمة، لكن واشنطن ستحرص على ضبضبة النظام ومنع وقوع اهتزازات غير محسوبة، والمجيء بشريحة حاكمة من ذات العائلة تدفع باتجاه اللبرلة، وهي متوفرة…

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى