من قال إنّ الشعب السوري ينتظر من أميركا.. إعادة الإعمار؟

محمد ح. الحاج

قد تكون الولايات المتحدة الأميركية من أكثر الدول المؤهّلة لإعادة إعمار بقعة خرّبتها الزلازل أو البراكين أو الحروب، فهي أكثر من يملك التقنيات والأدوات والقوى الاقتصادية، لكنها ليست المؤهّلة أخلاقياً لإعادة إعمار منطقة عملت هي على تخريبها وما زالت إضافة لإصرارها على تمزيق منطقتنا واحتلال أجزاء عزيزة منها دون أيّ سند قانوني أو دعوة من الحكومة الشرعية المعترف بها عالمياً.

تشترط الإدارة الأميركية خروج إيران من المنطقة! فما هو الشكل الذي تتواجد به إيران، وهل يؤثر على الولايات المتحدة؟ سؤال لا يمكن للإدارة أن تجيب عليه إلا إنْ أقرت بتماهي المصالح الأميركية مع وليدتها الصهيونية واندماجهما في وحدة لا انفصام لها رغم محاولة الإدارات السابقة إظهار نفسها على جانب الحياد والوسيط «النزيه»، ثم يأتي ترامب فيعلن الحقيقة الأهمّ ويكشف عن مشروعه الذي كان طيّ الأدراج دون تعديل سوى إعلانه.

الإدارة التي أقامت لها تحالفاً من أتباعها، وتدخلت دون طلب من أيّ جهة رسمية… لا مجلس الأمن ولا الدولة صاحبة الشأن، تحت شعار محاربة التنظيم الذي أوجدته استخباراتها وكواليسها السرية، وتحت هذا الستار قامت بتدمير البنى التحتية في الشرق السوري من الجسور على طول الفرات، والمنشآت الخدمية محطات الكهرباء المياه المباني الحكومية والإدارات وغيرها، ثم قامت بعد نقل أدواتها بتدمير مدينة الرقة بكاملها، تريد اليوم وعن طريق المساومة أن تتصدّى لإعادة الإعمار بشروطها وكأنّ شعبنا يصرخ ويستغيث طالباً منها المساعدة ومدّ يد العون، بينما هو يعلن رغبة صادقة ومطلباً ملحاً في خروجها من أراضينا ووقف دعمها وتحريضها لبعض الفصائل لتقوم بالانفصال عن جسد الوطن.

نحن لا نحسن الظنّ بالإدارة الأميركية لنعتبر أنّ تدميرها الجسور على الفرات كانت لعرقلة تحرك وحدات داعش، فقد كانت تنقلهم بالحوّامات تحت جنح الظلام، هدم الجسور كانت غايته فصل كلّ ما شرق الفرات عن الدولة السورية بما يتفق والخريطة التي نشرها البنتاغون قبل سنوات، والتي تعتبر أنّ منطقة الجزيرة هي استكمال وتتمة للدولة الكردية التي كانت تنتظر موافقة تركيا، والتي جرى ضمانة استثناء الأراضي الكردية المحتلة من قبلها فتبقى تحت الإدارة التركية، إضافة لذلك سيتمّ وعن طريق السياسة الأميركية ربط الدولة الكردية بتركيا وتالياً الحلف الأطلسي بحيث لا تتخذ الدولة المذكورة مواقف تناقض أو تخالف السياسة التركية، إلا أنّ الحكومة التركية بقيت على موقفها الحذر والرافض لقيام أيّ كيان كردي مجاور حتى تحت قيادة آل برزاني، وهم معروفون للإدارة التركية بارتباطاتهم الماسو صهيونية كما رأس الإدارة التركية.

الإدارة الأميركية يحكم سلوكها العام في تعاملها مع العالم نظرية الربح والخسارة، وقد جاء من يعلنها ليكون كلّ قرار أميركي أساسه النظرة التجارية، ترامب لا يخجل من القول إنّ وقف مبيعات الأسلحة للدولة السعودية قد يضرّ بفرص العمل في المصانع الحربية الأميركية، حتى لو اعتبر العالم كله الحكومة السعودية مارقة وخارجة على القانون، وضدّ الإنسانية بما ترتكبه في اليمن، وفي البحرين وفي الداخل السعودي من عسف وتصفيات لم تفلح بعض التغييرات في تجميل وجه سياساتها البغيضة، والتي أصبح من المعيب والمخجل لدى قادة دول الغرب استمرار دعمها، بل على العكس تساهم هذه السلوكيات بفرص ترامب ليحصد المزيد من الرشاوى.

عندما تحكم الأخلاق والشعور بالمسؤولية والعدالة الدولية سلوكيات الدول الكبرى، يمكن القول إنّ هذه العوامل تشكل عامل ضغط على الإدارة الأميركية لتساهم في إعمار ما دمّرته، ليس من منطلق تجاري وإيجاد فرص عمل لشركاتها ومؤسّساتها، بل بدفع غرامات التخريب دون أن تستفيد وبذلك تتحقق العدالة أما ما يلوح في الأفق رغم اشتراطها خروج إيران، فإنها تبحث عن فرص عمل لشركاتها وشركائها وهي التي فعلت ما فعلته على هذه القاعدة، الفائدة التجارية وإيجاد فرص عمل وأسواق، ونعتقد بأنّ هذه الإدارة لن تدفع بنساً واحداً من صناديقها، الأرجح أنها ستحكم على دول الخليج بأنها من موّلت ودفعت لخراب سورية، وأنها ملزمة بالتعويض ودفع غرامات إعادة الإعمار، بذلك تحقق الإدارة الأميركية الفائدة مرتين، الأولى بيع الأسلحة وقبض أثمانها مضاعفة، ومعها أجور المرتزقة واستمرار وجود الوحدات العسكرية التي التزم قادة الخليج بتغطية نفقات وجودها، وتالياً حصاد الجزء الأكبر من تعهّدات إعادة الأعمار التي ستجبر أهل الخليج على تمويلها، فهل جانبنا الصواب في هذا التحليل.

أن يكون ترامب على رأس الإدارة الأميركية فإنه لا أمل منظور في أن تمارس هذه الإدارة سياسة أخلاقية أو إنسانية، بل هي ما زالت تمارس عمليات التخريب والقتل، وتستهدف بعمليات القصف المكثف مناطق محدّدة، وشرائح موالية للدولة في مناطق شرق الفرات، كما تركز على أماكن تواجد العشائر التي لا تنضوي تحت قيادتها ولا تتعاون مع أدواتها من التنظيمات الكردية أو المتعاونين معها، وجريمة هجين بالأمس شاهد على سقوط العسكرية الأميركية المنفلتة من كلّ قيد أو قانون أو شعور إنساني.. الفوسفور الأبيض سلاح دمار شامل يفوق تأثيره أضعاف الغاز الذي استخدم في بعض المناطق من قبل العصابات المسلحة والخوذ البيضاء لتوريط الجيش السوري واتخاذه ذريعة لمهاجمته كعملية ردّ على ما يُقال إنه استخدام الكيماوي، هل من يجرؤ على توجيه اصبع الاتهام للأميركي البشع ويقول إنه مارق وخارج على القانون؟

الجانب الروسي المعروف بحساباته وحرصه على السلم والأمن الدوليين لا يمكن جرّه بسهولة إلى الصدام، كما يفعل الأميركي الذي يرى في الحروب وسيلة للكسب وزيادة فرص العمل والدخل القومي بغضّ النظر عن دناءة الوسيلة وتناقضها مع الأخلاق والإنسانية، ولهذا يلعب دور المكابح بوجه ردود الفعل المفترض أن تمارسها الدولة السورية القادرة على تدمير مواقع الوجود الأميركي والمطارات والمعسكرات بضربات صاروخية قاصمة، لكنها قد تفتح الباب أمام اتساع المواجهة وانجرار دول بكاملها هم في واقع الحال في تحالف مع الجانب الأميركي رغم أنّ وجودهم غير مشروع، ومن الجانب الآخر الروسي والإيراني وربما آخرون، ويعتبر الروسي ذلك مقدّمة لحرب عالمية كبرى يرغب بوقوعها الغرب بقيادة أميركا، ويتحاشاها بقية العالم، من هنا يعيب البعض على الروسي تكرار إصداره بيانات استنكار الوجود الأميركي واعتباره غير مشروع ومطالبته بانسحابه في الوقت الذي يصمّ الأميركي أذنيه وقد لا يفتحهما إلا عند دويّ الانفجارات في أماكن تواجده وبدء شحن الصناديق إلى ألمانيا كمرحلة أولى من ثم إلى الوطن… عودة جثث الجنود إلى أميركا بالصناديق وحده الكفيل بجعل المسؤولين الأميركان يسمعون ويفهمون التلميحات الروسية، فينسحبون تحت هدير الدم.

قد لا تخرج القوات المتحالفة بقيادة أميركا من الأرض السورية قريباً، لكن عليها أن تفهم أنّ استمرار هذا الوجود يزيد من إصرار الشعب السوري على رفضهم، ورفض مشاركة كلّ من يمتّ لهم بصلة في عمليات إعادة الأعمار، وقد يكون اللجوء إلى المحاكم الدولية الطريق الأقرب للحصول على تعويضات مناسبة مقابل الخراب الذي ساهموا بإنجازه تخطيطاً وتسليحاً وتمويلاً.. وتنفيذاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى