رحلة الشام 2701 رؤية سينمائية تحاكي الوجع بمؤثرات فنية عالية

عبير حمدان

حين يصبح الواقع مادة سينمائية يمكن القول إننا شعوب عصية على فعل التهجين رغم كل ما نعانيه من الآلام جراء حرب لم نسعَ اليها، بل أصرينا على تخطي آثارها لنكمل المسير بثبات وثقة بأننا اصحاب الحق، لأننا ابناء هذه الأرض التي تلفظ المارقين والنشاز مهما أمعنوا في بطشهم تحت مسمّيات واهية تارة باسم الدين وطوراً باسم الحرية..

الفيلم السينمائي «رحلة الشام 2701» يحاكي الواقع دون أي تكليف إن لناحية الحوارات أو المؤثرات البصرية التي تأخذ المشاهد إلى قلب الحدث ويشعر بأنه جزء من الحبكة الدرامية فيصبح التفاعل حالة تلقائية فيها الكثير من مشاعر القلق والخوف وترقب النهاية التي يرجوها، حيث يمكن لرحلة جوية اختصار الزمن وتحديد المسار بين الحق والباطل.

يبدأ الفيلم بمشاهد مؤلمة لقريتي كفريا والفوعة في ظل الحصار الداعشي الذي أدّى إلى مجاعة، حيث يقوم الطياريون الإيرانيون برمي المساعدات للمحاصرين ومعظمهم من الأطفال والنساء، ولكن حتى هذه المساعدات الهابطة من السماء لا تروق للدواعش الذين يقصفون الناس في محاولة لمنعهم من الحصول عليها.

«علي» الطيار الإيراني بابك حميديان يقف بين الرفض والقبول، بين الواجب المتصل بإرادة وتصميم والده «الحاج يونس» هادي حجازي فر وبين انتظار زوجته التي دعته أن يعود إلى إيران ليكون إلى جانبها وهي التي تنتظر مولودها الثاني بعد أن فقدت جنينها الأول جراء الضغط النفسي الذي تعشيه في ظل غيابه ودرايتها حجم الخطر الذي يحيط بمهامه. ويبرز من خلال حواره مع والده أنه لم يختر خوض المعركة ولم يستسغ غياب والده في مهمات مماثلة بحكم الجغرافيا المحكومة بعدم الاستقرار الأمني على الدوام. وهي نقطة تُحسَب لصُناع العمل لجهة طرح النقاشات دون أي تجميل.. يمكن للمتلقي التعاطف مع الكابتن علي الذي يريد العودة إلى زوجته، ولكن ذاك الخيط المتين الذي يربط الابن بوالده يتغلب على العاطفة وقرار العودة. ومن هنا يقرر المشاركة في مهمة أخيرة وهي إنقاذ المدنيين المحاصرين في تدمر ونقلهم إلى دمشق، لكن المهمة لم تكن بهذه السهولة بسبب وجود أسرى داعشيين على متن الطائرة، فبعد دقائق الترقب التي سبقت إقلاعها والمواجهة التي حصلت على الأرض بين عناصر من الجيش السوري بقيادة الضابط «أبو بلال» بيار داغر الذي يفجّر نفسه بالدواعش، يخال المتابع أن الرحلة شارفت على نهايتها، ولكن يتمكن الأسرى الدواعش من قلب المشهد والسيطرة على الطائرة لتتصاعد الأحداث وتدخل في مرحلة التفاوض بين الكابتن الحاج يونس والشيخ ممدوح خالد السيد ، حيث يتم إخلاء سبيل النساء والأطفال والجرحى مع توابيت الشهداء حيث حطت الطائرة في مقابل أن يعود بهم الكابتن علي إلى تدمر.

ونشهد حيّزاً يرمز إلى الحضور الروسي العسكري من خلال طائرتين حربيتين روسيتين يتعقبان الطائرة لمعرفة ما يجري على متنها دون الخوض في احتمال تدخلهما المباشر، وربما كان الرجاء لدى المتلقي أن يشهد تدخلاً لتغيير سير الأحداث.. ولعل الصورة القاسية تتبدّى لحظة هبوط الطائرة في تدمر، حيث تنتظرها فرقة من داعش ويظهر حجم التفكك ضمن هذه المجموعات الإرهابية ومدى وحشيتهم، حيث «الشيشاني» يقطع رأس الشيخ ممدوح لكونه المسيطر على الأرض ويأسر الطيارين ومَن معهم من الجنود السوريين والمواطنين ويلبسهم الرداء البرتقالي الذي يذكّرنا بسجن «ابو غريب» على قاعدة الرؤية الأميركية للشرق الأوسط الجديد، ولا يغفل العمل دور الإعلام الذي شكّل جبهة متلازمة مع القتال الميداني حيث يقوم «أبو طلحة البلجيكي» بتصوير الأفلام بأسلوب هووليودي متقن، ويتم وضع الأسرى في الأقفاص ما عدا «الكابتن علي» الذي يُطلب منه أن يحلق بالطائرة نحو دمشق وترافقه «أم سلمى» سينتيا كرم التي تتحكّم بزر التفجير للسترة الناسفة التي ألبسوه إياها.

يدرك الكابتن أن الهدف عملية انتحارية على غرار 11 أيلول ويتمكن من السيطرة على زمام الأمور في النهاية ليحرر الأسرى بالمظلات وكما هبطت المساعدات في بداية السرد تنزل الأقفاص بأمان إلى أرض الشام ويؤدي «علي» التحية لوالده الموجود داخل القفص ونراه صورة مصغرة عنه وقدا غزا الشيب رأسه قبل أن يفجّر الطائرة في الجو منعاً لبلوغها الغاية التي رسمها لها الإرهابيون، وينطوي المشهد الأخير على ضجيج الأطفال في باحات المدارس وحقول القمح التي تحيط بالطفل المنطلق على دراجته وقد يظنه المتلقي «علي» الصغير ويمكن أن يكون الابن الذي انتظره الكابتن ولم يشهد ولادته وفي النهاية لكل متابع رؤيته الخاصة، إلا أن الرؤية العامة تؤكد أن على هذه الأرض ما يستحقّ المقاومة للبقاء على قيد النصر والحق بالحياة في مواجهة التكفيريين ومَن يموّلهم..

يذكر أن الفيلم بدأ عرضه في صالات السينما وعلى مسرح رسالات الجمعية اللبنانية للفنون في الحادي عشر من الشهر الحالي وهو للمخرج الإيراني إبراهيم حاتمي كيا عن نص له، وشارك فيه من لبنان بيار داغر وندى أبو فرحات وخالد السيد وسينتيا كرم ورامي عطالله وكارمن بصيبص وجوزيف سلامة. ومن سورية ليث مفتي وعلي سكر ومن إيران هادي حجازي فر، وبابك حميديان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى