تحديد نسل

لا لونَ لهُ.. الحياة جسر معلّق، أو لنقل حبل انتظار ممدود على نهر اللا جدوى، يستطيع الإنسان أن يلوّن حياته كيفما اختار وبالألوان التي يرغبها. ومهمة الإنسان الأوّل لم تكن في البحث عن اسم اللون، بل كان منجذباً نحو ما تخلفه الألوان في ذاته من ردة فعل، حينها اكتسبت جميع الأشياء أهميتها تبعاً للونها المميز، إلّا الغبار كان وما زال عصياً على الفهم. حتّى أنّه لم يستطع أن يتغلب على مَن هم في عائلته الدخان، الرماد ظلّ غباراً فقط لذا فإن هذا المنحوس لم يتمتع بأيّ احترام في كل زمن، كان يحاول جاهداً كلّ مساء أن يصنع لنفسه صباغاً يميزه عن غيره لكنّ محاولاته باءت بالفشل، كما حاول لاحقاً دمج أكثر من لون ليشكل لوناً جديداً ويتخذه لوناً له، لكنّ الألوان لم تساعده فكلّ لون له اسمه ولن يعيره أحدهم لونه. عندها ثار الغبار غضباً وتوعّد بأخذ الثأر لنفسه. قرّر الغبار أن يكتسب قناعة منتقديه، أن يجذب الأضواء نحوه، أن يحظى بنجومية عالمية، أن يخرج من دائرة الظلّ، بقي أياماً وليالي يفكر في طرق شيطانيّة لرد اعتباره، فما كان منه إلّا أن تطفّل على الموجودات ولاذ بها حتّى يتسلق على أكتافها، فصار ينتهز أي فرصة لحريق يحدث في أي مكان حتّى يكتسب لون النار، يأخذ فرصته، وبينما الجميع منشغلون بإطفاء الحريق، كان الغبار يتلذّذ بما يرتديه من لون، يضحك كثيراً وهو يجذب الاختناق المضاعف لرجال الإطفاء، وللمشاهدين المتجمهرين على بعد مسافة من الحريق، حتّى إذا ما خمدت النيران انسحب هو بهدوء تام، يستمتع بنشوة انتصار محقق. أصبح سلوكه عدوانياً بعد تجربته مع النار، طابت له لعبة التلوّن وما تخلفه في نفسه من السعادة والنصر. في أحيان أخرى كان يكتسب لون البحر وهو يغضب هائجاً في أيام تسونامي، يتمنّى من فرط أنانيته أن يبقى البحر هائجاً.

تمرّد كثيراً هذا الغبار وأصبح أكثر شجاعة مما سبق بل وتنمّر، بات يستطيع أن يلتهم السماء بلون برتقالي غامق، أصبح يستطيع أن يحجب ضوء الشمس ويتسبب بحوادث كثيرة بين المركبات على الطرق الخارجية، أصبح سبباً بأن تضجّ المستشفيات بمئات المرضى إثر نوبات الربو التي سببها غبار الربيع، صار جلاداً ومجرماً حتّى أثبت للجميع أنّ من لا لون له سيقودهم إلى التهلكة، زرع الخوف في نفوس مناوئيه، يعود متى شاء، ويخرج متى شاء. أزاح عن طريقه النيران والأعاصير والبراكين، كل أولئك الذين كانوا أباطرة قبله، أبعدهم جميعاً بضربة قاضية، تلبّس ألوانهم حتى أسقطهم واحداً تلو الآخر، حتّى المتلوّنين بين الأخضر الفاشي والأسود المزيّف المجفّفون مصادر عيش الضعفاء والمساكين أطاح بمعظمهم. يا لقوته الرهيبة! صار كل شيء ولكن لم يستطع أن يغير تسميته غبار ولم يجد لوناً يميزه عمن سواه… هنا ضحك الجميع عليه ومنه وذكّروه أنه يجب أن يقرأ دراسة البرفسور الأميركي روبرت غودارد التي استخدمت للحدّ من تكاثر الحمقى..

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى