مدخل إلى ديوان «قصائد من الزمن الجميل» للشاعر المهجري عفيف نصار

الياس عشي

في الثلاثينات من القرن الماضي لم تكن القصيدة العربية قد خلعت عباءتها التقليدية بعدُ، حيث الشعر العمودي في وحدة الوزن والقافية والشطرين هو العنوان لكلّ القصائد، بدءاً باليازجيين، ومروراً بشوقي والأخطل، وانتهاءً ببدوي الجبل والجواهري وغيرهما ممّن ساهموا في إعادة الروح إلى الشعر العربي.

خاض الشاعر عفيف نصار صاحب هذا الديوان غمارَ هذه التجربة الشعرية بنجاح لافت من موقع الهواية، فقصائده متعدّدة الأوزان، وإنْ دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على إلمامه العميق بعلم العروض الذي وضعه خليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 786 ميلادية.

في تجربته الشعرية اللافتة تتوقف أمام لغة غزلية نبيلة وراقية وبعيدة عن الأهواء والميول، ففي قصيدة لقاء يقول:

فنادت: تعالَ وخذْني إليك

فحبُّكَ دائي وأنتَ الدواءْ

وفيك شفائي.. فهل قبلةٌ

تعيد الأماني وتروي الظماء؟

فأحجمتُ ـ لا عفّةً ـ بل هوىً

وأكبرتُ ذاك الهوى أن يساء

وقد كدت أنسى وقار المقامِ

وأنسى رجاءً وأمّ رجاء

ولكنني ثِبتُ من غفوتي

وإذ هي أمامي كإحدى النساء

لكن الغزل لم يمنعه من التغني بلبنان في نفحات وطنية شامخة، وخاصة في مخاطبته فرنسا الدولة المنتدبة على لبنان، ليخبرها:

أخبرْ فرنسةَ أننا شعبٌ لقد

رضيَ الحياةَ بظلّها المتآزر

أمن التمدّن أن نهان بدارِ من

هدموا القلاعَ لدفع ظلم القادر؟

وخلاصة الكلام أنّ القصيدة مع عفيف نصار لم تكتفِ بهذين الغرضين، بل كانت ملاذه الوحيد في التعبير عن أغراض أخرى، كالرثاء، والوجدانيات، والأدب الاجتماعي، والمواقف الإنسانية كخيبات الأمل، والتوبة، والفقر، والتشرّد، والحروب، والوفاء، وكلّ ذلك بلغة عربية سليمة، وأسلوب انسيابيّ بعيد عن التكلّف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى