بعد كلام السيّد: المعاملة بالمثل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة

ناصر قنديل

– خلال الشهور التي أعقبت تسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري تعطّل تشكيل الحكومة لشهور بسبب واضح تكشفه الحلحلة التي تمّت لعقدتي تمثيل كل من حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، حيث تراجع الاشتراكي عن مطلب غير محق ومضخّم بنيل ثلاثة مقاعد، وتراجعت القوات عن مطلب شديد المبالغة في التضخم نحو مكسب مضخم بدرجة نسبية لكن برضا شريك التمثيل في الطائفة الذي يمثله التيار الوطني الحر وبتنازل عن منصب نائب رئيس الحكومة من قبل رئيس الجمهورية، فبقيت القوات تحتل بـ15 نائباً 4 مقاعد وزارية وصار الاشتراكي ممثلاً بوزيرين. وهذا معناه عملياً تمثيل 24 نائباً بستة مقاعد وزارية، ومعيار التمثيل يكون هنا هو وزير لكل أربعة نواب، لكن رئيس الحكومة الذي قاتل بكل قواه لرفع نسبة تمثيل حلفائه وسعى لتحصيل مطالبهم الشديدة التضخم، لم يمتنع ولا منع حلفاءه من توجيه الاتهام مراراً خلال شهور التعطيل، لرئيس الجمهورية بالسعي للنيل من صلاحيات رئيس الحكومة، كما لم يمتنع ولا منع حلفاءه من رفع متاريس طائفية في قلب هذا الاتهام جامعاً رؤساء الحكومات السابقين ومستصدراً منهم بيانات داعمة لما أسماه معركة الصلاحيات، ومن دون التردد في إقحام دار الفتوى في هذه المعركة المفتعلة.

– بالمقابل بقي رئيس الجمهورية حريصاً على تأكيد احترامه لصلاحيات رئيس الحكومة كشريك كامل في تشكيل الحكومة، وكصاحب الحق الوحيد بعرض التشكيلة الحكومية مقابل حق رئيس الجمهورية بالاعتراض وطلب إدخال التعديلات عليها. وفي ذروة دفاع رئيس الجمهورية عن محاولات مكشوفة للنيل من صلاحياته وتحويله إلى مجرد بريد رسمي لإعلان تشكيلة رئيس الحكومة لحكومته، لم يستنفر رئيس الجمهورية حلفاءه ولا زجّ بالمرجعيات الدينية في معركة محقة هي الدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية، كشريك كامل في تشكيل الحكومة وفقاً للدستور الذي خرج من اتفاق الطائف، وفي ذروة اندفاع رئيس الحكومة لتحصيل ما ليس محقاً لحلفائه، تعامل رئيس الجمهورية بلغة الاحتواء بدلاً من المواجهة، وأظهر حرصه على تدوير الزوايا فتولى حلحلة عقدة الحزب الاشتراكي، بما لم يكن رئيس الحكومة راضياً عن نتيجته، وتولى التنازل عن منصب نائب رئيس الحكومة لحساب القوات اللبنانية من حصته، ورئيس الحكومة يضغط خلال كل هذه الفترة على فريق رئيس الجمهورية لتقديم التنازلات لحساب حلفائه، بما لا تخوّلهم مقاعدهم النيابية بنيله.

– خلال الأيام القليلة الماضية ظهرت صعوبة ولادة الحكومة من دون تمثيل النواب السنة الذين يمثلون ثلث ناخبي طائفتهم ويحتلون ثلث مقاعدها النيابية، ويحق لهم ثلث مقاعدها الوزارية، ويرفض رئيس الحكومة منحهم مقعداً واحداً بدلاً من حقهم بمقعدين، ويشنّ عليهم حملة ظالمة ويطلق عليهم أوصافاً لا تليق برئاسة الحكومة، ولا بزعامة وطنية، يفترض أنها تحترم إرادة الشعب الذي يمنح النواب مقاعدهم في العملية الديمقراطية ومنه تستمدّ عبر مجلس النواب كل حكومة شرعيتها الدستورية، ومعها رئيسها، ورغم ذلك حاول رئيس الجمهورية أن يمون على حلفائه عبر ضغط نفسي ومعنوي وأدبي، بإعلان تضامنه مع رئيس الحكومة ورفض التسليم بحق النواب السنة، وتوصيف تمسك حزب الله بتمثيلهم خطأ تكتيكياً يصيب الاستراتيجية الوطنية.

– لأن رئيس الجمهورية فعل كل ما فعله في السابق لتسهيل ولادة الحكومة، وحاول أن يضغط للتسهيل، ولكنه وجد موقفاً لا مجال للتراجع فيه لدى حزب الله بعد كلام السيد حسن نصرالله، وصار أمام معادلة استعصاء فهو معنيّ من الموقع ذاته بالسعي لتذليل العقدة بغض النظر عن رغبته بكيفية تذليلها، وقد بات لذلك طريق واحد يعرف الرئيس أنه ليس السعي للضغط على حزب الله للتراجع عندما يكون مقتنعاً بأنه يقوم بعمل وطني، كما كان الحال يوم جمّد حزب الله تشكيل الحكومة الأولى للرئيس سعد الحريري شهوراً بانتظار توافق الحريري مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عام 2009، وكما كان الحال يوم تحمّل حزب الله الاتهامات بتعطيل الانتخابات الرئاسية والتسبّب بالفراغ الرئاسي ليقينه بأحقية العماد ميشال عون بالرئاسة. وهو اليوم بلسان السيد نصرالله، يعلم أن الإجحاف السياسي بحق فريق الثامن من آذار في التشكيلة الحكومة بالمقارنة مع تمثيل الرابع عشر من آذار لا يمكن تبريره إلا بالضعف وليس بالتواضع. وحزب الله ليس ضعيفاً ليقبل بتمثيل فريقه بسبعة وزراء مقابل إثني عشر وزيراً لقوى الرابع عشر من آذار، وهما بحجم نيابي واحد، فإذا كان المعيار المعتمد وفقاً لتمثيل القوات والاشتراكي هو وزير لكل أربعة نواب، فلذلك نتيجة أولى أن يكون لتيار رئيس الحكومة خمسة وزراء فقط بدلاً من ستة، والفارق كافٍ لحل مشكلة تمثيل سنة الثامن من آذار، ونتيجة ثانية هي نيل فريق الثامن من آذار وفقاً للمعيار ذاته، لكن بالمقابل يرتضي فريق الثامن من آذار بتواضع، أن يطبق عليه معيار مزدوج بحيث يكون لكل 4 نواب من 14 آذار وزير ولكل ستة نواب من 8 آذار وزير، لأنه إذا طالب بالمعيار ذاته لتمثيل قوى الرابع عشر من آذار مقابل 45 نائباً يمثلهم فستكون حصته 11 عشر وزيراً كما هي حصة الرابع عشر من آذار، بينما هو يرتضي التمثيل بـ8 وزراء فقط إذا تم تحصيل مقعد وزاري للنواب السنة في اللقاء التشاوري.

– المعاملة بالمثل مع رئيس الحكومة تستدعي من رئيس الجمهورية مطالبته بالتنازل عن مقعد من طائفته ليحل المشكلة، علماً أن هذا المقعد حق ثابت، يريد رئيس الحكومة وضع اليد عليه بغير حق، بعدما لبّى رئيس الجمهورية طلب رئيس الحكومة بمنح مقعد غير مستحق من طائفته لحساب القوات اللبنانية وفوقه صفة نائب رئيس الحكومة، تحت عنوان التعاون لتسهيل ولادة الحكومة. وعسى ألا يقبل رئيس الحكومة بالتمني ليفتح باب تشكيل الحكومة من جديد، وفقاً لمعادلة التمثيل بمعيار واحد لأنه الأمثل والأكثر استقراراً وفقاً لكلام رئيس الجمهورية المتكرر، فإما حكومة بـ 36 وزير لتتسع لـ11 وزيراً لكل من 8 و14 آذار وتكون حصة التيار الوطني الحر وتكتله بـ 7 وزراء، وفقاً لمعيار وزير لكل 4 نواب، ووزير لكل من حزب الكتائب وتكتل الرئيس نجيب ميقاتي إذا رغبا وإلا تؤول حصتهما بوزير لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إضافة لـ 5 وزراء محسومين لرئيس الجمهورية. وهكذا تتمثل الأقليات ويتمثل العلويون، أو حكومة بـ 30 وزيراً وفقاً لمعيار وزير لكل خمسة نواب يكون فيها 9 وزراء لكل من 8 و14 آذار و6 وزراء للتيار الوطني الحر وتكتله و6 وزراء لرئيسي الجمهورية والحكومة 5 بـ 1 ، والنصيحة بلا جميلة وبلا جمل، لكن لا تضيّعوا وقتاً بغير هذا التفكير.

– اللهم اشهد أني بلغت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى