الحرب على غزة «إسرائيلية» ـ خليجية!

د. وفيق إبراهيم

هذا ليس اتهاماً، لكنه يربط بين انطلاق التطبيع الخليجي مع «إسرائيل»، وإعلان حرب إسرائيلية على قطاع غزة في فلسطين المحتلة. وهذا أمر منطقي في علوم السياسة والحرب معاً.

قبل التوغل في الأسباب السياسية، لا بد من الإشارة الى عاملين مترابطين، إعلان الحرب الإسرائيلية على القطاع جاء مباشرة بعد تطبيع ثلاث دول خليجية لعلاقاتها الواسعة مع «إسرائيل» واستقبالها مسؤولين منها في احتفالات عالية المستوى، أما العامل الثاني فكان كامل انواع السلاح الإسرائيلي، باستثناء النووي، يستهدف منذ يومين احياء غزة، بكاملها وسط تجاهل عربي كامل، يصل أحياناً الى حدود اتهام حماس بتفجير هدنة كانت مصر السيسي تعمل عليها لإنهاء آخر موقع فلسطيني لا يزال يقاوم العدو الإسرائيلي.

لا بد أيضاً من القول إن الدول التي طبعّت بشكل كامل مع «إسرائيل» في الاسابيع الفائتة، هي الإمارات وعُمان والبحرين، والتحقت بذلك مع مصر والأردن والمغرب وقطر والسودان، وبشكل أن المعترفين بـ»إسرائيل» باتوا أكثر عدداً من الممتنعين.

وكان من المفترض أن يؤدي حرب الإرهاب المدعوم أميركياً وخليجياً وإسرائيلياً على سورية الى تفتيتها وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.. على أن يلي ذلك اعتراف الخليج وبقية الدول بـ»إسرائيل».. فيظهر الأمر طبيعياً.. لكن صمود سورية وانتصارها بدعم من حلفائها في حزب الله والروس والإيرانيين، أصاب الاتجاه الخليجي المستسلم بإحباط كبير فرض عليه التوجه مباشرة الى الاعتراف بـ»إسرائيل».

وإذا كانت السعودية لم تستقبل مسؤولاً إسرائيلياً بشكل علني، فان نتنياهو فضحها عندما ذكر ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زار «إسرائيل» أكثر من مرة والتقاه، منوّهاً بالتحالف السياسي بين البلدين على قاعدة استعداء حزب الله وحماس وإيران.. وكانت الرياض أوفدت بزيارات سابقة أنور عشقي اللواء السابق في الجيش السعودي والإعلامي الى «إسرائيل» حيث التقى باسم من وصفه «بمولاي خادم الحرمين الشريفين» الذي أرسل له «تحيات المملكة لدولة إسرائيل»، منوّهاً باليهود الذين يشكلون حسب قوله جزءاً من «أهل الكتاب».

لدينا إذاً استسلام خليجي كامل، استطاع جذب مصر والأردن لبناء «ناتو عربي» معادٍ لإيران ومؤيد لعلاقات إسرائيلية عربية واسعة، لكن دون هذه العلاقات وتحويلها سياسة مستقرة، ودائمة، يوجد قطاع غزة وتحالفاته في حزب الله وإيران، ما يفرض على التوجه الإسرائيلي ـ الخليجي ـ الأميركي العمل على انتهاز فرص التطبيع والقضاء على كل ما يعيقه لينتهي العداء العربي ـ الإسرائيلي الى الأبد..

وفقاً لهذه الخطة، أوقع الأميركيون عقوبات على إيران اعتقدوا انها قاتلة، ويواصلون البحث عن عقوبات أقسى لتدميرها من بنيتها الداخلية، بواسطة سياسات إفقار مكوناتها وذلك بمنعها من بيع نفطها وإيقاف الدور الدولي لمصارفها وحركة الاستيراد والتصدير فيها مع العالم.

لتبيان علاقة حصار إيران بالمخطط الاميركي ـ الخليجي يمكن سؤال دول الخليج متى اعتدت عليهم إيران؟ ومنذ الفتوحات الاسلامية؟ وأين هي قواعدها في المنطقة؟ فالحوثيون هم زيود اليمن الذين يحكمونه منذ 1300 سنة، وكذلك الحشد الشعبي في العراق الذي ينتمي الى بنيات اجتماعية موجودة في أرض الرافدين منذ آلاف السنين.. والمعروف أن مكونات سورية تستوطنها منذ آلاف السنين ايضاً.

اما لجهة حزب الله فينتمي لفريق لبناني موجود فيه منذ آلاف السنين أيضاً.. يكفي أنه حتى اليوم لم يقدم السعوديون اسم إيراني واحد قتل في اليمن.. «وهذا طلب أصرّت صحيفة اللوموند الفرنسية على جواب له لم يصل اليها حتى اليوم».

ماذا عن الحليف الثاني الفلسطيني أي حزب الله؟ استغل الأميركيون والسعوديون موضوع تشكيل حكومة جديدة في لبنان، فوضعوا استراتيجية تقوم على تشكيلها بغالبية من أصدقائهم في احزاب المستقبل السعودي والقوات السعودي بخلفية إسرائيلية تاريخية والتقدمي الجنبلاطي الواثب دوماً من حبل سعودي الى آخر روسي الى ثالث أميركي، وفي حالة العجز في تشكيلها يجب تعطيلها لمنع حزب الله من التموضع الدستوري في عرينه الأصلي وكشفه أمام العدو الإسرائيلي.

ان هذه الخطة لا تزال موضع عناية من الأحزاب الموالية للسعودية، يعملون وفق ما رسمته، من تعطيل للبنان ودفعه نحو انهيار اقتصادي وكشفه أمام اعتداءات إسرائيلية محتملة لكن حزب المقاومة فاجأهم برفض العروض الملتبسة التشكيل مصراً على ضرورة المساواة في عناصر التشكيل حسب نتائج الانتخابات الأخيرة.

امام هذه المعوقات التي برزت في وجه التحالف الإسرائيلي السعودي الاميركي الذي ارتأى التوجه مباشرة الى الهدف.. فهناك منطقتنان فلسطينيتان مستقلتان بمعايير مختلفة، الضفة الغربية الخاضعة بالكامل للأمن الإسرائيلية وتديرها السلطة الفلسطينية من الداخل، الى جانب قطاع غزة الذي يقاتل منذ 1967 من أجل بقائه حراً سيداً على الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.

لاحظ الحلف الخليجي ـ الإسرائيلي ان السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، مستسلمة وترسل موقفاً خجولاً وتنام لأنها تريد أي حل لقضية فلسطين حتى ولو اقتصر الأمر على حارة أو شبه بلدية. المهم بالنسبة اليها وجود موقع تواصل فيه بناء سلطتها الوهمية.

أما قطاع غزة فيمثل آخر أرض فلسطينية حرة تقاتل بشكل دائم أي اعتداء إسرائيلي، ونجحت أكثر من مرة في منعه من اقتحام القطاع المتحالف مع المقاومة في حزب الله وإيران..

ولأن أي تطبيع عربي مع العدو ولن يصبح شرعياً ودائماً إلا بتوقيع فلسطيني، فقد اتفق التحالف الخليجي ـ الإسرائيلي على إنهاء غزة عسكرياً، علماً أن السلطة الفلسطينية على الرغم من تواطؤاتها الخليجية وائتمارها بالقرار السعودي، فلن تتجرأ على التوقيع، إلا بعد انهيار حماس.

قد يعتقد البعض ان هذه القراءة تحتمل السلب والإيجاب في آن معاً لكن المتتبع لتطوير العدوان الإسرائيلي من مجرد غارات متقطعة، إلى هجمات يومية، فتطويق كامل يسبق الحرب الكبيرة يشعر أن هناك أمراً أميركياً بموافقة سعودية على انهاء التمرد التاريخي للقطاع بواسطة جيش العدو الإسرائيلي وبعض طرف مصري يدرك حدود التواطؤ وقد يتعداها، وإلا كيف تفسر اعلاه مصر السيسي مشاركتها في مناورات الناتو العربي الجديد وإعلانها الاستعداد لصد أي حرب إيرانية على الخليج، فيما يدمر الطيران الإسرائيلي غزة ولا تبدي مصر أي اهتمام بهذا الموضوع وكأنه يجري في قارة بعيدة وليس عند حدودها مع فلسطين؟

وكذلك يبدو الخليج مهللاً لهذه الحرب الإسرائيلية متوهماً بإمكانية توقيع صفقة القرن وجعلها سارية المفعول، واستقبال «إسرائيل» عضواً متحالفاً مع الناتو العربي على أساس استعداء إيراني..

فهل هذا ممكن؟

أبطال غزة يقاتلون صفقة القرن ويفضحون ألاعيب الخليجيين وصديقهم السيسي، بمعونة تحالفاتهم، وإن من صمد منذ 1948 في قطاعه فلن يسقط اليوم لأنه يعرف أن قضية فلسطين أمانة في عنقه وعنق المقاومات الشريفة في المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى