هل لمصالحة فرنجية جعجع أبعاد سياسية؟

محمد حمية

رغم إضفاء طابع المصلحة المسيحية والوطنية على المصالحة بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وتأكيد الطرفين على أن لا أهداف سياسية خلف هذه الخطوة على غرار مصالحة معراب بين القوات والتيار الوطني الحر، إلا أنّ المصالحات في لبنان لطالما اقترنت باتفاقات تُرجِمت بتحالفات نيابية أو رئاسية أو حكومية. فهذا ما حصل في اتفاق مار مخايل بين التيار البرتقالي وحزب الله ثم في تفاهم معراب ولاحقاً في المصافحة والمصارحة بين التيار العوني وتيار المستقبل ولقاء غسل القلوب بين عون والحريري في بيت الوسط الذي أنتج التسوية الرئاسية، فهل لمصالحة بكركي أبعاد سياسية؟ وهل يمكن أن تُشكل مدخلاً لتحالف بين معراب – وبنشعي في المستقبل؟

لم يكن خافياً أنّ أحد أهداف مصالحة معراب التي أدّت الى ترشيح جعجع للعماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية هو نية رئيس القوات قطع الطريق على وصول فرنجية إلى بعبدا لاعتبارات اجتماعية وانتخابية وسياسية وتاريخية تتعلق بعلاقة «المرديين» و»القواتيين» في زغرتا وبشري، كما أنّ هواجس العماد عون من «تسلل» ما يعتبره «الإبن الضال» رئيس المردة الى كرسي الرئاسة الاولى بدعم محلي يشكّله مثلث عين التينة بيت الوسط كليمنصو و»موافقة الضرورة» من حزب الله وتغطية خارجية سعودية – أميركية، دفعت «الجنرال» الى «حضن معراب» وإبرام التسوية الرئاسية معه، فرغم أنّ التوقيت السياسي يدفع تهمة النية السياسية المبيّتة لشريكي مصالحة بكركي، غير أنها لا تُخفي بحسب مصادر سياسية مطلعة على الواقع المسيحي منذ اتفاق الطائف تقاطع المصالح بين «حكيم معراب» و»حكيم بنشعي» لقطع الطريق على وصول رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل الى سدة رئاسة الجمهورية، وتشير لـ»البناء» الى «سوء العلاقة الشخصية بين باسيل وكلّ من جعجع وفرنجية، فالرجلان لا يخفيان مشاعرهما تجاه باسيل في مجالسهما الخاصة ولا في مواقفهما العلنية، ويعتبران بأنّ «الصهر الشاب» هو دخيل على الساحة المسيحية ودخل الحياة السياسية من خارج «نادي الزعماء المسيحيين»، علماً أنّ فرنجية يعترف بأنّ العماد عون هو الزعيم الأقوى مسيحياً، لكنه لا يعترف بشرعية «خلفه» وقوته المسيحية».

أما لجهة جعجع فيُدرك بأنّ وصوله إلى بعبدا صعبُ المنال، فهو لم يستطع ذلك في ظلّ موازين قوى محلية وخارجية كانت لصالح المحور الأميركي – الخليجي فكيف الآن والمعادلات تبدّلت والموازين انقلبت؟ هذا الواقع دفع جعجع الى تغيير استراتجيته السياسية على الساحة المسيحية وفي صياغة تحالفاته، إذ تحوّل من مرشح رئاسي الى «صانع الرؤساء» أو على الأقلّ مشارك في صنعهم، وبالتالي شريك مضارب في الحكم وفي توزيع المغانم النيابية والحكومية والإدارية، وهذا ما تكرّس في انتخاب الرئيس عون إذ إنّ الرئيس سعد الحريري لم يكن ليسير بعون لولا الإجماع المسيحي وتحديداً القواتي على ترشيح «العماد»، فـ «سيد معراب» يسير على الخطى نفسها اليوم، فهو يستخدم المصالحة مع المردة ليشق الطريق الى تحالف سياسي في المستقبل على المستوى النيابي فالرئاسي بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، فمحاصرة المرشح المنافس لجعجع يستوجب العمل الدؤوب منذ اليوم بمفهوم القواتيين، فجعجع وفرنجية يُدركان أنّ باسيل هو مرشح جدي للرئاسة ويسعى جاهداً لتصدّر السباق الرئاسي، لكن هل يمكن لفريقين مختلفين جذرياً في الاستراتيجيا أن يذهبا بعيداً الى تحالف انتخابي نيابي أو رئاسي؟

إذ لا تستبعد مصادر سياسية لـ»البناء» اتفاقاً كهذا في الملفات الداخلية وتنظيم الخلاف في العناوين الاستراتيجية لكن ليس في المدى المنظور. فالأمر مرهون بطبيعة المرحلة السياسية، فيمكن أن نرى اتفاقاً بين فرنجية وباسيل أو بين الأخير وجعجع، لكن تنفي مصادر المردة وجود أهداف سياسية أو انتخابية للمصالحة، وتذكر بثلاثة مواقف وخطوات لرئيس المردة تُشكل أدلة قاطعة بأنه لا يسعى لغايات غير مصلحة المسيحيين والوطن:

– اتصال فرنجية بجعجع فور خروجه من السجن ولم يكن هناك آنذاك انتخابات رئاسية ولا نيابية.

– مبادرة رئيس المردة الى إبلاغ البطريرك بشارة الراعي منذ انتخابه بطريركاً للموارنة استعداده لأيّ خطوة باتجاه المصالحة مع القوات وطيّ صفحة الحرب الأهلية المأساوية..

– لم يختر فرنجية توقيت المصالحة مع القوات قبيل الانتخابات النيابية بل بعدها، وبعدما باتت الحكومة في آخر مراحل التأليف، وتسأل المصادر أين السياسة في خطوة المصالحة اليوم؟

وتضيف مصادر المردة لـ»البناء»: «لا اتفاق أو وثيقة سياسية تُخفيها المصالحة، بعكس اتفاق معراب الذي بُني على تفاهم بين القوات والتيار لتقاسام السلطة ولاحقاً تمّ نسف هذا الاتفاق من التيار الحر، ووقع الخلاف على ملفات عدة في الحكومة الماضية واستكمل بصراع شرس على تقاسم الوزراء في الحكومة العتيدة كاد يطيح بالمصالحة ويُعيد مشهد الصراع الى الشارع.

وتشدّد المصادر على أنّ «ابن زغرتا» «لا يخرج من قناعاته ومبادئه وتحالفاته السياسية لقاء مكسب سياسي حتى لو كان وصوله رئاسة الجمهورية، وتاريخه يشهد على ذلك، وتجزم بأن «ليس الهدف قطع الطريق على باسيل رغم أننا لا نعتبره مرشحاً جدياً»، وتلفت الى أنّ «ايّ تحالف سياسي بين القوات والمردة لن يكون إلا لجلب جعجع الى خطنا وفريقنا السياسي، رغم أننا نعرف استحالة ذلك، لكن بالتأكيد لن نذهب الى خياراته وخطه ومحوره السياسي»، وترى بأنّ فرنجية هو الأوفر حظاً لرئاسة الجمهورية ونثق بأنّ حلفاءنا سيكونون معنا لكن من المبكر الحديث عن استحقاق الرئاسة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى