قرار منع الاحتلال!

عندما قرر حكّام أحد الكواكب أن يحتلّ كوكبنا، وجدتُ أنّه من الواجب أن أرسل لهم تقريراً يتضمن كيف تسير الحياة على هذه الرقعة من الكوكب قبل أن يتورطوا ويحتلوها…

عزيزي الحاكم: علاقاتنا متشابكة لدرجة استحالة الحكم باستمراريتها أو انتهائها بكلمة، فلسنا علب زبادي تتم بسترتها جميعاً بدرجة حرارة معينة في نفس الوقت ولكن ليتنا مثلا علب زبادي صريحة لديها تاريخ إنتاج وتاريخ انتهاء، عكس علاقات البشر. تاريخ إنتاجها واضح لكن تاريخ انتهائها غير معلوم. ليس لا سمح الله لأنها للأبد، ولكن لكون النهايات دائماً مفاجئة وغير متوقعة. فمن يعاشر بشغف بدايات علاقات البشر لا يتوقع أبداً كيف انتهت تلك العلاقات بنهايات مأساوية. والغريب بتاريخ البشر أنّه بعد كل تاريخ انتهاء علاقة تبدأ بالوقت نفسه علاقة جديدة بشغف جديد بتفاصيل سيناريو سابقتها نفسه، ولكن بكذبة انتظار تاريخ صلاحية صالح للأبد، ولكنها مسألة وقت على كل حال! بعد وقت قريب ستلغي وجودهم من دفتر حضورك!

كل ما يفعله سكان كوكبنا هي محاولات للسعادة الوقتية التي تنتهي بانتهاء الحدث أو بعده بقليل على أحسن تقدير، والسبب أحاسيسنا المرهفة التي نتهم الآخر أّنه دائم التجريح فيها!

على كوكبنا العظيم، كل منّا متقوقع داخل نفسه يفكر كيف سيمر عليه الغد قبل أن يخطط كيف سيمر عليه اليوم، وإذا قررنا أن نذيب الجليد بيننا ونندمج، ما إن يبدأ أحدنا في طرح رأيه في موضوع حتى يسمع رأي الآخر في والدته مباشرة!

الناس هنا تعيسة جداً. نعم تعيسة. لفترة كانوا يتساءلون لماذا خلق الله لنا أذنين وفماً واحداً ولم يعرفوا الإجابة إلّا عندما حاصرتهم برامج الواتس أب والفيسبوك والتويتر فخرسوا نهائياً!

الإنسان على كوكبنا غريب الطبع، خلقت له ذاكرة ضعيفة لينسى فصنع الكاميرا وكروت الميموري. خلق له لسان ليتكلم به مع الناس فتواصل معهم بأزرار الكيبورد. خلقت له مشاعر فحوّلها لأيقونات إيموشنز مستفزة. الناس هنا وحيدة جداً، وحيدة لدرجة أنهم يتصوّرون سيلفي على مدار الساعة!

هل تود أن أخبرك المزيد عن سكان كوكبنا العملاق؟ حسناً، الناس على هذا الكوكب لا يكفون عن الشكوى، الوحيد يشتكي الوحدة ويحسد المتزوج، والمتزوج يشتكي ويحسد الوحيد، والمتزوج العائل لأطفال يشتكي لله ويحسدهم جميعاً!

أصعب ما في المشهد أن الحياة تضعك أحياناً رغماً عنك في مشهد لم تكن أبداً طرفاً فيه، وتجبرك أن تتصرّف. هنا في حياة كل فرد ثلاثة أشخاص: شخص يحبه، وشخص أحبه، وشخص يتزوّجه بالنهاية، ولا تحاول أن تفهم السبب!

هذا الكوكب في المجمل يحكمه مجموعة من المختلين عقلياً. طبعاً ليس الكل لكن أكثرهم، ويكون سندهم في الحياة مرضى نفسيين، ويديره تجار الدم والمال، ويعدون الجميع بتذاكر متوفرة لديهم للجنة والنار!

العزلة كانت خيارنا الوحيد في زمننا الحالي، يشعر بها الجميع، نساء ورجالاً، ثمة غربة في الروح أفرزتها منتجات الحضارة وسياسات القوة والسيطرة!

هل تودّ أن أحدثك المزيد عن سكان كوكبنا العتيد؟

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى