المزيد من الطائفية لإنعاش «آباء» المذاهب فقط

د. وفيق إبراهيم

يستنهض القادة السياسيون في لبنان طوائفهم ومذاهبهم في كل مرّة يستشعرون فيها خطراً على أدوارهم السياسية وأحجامهم فتختلط مصالحهم باهتمامات الناس وتتسلّط على الغرائز الشعبية الى أن يكتشف هؤلاء الزعماء في حواراتهم السرية حلولاً وسطية فيعودون الى الأسلوب الخطابي الوطني على مستوى الشكل وكأن شيئاً لم يكن، إلا أنهم يتركون وراءهم تعميقاً للخلافات بين المذاهب والطوائف حتى تبقى حاضرة كوقود لخلافات جديدة. وهكذا دواليك إنما الى متى يبقى اللبناني تحت رحمة شعارات: «مصالح السنة» و»هيدا خيك» واللقاء المسيحي – المسيحي والثنائي الشيعي وبين السنّة ومعراب وحقوق بني معروف والأرمن الكاثوليك والبروتستانت؟

أيخرج ما قام به رئيس الحكومة المكلف من تحريض السنة على نواب سنّة معارضين له بأنهم نواب حزب الله الشيعي على حد وصفه… أيخرج عن هذا السياق المذهبي؟

فما كاد يستشعرُ خطراً حتى زعم أنه متفق مع رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي الناجح على لائحة منافسة لحزب المستقبل. اتفق معه على تسمية سني حيادي وزيراً في حكومته المرتقبة! وذلك في محاولة سطحية منه لمحاصرة كتلة النواب السنة المستقلين مضيفاً بعلنية نادرة أنه «بيْ السنة» معدداً ما فعل لهم من تصدٍ لهجمات كانت تستهدفهم لم يقل من أين؟ وكان على الشجعان من بين الذين حضروا مؤتمره الصحافي أن يسألوه عن حال الكهرباء والنفايات والمياه الحلوة والبطالة في مناطق عكار وطرابلس وصيدا وبيروت، أهي أفضل حالاً من المناطق الأخرى؟

ولأن الحاجات الأساسية للمواطن في هذه المناطق مفقودة تماماً والفقر مُخيمٌ عليها كان لا بد للرئيس الحريري من التوغل عميقاً في التحريض المذهبي للاحتماء به من تفاعلات سياسية اختلفت عن مرحلة أبيه المرحوم رفيق الحريري الذي كان من النادر أن يلجأ الى هذا الأسلوب علناً.

أين المشكلة إذاً؟ هناك ارتباط بين تراجع القوى الإقليمية والدولية التي يواليها الرئيس الحريري وبين تقهقر دور حزبه المستقبل في لبنان. ألا يزالُ الدور السعودي في لبنان على الوتيرة نفسها التي كان عليها من قوة وتسلط في مرحلة رفيق الحريري؟ فآل سعود اليوم مأزومون ومتهمون بقتل عشرات آلاف اليمنيين واغتيال الخاشقجي وهم في حالة تراجع ودفاع عن النفس حتى أن الشخصية الأقوى بينهم أي ولي العهد محمد بن سلمان على وشك طرده من منصبه من قبل القوة الأميركية التي تغطيه، لأنه وحسب اتهامهم له مجرد متهوّر وسطحي خسر كل حروبه ومعاركه واغتال الخاشقجي بأسلوب إجرامي دنيء.

المشكلة اذاً موجودة في تراجع النفطية الإقليمية للحريرية السياسية هذا التراجع تقهقراً للدور في لبنان الى جانب أن هناك قوى لبنانية انتصرت في حروب سورية والإقليم، فأين تصرفُ انتصاراتها؟ نعم حزب الله والحركات والأحزاب الوطنية والقومية واليسارية ربحت معركة الإقليم. وتُصرُ على تجسيد انتصارها في لبنان على مستوى إعادة التوازن الحكومي المفقود بتحالف غربي خليجي حريري قواتي لا يزال يتعمّد حتى اليوم التهديد بالشارع أو السيطرة على الحكومة.

لعل هذا من الأسباب التي فرضت على الفريق المنتصر دعم مجموعة من النواب السنّة الوطنيين المعارضين للحريرية في مطالبتهم بمقعد وزاري في حكومة الحريري المرتقبة خارج عن الولاء السعودي الغربي فبذلك يتجنّبون حروب المذاهب والطوائف. لكن الشيخ سعد ارتأى مع مجموعته الاحتماء بالمذهبية للهرب من تلبية مطلب النواب السنة المستقلين وكي يمنح موقفه صدقية وشارعية اتهمهم بأنهم تابعون لحزب الله «الشيعي الإيراني المجوسي»، متناسياً أن أباه المرحوم رفيق الحريري كان يعين وزراء من الشيعة والمسيحيين من دون أي اعتراض من قادة مذاهبهم ونسي الشيخ سعد أيضاً ان رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة لم يأبه لاستقالة كامل وزراء حزب الله وحركة أمل احتجاجاً على سياساته المعادية للمقاومة، معتبراً أنه يمثل الميثاقية وكان بذلك يلبي الأوامر السعودية الأميركية مغطياً عدواناً إسرائيلياً كبيراً على لبنان.

وهكذا يصبح لبنان بالنسبة للحريرية «كأذن الجرة» التي يركبها الفاخوري الحريري في أي مكان يلائم مصالحه زاعماً أنها تجسد مصالح الجميع.

والكل يعرف أن لعبة الشارع خطرة، لكن الحريرية تراهن على وعي الفريق الوطني ورفضه الانجرار للألعاب المذهبية.

تدفع هذه المعطيات الى التساؤل عن مصير تشكيل الحكومة في ظل هذا الانسداد الكبير؟ وسببه أن الحريرية السعودية الغربية لا تزال تمارس السياسات المذهبية نفسها لالتهام أكبر كمية ممكنة من المقاعد مقابل فريق حزب الله وتحالفاته الذي يعتقد أن الوقت ملائم لتدمير المعادلة المذهبية الحريرية.

لذلك فإن البلاد في مأزق لا يبدو أنه داخلي فقط فالإقليم يقبل بالتشكيل إذا كان السياسيون الموالون له اكثرية في الحكومة.

والإقليم الآخر له ايضاً الرأي نفسه، لكن المقاومة تدير أمورها «اللبنانية» بحريات أكبر من الفريق المنافس. وهذا امر تعرفه السياسات الدولية والعربية.

للتعمق أكثر في الخلافات تجب العودة الى الشكل الذي يريده السياسيون اللبنانيون الأساسيون للحكومة،، هي أولاً ميثاقية بمعنى انها تحتوي بالضرورة على ممثلين عن كل المذاهب والطوائف.

أما «ألعابُ الخفة» فتبدأ بتفضيل الرئيس الحريري حكومة ميثاقية وطنية بمعنى أنها قابلة لتضم كل القوى الكبرى والصغيرة في مذاهبها إلى أكبر حد ممكن. وهذا يستبعد فكرة حكومة الأكثرية التي تضمّ عادة قوى متحالفة على حساب قوى أخرى متناقضة مع تطبيق للميثاقية ايضاً.

لكن ما يفعله الرئيس سعد أنه يطبق نظام الحكومة الميثاقية الوطنية على كل المذاهب باستثناء السنة الذين يعامل نوابهم على المفهوم الأكثري ومقابل توزير عشرة نواب للتيار الوطني وأربعة للقوات وواحد للمردة عند المسيحيين ودرزيين لجنبلاط وآخر لارسلان يرفض «السعد» توزير نائب واحد من أصل ستة سنة مستقلين ألا يدعو هذا الامر الى العجب العجاب؟ وكيف يقبل الآخرون بتطبيق أنظمة توزيرية مختلفة بين المذاهب والطوائف؟

ويبدو أن هناك تسويات يحاول وزير الخارجية جبران باسيل تسويقها وتكشف عن مدى ولع اللبنانيين بالتسويات على حساب المنطق، وآخرها يطرح حق النواب السنة المستقلين بتسمية وزير من غير النواب في إطار لائحة من عشرة أسماء يختار السعد منها وزيراً. ولله في خلقه شؤون.

هناك آراء مقابلة تعتبر أن على حزب الله تغطية السنة المستقلين حتى انتقاء وزير منهم، مع إصراره على توزير آخر من بين الأحزاب الوطنية والقومية لأن ترجمة الانتصارات لا تكون في الجنة فقط، بل في مؤسسات دستورية ترعى حقوق الناس وتضرب أوكار الفساد السياسي. وهذا بالطبع من شيم المقاومة وتحالفاتها التي تبذل ما في وسعها من أجل إنقاذ لبنان من براثن التيارات الأميركية السعودية الإسرائيلية. ؟؟؟؟؟؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى