محمد بن سلمان متهم رسمياً بقتل الخاشقجي… ويلتقي ترامب وبوتين في قمة العشرين المراوحة مستمرة… وعون يحذّر من ضياع الوقت… وخلوة رئاسية في استقبالات الاستقلال

كتب المحرّر السياسيّ

يصل المبعوث الأممي مارتن غريفيت إلى صنعاء اليوم، لبدء الترتيبات الخاصة بتثبيت وقف النار في جبهة الحديدة، وإيجاد آليات مراقبة وبحث فرص تعميمها على سائر الجبهات، بينما يستعدّ أنصار الله لطرح مستقبل الحصار الجوي والبحري على اليمن في مقابل تمديد وتثبيت قرارهم بوقف القصف الصاروخي على العمق السعودي، وبالتوازي يحمل غريفيت تصوراً لما سيطرح في مفاوضات السويد مطلع الشهر المقبل، وفقاً لتأكيدات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، بينما تؤكد مصادر أممية أن خريطة الطريق التي يستعد غريفيت لعرضها في المفاوضات تقوم على تعزيز الخطوات الأمنية التطبيعية لإطلاق دورة الحياة، سواء بفك الحصار أو بسحب المظاهر المسلحة، وتشغيل المطار والمرفأ وتبادل المعتقلين، للانصراف للبحث في ورقة عمل سياسية أعدّها لعرضها للتفاوض على الأطراف المعنية.

تطورات الحرب في اليمن تلازمت في واشنطن مع المواقف المتصلة بدور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قتل جمال الخاشقجي، حيث تنشغل العاصمة الأميركية بالتقرير الذي أعدته وكالة المخابرات الأميركية المركزية ووجهت خلاله الاتهام الرسمي لولي العهد السعودي بإصدار أوامر قتل الخاشقجي، وتبعت ذلك ترددات لا زال بعضها يتصاعد، حيث اضطر البيت الأبيض إلى إصدار بيان رئاسي يتبنى بعضاً من تقرير المخابرات، بلغة من المحتمل جداً أن يكون متورطاً، وقد لا يكون، داعياً للفصل بين العلاقة بالسعودية كدولة وبين قضية تورط ولي العهد. بينما ذهب قادة الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين إلى التعامل مع ولي العهد كمسؤول تجب معاقبته، وبدأوا بإعداد البرقيات الموجهة للرئيس دونالد ترامب التي تطالبه بحسم موقف إدارته من المنطقة الرمادية وإعلان إبن سلمان مسؤولاً أو غير مسؤول ليتسنى التصرف في الكونغرس في ملف العقوبات، كما بدأ التشاور في الكونغرس حول تشريعات تمنع بيع الأسلحة للسعودية وأخرى تفرض عقوبات على المسؤولين عن قتل الخاشقجي بمن فيهم ولي العهد. واللافت أن الأرجنتين التي تستضيف نهاية الشهر الحالي قمة العشرين، التي يحضرها أبرز قادة العالم، وتضم السعودية بين صفوفها ستشهد مشاركة ولي العهد السعودي، حيث بات مؤكداً أنه سيلتقي بكل من الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش القمة، والرئيسان لا يزالان يتبنيان مواقف أقرب لتبرئة إبن سلمان من التورط بقتل الخاشقجي، ويرفضان ما يسميانه بالتوظيف السياسي للقضية.

لبنانياً، مع استمرار المراوحة في الملف الحكومي، وبقاء موقف الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري عند رفضه استقبال اللقاء التشاوري، وتمثيله في الحكومة، دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في رسالته للبنانيين في عيد الاستقلال إلى المسارعة لإنهاء الأزمة الحكومية، قائلاً ليس لدينا ترف المزيد من الوقت الضائع، بينما توقعت مصادر مطلعة أن يشهد قصر بعبدا خلوة رئاسية تضم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، على هامش استقبالات عيد الاستقلال سعياً لتدوير زوايا أزمة تشكيل الحكومة والبحث عن مخارج.

برقية أميركية سعودية للحريري بشأن «سنّة حزب الله»

يحتفل لبنان اليوم بذكرى الاستقلال بلا حكومة مكتملة المواصفات الشرعية والدستورية وفي ظل رئيس مكلف و»مصرِّف أعمال» لا أصيل، مشهد لا يشبه صورة العام الماضي، حيث احتفل اللبنانيون آنذاك بالاستقلال بالتزامن مع تحرير الرئيس سعد الحريري من المعتقل السعودي، أما الآن فلا تزال الحكومة المرتقبة قيد الاعتقال الخارجي، أما الأسباب فتنوّعت بين داخلية وخارجية والنتيجة واحدة، لا حكومة في المدى المنظور. هكذا يؤكد أكثر من مصدر سياسي لـ «البناء» ويشيرون الى أنّ «الأمور زادت تعقيداً بعد رفض الرئيس المكلّف اقتراح رئيس تكتل لبنان القوي الوزير جبران باسيل بسحب المقايضة بين الرئيسين ميشال عون والحريري بين وزير ماروني وآخر سني على أن يؤول المقعد الوزاري السني الى اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، ما يؤكد بوضوح رفض الحريري الرضوخ لنتائج الانتخابات النيابية وتطبيق المعايير المعتمدة على جميع الأطراف. أما رفضه الحوار مع النواب الستة وحتى استقبالهم في بيت الوسط، رغم لقائه رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط مرات عدة في غضون ثلاثة أشهر يدعو للاعتقاد بأنّ العقدة خارجية.

وفي هذا السياق، أشار مصدر سياسي لـ «البناء» الى أنّ «الرئيس الحريري تلقى في الآونة الاخيرة برقيات عاجلة من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية تتضمّن رفضاً مطلقاً لمطالب حزب الله بنيل وزارة الصحة وتوزير حلفائه السنة باعتبار أنّ اتساع حجم الحزب في الحكومة يعني تحقيق انتصار جديد مقابل إضعاف للحريري وتقليص قوة واشنطن والرياض في لبنان ما يعرّض الحكومة المقبلة إنْ تشكلت بهذه الموازين التي يريدها الحزب الى خطر المقاطعة الدولية واعتبارها حكومة حزب الله وما يترتب عن ذلك في ظلّ قوانين العقوبات الأميركية على إيران والحزب»، فيما يرى محللون سياسيون لـ «البناء» أنّ «العقدة ليست داخلية بل مرتبطة بتعقيدات المشهد الإقليمي، فمن المستحيل فصل الوضع الداخلي في لبنان عما يجري في المنطقة من تطورات دراماتيكية فضلاً عن التحولات على الساحة الدولية».

وغاب الحراك الحكومي أمس، لتحل مكانه مشهدية الاستقلال، ولم تسجل حركة الوزير باسيل على خط عقدة رفض الحريري تمثيل سنة المعارضة اي جديد، حيث باتت الكرة في ملعب بيت الوسط بعد موقف باسيل الأخير غداة لقائه اللقاء التشاوري، حيث اعترف رئيس التيار الوطني الحر بأحقية تمثيل سنة 8 آذار، داعياً رئيس الحكومة المكلف الى محاورتهم وتأكيده بأن رئيس الجمهورية ليس طرفاً. الأمر الذي أصاب الحريري بإحراج وامتعاض كبير من تبدل موقف التيار الوطني الحر والرئيس عون، بحسب ما قالت مصادر لـ «البناء».

ولفتت مصادر الحريري لقناة «أم تي في» الى أن «طرح باسيل بشأن العقدة السنية أمر مخالف لكل شيء بالبلد وطرحه لم يخلق أزمة مع رئيس الجمهورية ميشال عون بل فتح باب النقاش»، مؤكدةً أن «الحريري لن يشكّل حكومة بشروط حزب الله ويحاول أن يحمي البلد من تداعيات العقوبات الأميركية على لبنان ولا يمكن أن يكون خط دفاع لحزب الله في مواجهة العقوبات الأميركية»، موضحة أنه «لا فائدة من الاعتذار فإذا أعيد تكليفه ستعود الأمور الى النقطة نفسها، وبالتالي إذا اعتذر فهو لن يقبل بالعودة الى الحكومة».

وأشارت أوساط سنة المعارضة الى أن «اللقاء لم يطلب موعداً من الرئيس المكلف بسبب سفر بعض أعضائه»، وأوضحت أن «حركة الوزير باسيل حققت أمرين، الأول هو التهدئة الإعلامية، والثاني هو رد الكرة إلى ملعب رئيس الحكومة المكلف وصلاحياته»، مشيرة الى أن «لا جديد حتى الساعة ولا تراجع عن موقفنا».

ولفتت مصادر 8 آذار لـ»البناء» الى أن «حزب الله ثابت على موقفه من تمثيل حلفائه السنة في الحكومة ولو طال أمد التأليف. وهو يرى بأن المعني الرئيسي بهذا الأمر هو الرئيس المكلف الذي عليه ان يجد حلاً بعيداً عن النكد والنكايات السياسية كما جهد ووجد حلاً للعقدة القواتية والجنبلاطية»، مشيرة الى أن «الوقائع خلال الاسبوع الأخير كشفت مدى عمق الأزمة وبُعدها الخارجي المرتبط بالتعليمات الأميركية والسعودية التي تريد الاحتفاظ بورقة ضغط بحوزتها على وقع مفاوضات اليمن. وبالتالي لن تُفرج عنها قبل تحقيق شروطها في التسوية المفترضة مع أنصار الله». ولفتت الى أن «باب الحل يبدأ بمبادرة الحريري الى استقبال النواب السنة والحوار معهم على كيفية تمثيلهم»، مشيرة الى أن «الحل الذي يتوصلون اليه مع الحريري يسير به حزب الله»، موضحة أن «الحوار مع الحريري لا يعني تنازلهم عن تمثيلهم بواحد منهم بل يفتح الآفاق على حل وسط يقبل به الطرفين». إلا أن المصادر حذرت من المماطلة في عملية التأليف والرضوخ للخارج مجدداً، مشيرة الى أن «الحريري هو صاحب المصلحة الجوهرية بتأليف الحكومة، إذ أن فريق المقاومة لا يعتبر تشكيل الحكومة أولوية إن كانت تخالف نتائج الانتخابات وإن كانت حكومة صفقات ومزيد من إفقار الشعب وبالتالي الوضع الحالي أي حكومة تصريف أعمال ربما يكون أفضل في الوقت الراهن من إصابة المواطن بخيبات أمل جديدة»، لكن ذلك لا يعني بحسب المصادر أن «على رئيس الجمهورية وحزب الله واللبنانيين الانتظار الى ما شاء الله، بل إن الخط السياسي داخل المجلس النيابي الجديد الذي ظهر خلال انتخاب نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي ربما يبادر في توقيت سياسي داخلي وخارجي ما إلى تكليف رئيس حكومة جديد من الفريق نفسه لتشكيل حكومة، فحركية موازين القوى التي تسير بسرعة لصالح محور المقاومة قد لا تسمح بعد فترة زمنية معينة التمسك بالحريري، رغم أن حزب الله والرئيسين عون ونبيه بري لا يملكون بديلاً جاهزاً الآن عن الحريري».

وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن «بوصلة التشكيل عند رئيس الحكومة، وسبيل المعالجة أن يوزّر واحدٌ أو ما يرضى عنه اللقاء التشاوري من السنة المستقلين أو ما يرضيهم من حصة الوزراء السنة الستة. لا تضيعوا البوصلة وتضيعوا الناس، هذا هو الطريق الحصري للحل، وهو تمثيل السنة المستقلين في تشكيلة الحكومة».

وقال قاسم في حفل ثقافي إن «هناك وقائع على الأرض يجب الاعتراف بها، فهناك قوى سياسية لها تمثيلها الشعبي وهذه حقيقة. لا يستطيع أحد أن يبني على الماضي وعلى الأمجاد على أنه كان الممثل الوحيد، فهذا أمر انتهى».

وجددت كتلة الوفاء للمقاومة خلال اجتماعها الدوري في مقرها في حارة حريك، برئاسة النائب محمد رعد دعوة الحريري الى التحرك الجدي من أجل إنجاز تشكيل الحكومة، واعتبرت أن الأمر يتطلب واقعية وعدم إقفال أبواب الحلول المفترضة لأن ذلك من شأنه أن يؤدي الى الجمود المخيّب او المراوحة التعطيلية».

رسالة عون في الاستقلال…

وبرزت أمس، دعوة الرئيس عون في رسالة الاستقلال التي وجهها الى اللبنانيين لكل المسؤولين والأحزاب والتيارات والمذاهب لـ»نبذ خلافاتنا، ونضع مصالحنا الشخصية جانباً، ونبرز حس المسؤولية تجاه من أوكلنا مصيره». ولفت الى ان «دخول العنصر الخارجي يفقدنا حرية القرار».

وإذ لم يغُص رئيس الجمهورية في جوهر العقدة السنية تاركاً أمر حلها بعهدة مساعي وزيره المفوض جبران باسيل، فسر مراقبون موقفه على أنه تأييد ضمني لمساعي ومواقف باسيل الأخيرة من تمثيل سنة اللقاء، وواضعاً بالتالي الكرة في ملعب الرئاسة الثالثة من دون ممارسة أي ضغوط مباشرة عليها، وقال عون: «لبنان يعيش اليوم ازمة تشكيل حكومة سبق ان عاشها في السنوات الماضية، وتحصل في دول عريقة في الديمقراطية والحضارة، ولكنها تخسرنا الوقت الذي لا رجعة فيه»، و»اذا كنتم تريدون قيام الدولة، تذكروا ان لبنان لم يعد يملك ترف إهدار الوقت». وأكد رئيس الجمهورية على وجوب الانصراف الى معالجة الوضع الاقتصادي الضاغط، فـ»قوة الاوطان الحقيقية لا تقاس فقط بإمكاناتها العسكرية بل باقتصادها الحقيقي ونموه المستدام ومدى تأقلمه مع التطور والتحديث».

وتابع: «لن ندع البلاد تئن اكثر، ولن نتراخى في مواجهة الفساد والفاسدين، ولن نتراجع عن وعود الإصلاح والتنمية المستدامة، وايجاد فرص العمل لشبابنا، وسأعمل شخصياً بكل ما اوتيت من قوة، وبكامل الصلاحيات المعطاة لي كرئيس للجمهورية، وبالتعاون مع رئيسي مجلسي النواب والوزراء، على دفع عجلة الاقتصاد قدماً، وترشيد النفقات، وسد مزاريب الهدر، وتحسين الخدمات والبنى التحتية، كما اعتزم متابعة الانكباب على ملاحقة ملفات الفساد، الصغيرة منها والكبيرة، مع الجهات المعنية في القضاء وأجهزة الرقابة والأجهزة الأمنية والإدارية، ليشعر المواطن أن شيئاً ما يتغير في حياته اليومية، وأن محاربة الفساد والفاسدين ليست شعاراً إنما عمل متواصل، ولو كان مضنياً ولكنه سيصبح ملموساً».

وكانت قيادة الجيش اقامت حفل إزاحة الستار عن النصب التذكاري لمناسبة اليوبيل الماسي للاستقلال، في وزارة الدفاع، بحضور كل من رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة المكلف اللذين رصدا بمفردهما يتحادثان في ختام الاحتفال.

ومن المتوقع أن تعقد خلوة بين الرؤساء الثلاثة وبين الرئيسين عون والحريري على هامش العرض العسكري الذي سيّقام اليوم في جادة شفيق الوزان بمناسبة الاستقلال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى