شبكة دفاع جوي وقروض الإسكان معايير استقلالنا

ناصر قنديل

– يحتفل لبنان بعيد الاستقلال بعد خمس وسبعين سنة على نهاية الانتداب الفرنسي، في زمن لم يعد معيار الاستقلال يُقاس ببقاء الجيوش الأجنبية، بقدر ما يقاس بأمرين، أولهما القدرة على امتلاك هامش واسع للقرار الوطني النابع من المصالح الحقيقية للدول، والثاني حسم القرار الخاص بالشؤون السيادية الرئيسية وفقاً لتوازنات وحسابات محلية. وفي المجالين لا يبدو لبنان بأفضل حال.

– تمر الذكرى ولبنان في وضع اقتصادي يؤكد أن نظامه السياسي فشل في بناء مقوّمات اقتصاد على درجة من القوة تضعه بمنأى عن الاهتزاز على إيقاع اي مؤثرات خارجية. فالانتصار الذي حققه لبنان على الاحتلال الإسرائيلي بقوة مقاومته وصمود جيشه وشعبه، كما الانتصار الذي حققه على الإرهاب بقوة جيشه وحضور مقاومته ووحدة شعبه، لم يرافقهما بناء سياسي اقتصادي يعزز مساحة القرار المستقل. فبقي لبنان في كل أزمة تعيشها المنطقة نقطة الضعف التي تتلقى الترددات، وتعيش النتائج، والسلبي منها على وجه الخصوص.

– تمر الذكرى أيضاً ولبنان في أزمة حكومية تتعثر معها مساعي تشكيل حكومة جديدة، بعد انتخابات نيابية أجمع اللبنانيون على اعتبارها اختباراً ناجحاً للديمقراطية، لكنهم فشلوا ولا يزالون في ترجمة نتائجها بحكومة تقود البلاد. ويبدو الوضع الاقتصادي الضاغط على اللبنانيين عاملاً من عوامل التأثير في تشكيل الحكومة سلباً وإيجاباً، حيث توظف الضغوط الاقتصادية كعامل للحث على استعجال الحكومة، كما تستخدم للضغط على أصحاب المطالب المحقة لتحميلهم مسؤولية التعطيل، وتظهر ثنائية اسمها حزب الله والعقوبات الأميركية في قلب معادلتي السياسة والاقتصاد.

– لا يمكن إخفاء حقيقة أن محاولة تحميل حزب الله مسؤولية تأخير ولادة الحكومة وبالتالي استمرار الجمود الاقتصادي وتفاقمه، بسبب تمسكه بتمثيل نواب اللقاء التشاوري، لا ينفصل عن تحميل حزب الله مسؤولية نسبة كبيرة من الجمود ناتجة عن العقوبات الأميركية التي تطاله وتطال معه لبنان واقتصاده، وبالتالي يصعب الفصل بين الشق الخارجي من الضغوط، وبين بعض الاستثمار الداخلي لها ضمن التوظيف السياسي للضغط على حزب الله في شأنَيْ العقدة الحكومية الحالية، والحضور السياسي للحزب ومواقفه من قضايا الصراع في المنطقة.

– في بلدان العالم عندما يكون الجمود مسيطراً لأي سبب تسارع المؤسسات المسؤولة عن الوضع الاقتصادي والمالي، خصوصاً في غياب الحكومات، إلى ابتكار أساليب لضخ المزيد من الأموال في الأسواق، وتشجيع الناس على الاستهلاك، وفي لبنان مجال حيوي يتكفل بتخفيف وطأة الضغوط الاقتصادية والمالية، ويرتب حركة ونشاطاً في روافد الاقتصاد، وهو قطاع الإسكان، وفي ظرف سياسي صعب يتوقف ضخ المال اللازم في قطاع الإسكان، ليصير مفعول العقوبات الأميركية حرباً نفسية، وتصير العقوبات الحقيقية هي وقف قروض الإسكان.

– في مثال سيادي آخر يُظهر درجة ضعف القرار المستقل، يعجز لبنان عن امتلاك شبكة دفاع جوي متطورة تحمي أجواءه من الانتهاكات الإسرائيلية اليومية لسيادته. فالغرب يمتنع عن تزويده بها مهما قيل خلاف ذلك، طالما أننا نرى حجم الضغوط التي يتعرّض لها الروس بسبب تسليمهم شبكة دفاع جوي لسورية، وبالمقابل يمنع الغرب على لبنان الحصول على هذه الشبكة من مصدر آخر كروسيا، التي يشتري منها حلفاء أميركا في الناتو شبكات مماثلة، كحال تركيا والسعودية.

– معيار القرار المستقل اليوم تشريعات وإجراءات عاجلة تعيد الحياة لقروض الإسكان ولو ضمن ترتيب انتقالي لشهور، وقرار موازٍ بالحصول على شبكة دفاع جوي تحمي السيادة اللبنانية.. فهل نجرؤ؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى