السبب الحقيقي لعدم ولادة الحكومة اللبنانية… واستمرار الأزمة؟

إبراهيم ياسين

وصلت عملية تشكيل الحكومة اللبنانية في مرحلتها الأخيرة إلى طريق مسدود، عطّل خروجها إلى النور، وذلك بفعل الموقف المتصلب للرئيس المكلف سعد الحريري الذي رفض تمثيل تكتل النواب الستة المستقلين بوزير في الحكومة، وتمسك كلّ من حزب الله وحركة أمل وفريق 8 آذار بدعم تمثيل حلفائهم في التكتل المستقلّ عملاً بقاعدة أنّ تشكيل الحكومة يجري على أساس تمثيل كلّ الكتل لتكون حكومة وحدة وطنية، وهذا التكتل للنواب الستة لديه الحيثية السياسية والشعبية التي تعطيه الحق بالمشاركة في الحكومة.

هذا الوضع الذي وصلت إليه عملية تشكيل الحكومة بدأ يثير سجالاً واسعاً في البلاد واتهامات متبادلة من الأطراف كلها عن المسؤولية عن عرقلة إعلان ولادة الحكومة، والإنعكاسات السلبية على الوضع الاقتصادي والمالي، والارتدادات الأخرى من تفاقم للأزمات الخدماتية والاجتماعية في البلاد.

إذاً، من يتحمّل المسؤولية عن تعطيل إعلان الحكومة ووصول الأمور إلى هذا المستوى من التأزّم على المستويات كافة، ولماذا يرفض الرئيس المكلف تمثيل النواب الستة؟!

أولاً: من المعروف أنّ الحكومات في لبنان بعد الطائف يجري تشكيلها على أثر إجراء الانتخابات النيابية وفق قاعدتين، الأولى أن تكون حكومة وحدة وطنية موسعة تتمثل فيها كلّ الكتل النيابية بحسب أحجامها، والثانية أن تكون حكومة الأكثرية النيابية.

نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة أفضت إلى تبدّل في موازين القوى في البرلمان، حيث خسر فريق 14 آذار الأغلبية النيابية وبالتالي فقد تيار المستقبل الركن الأساسي في هذا الفريق حصرية التمثيل للطائفة السنية، عدا عن خسارته العديد من المقاعد المسيحية، وعليه فقد انتقلت الأكثرية النيابية من فريق 14 آذار إلى تحالف قوى 8 آذار والتيار الوطني الحُرّ. ومع ذلك فضّل هذا التحالف خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية على خيار تشكيل حكومة الأكثرية، انطلاقاً من رؤيته لطبيعة الوضع في لبنان والمنطقة، وضرورة الحفاظ على «الإستقرار» من جهة، ومواجهة «التحديات الإقتصادية والإجتماعية» الصعبة التي تمُرّ بها البلاد، لا سيما بعد العقوبات المالية الأميركية التي تستهدف المقاومة وبيئتها الشعبية.

إذاً، فإنّ حكومة الوحدة الوطنية يجب أن تعكس نتائج الانتخابات بأمانة وبالتالي تمثيل كلّ الكتل والشرائح وألوان الطيف اللبناني في الحكومة، بعيداً عن أيّ مواقف وحسابات ذاتية وفئوية. وفي هذا الإطار، وبعد أن جرى تذليل العِقد لناحية تمثيل الكتل السياسية عند الطوائف الأخرى على قاعدة عدم احتكار التمثيل في أيّ طائفة، واحترام التنوّع فيها، جاء الحديث عن التمثيل في الطائفة السنية، لكنه اصطدم بموقف متعنّت من رئيس الحكومة المُكلّف برفض احترام التنوّع وبالتالي تمثيل جميع الكتل وفق أحجامها، وهذا يعني أنّ تكتل المستقبل الذي يملك عشرين نائباً لا يحق له احتكار التمثيل في الطائفة السنية، لا سيّما أنّ هناك عشرة نواب من ضمنهم تكتل النواب الستة هم من خارج تيّار المستقبل ويحق لهم بأن يمثلوا بوزير على الأقلّ، فكيف يحق للرئيس المكلف أن يضع فيتو على تمثيل تكتل النواب السنة الستة في الحكومة؟ ويحوز تكتل المستقبل على ستة وزراء، في حين أنّ تكتل أمل وحزب الله المؤلف من ثلاثين نائباً يحصل على ستة وزراء. وهذا يعني غياب المعيار الواحد، والعدالة في تمثيل الكتل حسب أحجامها، وهذا يعني أنّ هناك خللين… الأوّل مرتبطٌ بعدم تمثيل الكتل وفق أحجامها، والثاني مرتبطٌ بعدم احترام نتائج الانتخابات النيابية.

ثانياً: برّر الرئيس المكلف سعد الحريري عدم موافقته على تمثيل تكتل النواب الستة بأنهم لم يخوضوا الانتخابات كفريق واحد، ولو كانوا كذلك لما اعترض على تمثيلهم، وهذا التبرير غير صحيح لسببين:

السبب الأول، أنّ تكتل النواب الستة هو بالأصل تعبير عن التحالف الذي يتشكل منه اللقاء الوطني الذي يجتمع دورياً منذ سنوات.

السبب الثاني، أنّ النواب الستة لا يمكن أن يخوضوا الإنتخابات في لائحة واحدة، فهم موزعون في مناطق لبنانية مختلفة بحكم انتمائهم الجغرافي وإقامتهم، وبالتالي فإنّ القانون لا يسمح لهم أن يكونوا في لائحة واحدة. لكن بعد فوزهم في المحافظات في إطار لوائح إنتخابية ضمن كلّ محافظة، عادوا وتجمّعوا في التكتل الذي يضمّهم أصلاً في اللقاء الوطني. فمن هذه الزاوية فإنّ كلام الرئيس الحريري عن أسباب رفضه تمثيل التكتل المذكور لا يستند إلى أيّ منطق.

لكن ما هو السبب الحقيقي لموقف الرئيس الحريري، ولماذا يقبل تمثيل الرئيس نجيب ميقاتي ولا يقبل تمثيل النواب الستة؟!

الجواب يكمن في الموقف السياسي. فالرئيس الحريري يرفض تمثيل الستة لأنهم منحازون بخيارهم السياسي إلى جانب المقاومة ضدّ الإحتلال الصهيوني، ويؤيدون العلاقات الأخوية مع الشقيقة سورية ويرفضون القطيعة معها. أما موافقته على تمثيل الرئيس ميقاتي فلأنه ينسجم مع خطه السياسي، وليس لأيّ سبب آخر.

إذاً، يمكن القول إنّ الذي يعيق ولادة الحكومة، ويتسبّب في إثارة القلق لدى اللبنانيين من تفاقم الأزمات الإقتصادية والمالية، واستطراداً الأزمات الاجتماعية والخدماتية إنما هو الموقف المتعنّت لرئيس الحكومة المكلّف الذي يرفض تمثيل النواب الستة لأسباب سياسية مرتبطة بخيارهم السياسي الوطني الذي يناقض خياره السياسي في داخل الطائفة السنية. وعليه فإنّ عدم ولادة الحكومة سببه الأساسي الرئيس الحريري في موقفه. وما لم يتراجع عن هذا التعنّت ويقبل بتمثيل النواب الستة فلن تكون هناك حكومة، وقد يطول الأمر إلى العام المقبل، ولا يمكن لأحد أن يتنبّأ بموعد إعلان تشكيل الحكومة خصوصاً أنّ تحالف حزب الله وأمل مع اللقاء الوطني للنواب الستة وبقية قوى 8 آذار حاسم في رفضه الموافقة على حكومة لا يتمثل فيها النواب الستة، لا سيما أنّ لديهم حقاً مشروعاً يكفله لهم دستور الطائف وطبيعة حكومة الوفاق الوطني.

وهذا الموقف الحازم لتحالف أمل وحزب الله بدعم تمثيل النواب الستة في 8 آذار جاء ليصلح خللاً وينصف هؤلاء ويعزز هذا التحالف الوطني العريض، والذي لو خاض معركة شروط تشكيل الحكومة موحداً لتجنّب هذا الخلل ولكان حصل على حصة وزارية أكبر من الحصة التي سيحصل عليها الآن. ذلك أنّ فريق 8 آذار حصل على 45 نائباً فيما قوى 14 آذار حصلت عَلى 44 نائباً، وبالنتيجة فإنّ حصة 8 آذار ستكون حتى بعد حصولهم على توزير النواب الستة ستكون أقلّ من حصة 14 آذار وهذا ما دفع بالسيد حسن نصر الله إلى القول بأن «تواضعنا» كان خطأً، وكان يفترض بنا أن نرفع سقف مطالبنا وأن نحصل على كامل حصتنا حسب حجمنا النيابي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى