حادثة الجاهلية رسالة لحزب الله

روزانا رمّال

كلّ الرسائل تطايرت في حادثة «الجاهلية» ليل السبت – الأحد وبكلّ الاتجاهات بعد أن فرض واقع جديد على أهلها ورمزها الأول الوزير السابق وئام وهاب المعروف بالمعارض الدرزي الأكثر عناداً بما يتعلق بمواقفه وخيارات فريقه السياسي. التطور الخطير تمثل بتصعيد كلامي صدر عن وهاب بفيديو اعتبره أنصار تيار المستقبل تحدّياً كبيراً لهم وتطاولاً على الرئيس رفيق الحريري مما يستدعي رداً عنيفاً من نجله الرئيس المكلف سعد الحريري، بحسب البعض وهم كانوا قد قطعوا طرقات واستنكروا تعبيراً عن رفض السكوت في مثل هذه الحال. لكن الأكيد أنّ وهاب الذي اعتذر عما صدر عنه معتبراً انه لم يكن يقصد الرئيس الحريري ولم يكن يتوقع كما أغلب اللبنانيين أن يأتي الردّ بالشكل الذي أتى عليه شكلاً ومضموناً.

تحرّك فرع المعلومات بالطريقة التي وجدها «مناسبة»، لكن الإشكالية الواقعة اليوم تدور حول أسباب التحرك «العنيف» وعما إذا كانت جهات سياسية وراء هذا، وعما إذا كان الرئيس سعد الحريري قادراً على تحمّل تبعات أيّ انفلات أمني جراء تنفيذ هذا النوع من الاستدعاءات أو التبليغات القضائية تساؤلات تطفو على السطح لتستحضر الغايات السياسية والحسابات التي تحيط بكلّ الأطراف الدرزية ونظرتهم باتجاه وهاب الذي قسم الشارع الدرزي بين مؤيّد لما جرى على أساس انّ ما صدر عنه لا يمتّ بصلة لثقافة الموحدين الدروز ويعرّض أمن الجبل للخطر، وبين مَن يعتبر أنها سابقة أن يتمّ تحويل ملف «قدح وذم» الى فرع المعلومات، ولماذا الآليات وهذا الكمّ من السلاح فوقوع ضحية؟

مشكلة فرع المعلومات أو ما يمثله انه «مصبوغ» بالنسبة لقسم كبير من اللبنانيين بتيار المستقبل. هذه المشكلة التي ترافق أغلب الأجهزة الأمنية في لبنان ليس فقط هذا الفرع وحده ترفع منسوب التحدي السياسي والرسائل عند كلّ حادثة كشرطة مجلس النواب مثلاً او الحرس الجمهوري او مخابرات الجيش والأمن العام واليوم فرع المعلومات الذي أعاد التذكير بعناوين واسماء من ماضٍ قريب استحضر اليوم فبدا المشهد كأنه عشية عام 2005 في الوقت أنّ الوضع السياسي المحلي والإقليمي يحكيان العكس فلا الظروف المحلية تشبه عام 2005 ولا يوجد من يرغب بفتح لبنان أمام معارك الأحجام والاستعراضات لأنّ الغلبة بهذا الإطار معروفة.

وعلى انّ عودة عقارب الساعة الى الوراء «مستحيلة» بعد انتصار حزب الله وحلفائه «عسكرياً» حتى الحدود السورية الشمالية «مبدئياً»، فانّ السؤال عن «نحر» الجبل ضروري وعن تعريض الأمن فيه للخطر أساس لانّ الجبل يمثل قلب الحياة السياسية اللبنانية وقادر على تصدير الاشتباك الى كافة أراضيه بفعل ارتباط ساسته بكلّ ما يعني بالمحاور الإقليمية والدولية. وهي محاور غير آبهة لما يجري بلبنان اليوم فهل كانت ساعة استغلال سياسي لتصفية الحسابات وإرسال الرسائل؟

يكشف مصدر بارز متابع لحادثة الجاهلية لـ «البناء» انّ الرسالة الكبرى والأولى موجهة لحزب الله الذي يعتبره وهاب مرجعه ومصدر حمايته الأول والأخير، ومن وراء حزب الله سورية. والمسألة لم تعد تتعلق باستهداف وهاب بل بفكرة «التجرّؤ» على مداهمة مكان إقامته بدون الأخذ بعين الاعتبار ان هذا يعني الموقف التالي وهو «أنّ الجهة التي تقوم بالعملية ايّ فرع المعلومات لا تعنيها ارتباطات وهاب ولا يثنيها شيء عن تنفيذ ما هو مطلوب منها أياً كانت التداعيات. بالتالي على وهاب ان لا يتحدّى وعلى حزب الله أن يعرف أنّ هناك من صار مستعداً لسيل من الدماء اذا بقيت الأمور على ما هي عليه بما يتعلق بالمعارضة الدرزية. وهنا يستحضر موقف النائب السابق وليد جنبلاط من عند الحريري ووصفه وهاب بالحالة «الشاذة» ما اعتبره البعض تغطية مباشرة من الزعيم الدرزي الأول للعملية. وختم المصدر أنّ «الرسالة المباشرة الموجهة لحزب الله لا تتوقف عنده، بل إنها استكملت طريقها نحو دمشق، فوهاب بالنسبة للبعض هو وديعة النظام السوري في الجبل. وإذا كان السوريون وحلفاؤهم قد انتصروا في معركتهم الأخيرة، وبقي على أساسها الرئيس بشار الأسد في سدة الرئاسة، واذا كانت رغبتهم العودة بقوة الى لبنان ومنها الى الجبل وكسر الحريري عبر الضغط لتوزير سنة 8 آذار وجنبلاط بمعارضة درزية نشطة، فإنّ هذا لن يكون بلا تحرك ولن يعني الخضوع للمتغيّر الجديد. وعلى هذا الأساس أمر الحريري بما كان»، وفق المصدر.

ويبدو التحرك «مدروساً» يعيد الى الأذهان لغطاً دار حوله كان يشي بتأهّب البلاد ووقوعها تحت التوتر والترقب لحدوث شيء ما بعد ان انتشر خبر اضطر الجيش اللبناني الى تكذيبه قبل أيام من العملية يؤكد انّ الامر لم يتمّ كردّ فعل منفعل، بل كان رسالة موقعة من جهات سياسية أرادت ان تضع النقاط على حروف المرحلة المقبلة وترسل إشارات على وقع تشدّد الحريري بعدم توزير سنة 8 آذار المعنيين أيضاً بالولاء الى حزب الله وسورية لتصير الرسالة الحريرية الجنبلاطية مزدوجة لحزب الله.

الخبر الذي انتشر قبل الحادثة بأيام يقول إنّ الجيش أوقف شاحنة محمّلة بالأسلحة كانت متّجهة إلى الجاهلية، بلدة رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب. فنفى وهاب ذلك فيما أصدرت مديرية التوجيه بياناً قالت فيه: «تناولت وسائل الإعلام خبراً منسوباً إلى مصدر أمني يتعلق بتوقيف الجيش لشاحنة ممتلئة بالذخائر كانت متوجهة إلى منطقة الجاهلية. يهمّ قيادة الجيش أن تنفي صحة الخبر وتوضح أنّ الشاحنة المذكورة كانت قد تعرّضت لعطل على أوتوستراد الناعمة بيروت وتبيّن نتيجة التدقيق، أنها موضوعة بتصرف فريق عمل تصوير تابع لإحدى الجامعات بناء على ترخيص مسبق صادر عن قيادة الجيش».

وصلت الرسائل السريعة الى المعنيين خصوصاً حزب الله الذي لم يعد قادراً على اعتبار المسألة عابرة في الوقت الذي تردّدت معلومات انه تدخل وضبط المشهد وقطع الطريق على تدهور أمني خطير من دون أن يعني ذلك انّ الأوراق لم تخلط بالكامل!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى