ماذا تريد أميركا و«إسرائيل» الآن من فلسطين وسورية ولبنان؟

د. عصام نعمان

أميركا و«إسرائيل» منزعجتان جداً مما جرى ويجري في فلسطين وسورية ولبنان. لا فارق بين ما يزعج الأولى والثانية. في الواقع، ما يُزعج «إسرائيل» يصبح بسرعة إزعاجاً لأميركا. فالكيان الصهيوني، بمخاوفه ومصالحه ومطامعه، هو الذي يحرك الولايات المتحدة ويحدّد مسارها وليس العكس، لا سيما في ما يتعلّق بقوى المقاومة العربية وحلفائها.

في فلسطين المحتلة، حكومة نتنياهو ليست منزعجة فحسب بل قلقة. فقد تلقّت في الآونة الأخيرة عدّة صدمات مدوّية. أُولاها تأكدُها من امتلاك المقاومة اللبنانية حزب الله صواريخ دقيقة التصويب كفيلة بتدمير وزارة الحرب في عمق تل أبيب ناهيك عن سائر المرافق الحيوية في ما تسمّيه «الجبهة الداخلية». ثانيتها الفشل المريع والمهين لعملية خان يونس الأخيرة وتداعياتها السياسية والإستراتيجية المحبطة. ثالثتها الفشل المدوّي لمشروع القرار الأميركي بشيطنة حركة «حماس» في الجمعية العامة للأمم المتحدة ونجاح القرار المضاد القاضي بإدانة الإستيطان الصهيوني في فلسطين.

حتى قبل وقوع الصدمات الثلاث المدوّية، أدركت الولايات المتحدة و«إسرائيل» أنّ موازين القوى في غرب آسيا تتطوّر تدريجاً لغير مصلحتهما. السبب؟ تعاظم قدرات قوى المقاومة العربية، ولا سيما حزب الله في لبنان وحركتيّ «حماس» والجهاد الإسلامي في قطاع غزة بفضل الدعم الإيراني السياسي والمالي والعسكري. الردُّ الصهيوأميركي تمثّل، بادئ الأمر، بتوظيف تنظيمات الإرهاب التكفيري في الحرب على سورية وفيها، ثم تطوَّر الى تصعيدٍ للحرب الناعمة على إيران بما هي، في حسبان واشنطن وتل أبيب، عدوهما الرئيس في الإقليم، وذلك بإعلان الرئيس الأميركي ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران واستئناف العقوبات ضدّها.

إزاء عدم تجاوب معظم دول العالم مع سياسة ترامب وعقوباته المسيئة لمصالحها الاقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى لصمود إيران ومعها قوى المقاومة العربية في فلسطين وسورية ولبنان، قرّرت واشنطن، بتحريض سافر من تل أبيب، تصعيد الحرب الناعمة في جانبها السياسي باتخاذ سلسلة تدابير عدوانية من شأنها افتعال فتن اثنية وفئوية في سورية ولبنان وفلسطين تؤدّي، في ظنّهما، إلى تقويض الوحدة الوطنية الداخلية وحمل السلطات المحلية على التضييق على قوى المقاومة وصولاً الى شنّ حربٍ سافرة عليها إذا اقتضى الأمر.

في سورية، وسّعت أميركا من انتشار قواتها في شرق البلاد وشمالها الشرقي، ودعمت بالمال والسلاح «قوات سورية الديمقراطية» الكردية في سياق مخططٍ يرمي الى إقامة كيانات حكم ذاتي في محافظتي الحسكة والرقة، ووضع اليد على منابع النفط والغاز فيهما، ومساومة تركيا للحصول على موافقتها العلنية أو الضمنية لإقامة «نقاط مراقبة مسلحة» أميركية على الحدود السورية والعراقية في منطقة ما بين نهري الفرات ودجلة. وها هو الجنرال جوزف بدفورد، رئيس مجلس القيادة المشتركة للجيوش الأميركية، يعلن «انّ وجودنا في سورية لا يرتبط فقط بهزيمة «داعش»، وانّ أميركا بحاجة الى تدريب 40 الف مقاتل محلي في سورية قبل انسحابها منها». غني عن البيان انّ الغاية من وراء هذه الترتيبات العدوانية دعم مطامع واشنطن في نفط سورية، وتأمين مشاركتها في ترسيم مستقبلها السياسي بتقويض اتفاق أستانة واتفاق سوتشي بين روسيا وإيران وتركيا والعودة إلى مفاوضات جنيف.

إلى ذلك، تسعى واشنطن إلى تهيئة الظروف السياسية والميدانية لتسويق ما يسمّى «صفقة القرن» في مطالع العام القادم. لهذه الغاية، تدعم واشنطن مساعي التطبيع بين «إسرائيل» ودول الخليج وصولاً الى قيام تحالف «ناتو» عربي مؤلف من هذه الأخيرة والأردن مباشرةً و«إسرائيل» مداورةً. وفي هذه الأثناء، تمضي «إسرائيل»، بدعمٍ من أميركا، في حصارها الوحشي لقطاع غزة.

في لبنان، يسعى نتنياهو إلى تضخيم مسألة العثور على نفق محتمل لا يظهر منه إلاّ بضعة أمتار في محيط مستوطنة المطلة القريبة من الحدود مع لبنان، والزعم بأنّ أنفاقاً أخرى لحزب الله موجودة في أجزاء أخرى من هذه الحدود، وانّ «إسرائيل» عازمة على تدميرها جميعاً. اوفير غيندلمان، المتحدث بإسم رئيس الحكومة الإسرائيلية وبعده وزير الإستخبارات يسرائيل كاتس، هدّدا بنقل الحرب الى الأراضي اللبنانية بغية تدمير جميع الأنفاق على طول الحدود ومعها البنى التحتية.

يرمي نتنياهو بذلك الى تحقيق ثلاثة أغراض:

أولها، توحيد الجمهور الإسرائيلي وشدّه إليه وتطمينه بعد عملية خان يونس الفاشلة وازدياد قلقه عقب إعلان عدّة جنرالات عاملين ومتقاعدين انّ «إسرائيل» خسرت «قوة الردع» ضدّ حزب الله بعدما بات يمتلك عشرات آلاف الصواريخ دقيقة التصويب.

ثانيها، تحريض أميركا على إيران بوصفها الداعم الرئيس لحزب الله و«حماس» بالمال والسلاح بقصد حملها على التشدّد معها بكلّ الوسائل الممكنة ومنها ضرب حزب الله داخل لبنان، و«حماس» داخل قطاع غزة، والضغط على القوى السياسية المتنافسة في لبنان والإيقاع في ما بينها للحؤول دون تأليف حكومة وفاق وطني من جهة، ومن جهة أخرى إيقاظ الفتنة الطائفية وتعميق الخلافات السياسية وصولاً إلى مشاغلة حزب الله وحلفائه وشلّ حركته.

هل تمتدّ عملية تدمير الأنفاق داخل الجانب المحتلّ من الحدود إلى الجانب اللبناني منها وتتحوّل حرباً واسعة على مواقع تزعم «إسرائيل» أنها قائمة تحت مئات المنازل في القرى وتحتضن عشرات القواعد الصاروخية والمعامل والورشات الفنية العسكرية لحزب الله؟

ثمة من يرجّح في «إسرائيل» انّ «روسيا غير الراضية عن العمليات الإسرائيلية في سورية هي على وشك «إغلاق الأجواء» فوق سورية ولبنان، وانّ من هنا تنبع ضرورة العمل ضدّ تجذّر الوجود الإيراني بأسرع ما يمكن» راجع مقالة اروي غودلبرغ، المحاضر في مركز هرتسليا المتعدّد المجالات، في Y net، 2018/12/5 .

في لبنان، يواجه حزب الله صخب «إسرائيل» العسكري والإعلامي بصمت مدوٍّ يستبطن في آن عدمَ اكتراثٍ بالتهديدات وتصميماً على ردّ الكيل كيلين بإقتدار.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى