مفاوضات اليمن تنجز مسودات تفاهم حول المطار والميناء والنفط والمصرف المركزي الحكومة تنتظر إنهاء الحريري حربه الوجودية على اللقاء التشاوري وبدء التفاوض معه

كتب المحرّر السياسيّ

الاضطراب والارتباك في العواصم الغربية الثلاث واشنطن ولندن وباريس، باتا سمة مستدامة، فلا تكاد واحدة من هذه العواصم تتخطى أزمة حتى تفتح الباب لأخرى، في واشنطن استماع مطوّل في مجلس الشيوخ لمديرة وكالة المخابرات المركزية «سي آي أي» جينا هاسبل حول قتل جمال الخاشقجي تلتها وعود من الشيوخ البارزين بالسير بمساءلة إدارة الرئيس دونالد ترامب حول مسار العلاقة الأميركية السعودية، مع مطلع العام، وبدء ولاية المجلس بصيغته الجديدة، وإعلان البدء بالمسار القانوني لتشريع يُنهي التورّط الأميركي في حرب اليمن عبر وقف كل دعم للتحالف السعودي الإماراتي بينما في لندن ورغم نجاة رئيسة الحكومة تيريزا ماي من تصويت على سحب الثقة بها، فقد بدا أن حزبها قد فقد التماسك حول زعامتها، ما أجبرها بعد توقيع ثلث نواب حزبها على مطالبتها بالتنحي بالتعهد بترك الحكم قبل نهاية ولايتها عام 2022، والانقسام حول اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست» مستمر في حزب المحافظين، وحزب العمال المنافس يحصد المزيد من التأييد ويستعد للدعوة لانتخابات مبكرة أما في باريس فالقلق من تداخل الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة مع ملف مكافحة الإرهاب، سواء عبر محاولات الحكومة توظيف ملف الإرهاب للتضييق على الاحتجاجات ودخولها في اللعبة الأمنية مع قادة السترات الصفراء، أو عبر تنامي قوى اليمين العنصري مع تحريك ملف الإرهاب وربط جذوره بالمهاجرين من غير ذوي البشرة البيضاء.

المشهد الغربي معطوفاً على المأزق السعودي العسكري والسياسي، قد يكون على علاقة بالتقدم في مفاوضات اليمن التي شهدت جولاتها المنعقدة في السويد التوصل بعد تفاهم تبادل الأسرى والمعتقلين، التوافق على مسودات لتفاهمات هامة، كفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بإشراف السلطات المحلية ورقابة الأمم المتحدة، وبالمقابل اعتماد المصرف المركزي في عدن كمرجع للمالية العامة مقابل دفع الرواتب بلا تمييز بين موظفي الدولة، كما تمّ التداول بمسودة خاصة باستئناف تصدير النفط والغاز تمهيداً لعودة الحياة لهذا المرفق الهام في عائداته المالية، ما دعا المراقبين لتسجيل التفاؤل بكون هذه التفاهمات مدخلاً لفرض الهدوء لفترة غير قصيرة، وبالتالي التوصل لحلحلة في قضية تعز التي لا تزال عالقة، ومقابلها البتّ بمستقبل الوجود الأجنبي، ومعه البدء بالبحث الهادئ في المسودة السياسية الخاصة بإطار للحل يقوم على هيئة حكم انتقالية يتم عبرها البحث بقضايا تسليم السلاح وتوحيد الجيش والدستور والانتخابات.

لبنانياً، شكل استقبال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فرصة لتظهير ما تمّ خلال لقاء بعبدا الذي جمع الرئيس بوفد قيادي من حزب الله، حيث تأكد تمسك حزب الله باعتبار القضية أولاً وأخيراً بين الرئيس المكلف سعد الحريري ونواب اللقاء التشاوري كممثلين للطائفة التي يحوزان تمثيلها وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية، ولكون أحد الفريقين رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة لا يمنحه حق حذف شريكه في التمثيل النيابي من التمثيل الوزاري، بل ربط تمثيله بالنسبة التي حازها نيابياً، ولذلك كان الاجتماع الذي شهده قصر بعبدا بين الرئيس عون ونواب اللقاء التشاوري فرصة لتأكيد النواب أن قضيتهم وجودية وليست سياسية، وأن مساعي الوساطات والتفاوض تبدأ عندما يحلّ البعد الوجودي من القضية، أي عندما يتوقف الرئيس المكلف عن مشروع الإلغاء والإقصاء بحقهم، وأن يستقبلهم كرئيس مكلف أبسط واجباته، وأن يدري معهم التفاوض حول شكل تمثيلهم هو أبسط حقوقهم، وبدون هذه الخطوة يبقى كل بحث كما كل وساطة محاولة لتقديم الدعم للرئيس المكلف لإلغائهم وإلغاء نتائج الانتخابات النيابية معهم.

«سُنّة اللقاء» لعون: لن نقبل احتكار الحريري للسُنة

لم تُترجم الأجواء الإيجابية التي خيّمت على المشهد الحكومي خلال اليومين الماضيين بحلول توافقية لعقدة التمثيل السني، إذ إن مبادرة رئيس الجمهورية التي بدأها مع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري واستكملها مع حزب الله وأمس مع اللقاء التشاوري، لم تُقدّم آليات أو مقترحات واضحة للحل كما لم تَلحظ تغيراً في مواقف الأطراف أو ملامح تنازلات في الأفق، ما يعني أن المبادرة تتعثّر ودونها عقبات، لكن المبادرة الرئاسية مستمرة بحسب زوار قصر بعبدا والرئيس ميشال عون يجوجل الأفكار ويدرس الاقتراحات المطروحة بانتظار عودة الرئيس المكلف للبحث معه في مخرج ملائم للأزمة.

التفاؤل الذي ظلّل قصر الرئاسة الأولى لاقته الرئاسة الثالثة من العاصمة البريطانية، حيث أكد الحريري في حديث تلفزيوني أنه «كان يجب أن تشكل الحكومة أمس والأسماء والحقائب جاهزة وأنا جاهز»، مشيراً الى أن «كل اللبنانيين يقدّرون العمل الذي يقوم به الرئيس ميشال عون ويجب أن نكون إيجابيين لمصلحة البلد». ولفت الحريري الى «أننا نتمنى أن تبلور الاتصالات نتائج ايجابية». إلا أن الحريري لا يبدو أنه تلقى الضوء الأخضر السعودي للإفراج عن الحكومة، كما أشارت مصادر مطلعة لـ«البناء»، مذكرة بكلام وزير الخارجية السعودية عادل الجبير عن دعمه لموقف الحريري ضد حزب الله، ما يُفسّر كإشارة للحريري بعدم التنازل في مسألة المقعد السني الخارج عن العباءة الزرقاء، إذ لا مكان لمكون سنّي مع المقاومة لا يدين بالولاء للمملكة في حكومة يرأسها ممثل السعودية في لبنان، ولفتت الى أن «الحريري لا يمكن أن يتخذ قراراً يُثير الغضب السعودي عليه، علماً أنه لو عاد القرار له لكان سهل عملية التأليف وسار بأحد العروض المطروحة، غير أن العقدة في مكان آخر في قصر اليمامة لا في بيت الوسط».

وعلى مدى ساعة التقى الرئيس عون اللقاء التشاوري للسنة المستقلين وبحث معهم مسألة تمثيلهم في الحكومة، وإن لم يعرض رئيس الجمهورية على اللقاء أي اقتراح واضح، بحسب ما قالت مصادر «اللقاء»، فإن الايجابية الوحيدة هي أن استقبال «سيد القصر» لـ«سنة اللقاء» كقوة سياسية قائمة بذاتها ومستقلة بقرارها أعاد لهم الاعتبار عما نالوه من تجاهل وإجحاف وظلم من المعنيين بالتأليف لا سيما الرئيس المكلّف، الأمر الذي يُعزز وضعهم وموقعهم داخل الطائفة السنية وفي المعادلة الوطنية، أما دخولهم من الباب الواسع الى قصر بعبدا فقد يُمهّد لفتح أبواب بيت الوسط أمامهم، وتحدثت مصادر «البناء» عن أن الرئيس عون سيبذل جهوداً كبيرة مع الحريري لإقناعه باستقبال السنة المستقلين. وهذا ما تمنّاه وفد حزب الله على الرئيس عون خلال لقائهما الأخير.

وبحسب ما علمت «البناء» فإن اللقاء التشاوري كان صلب الموقف مع رئيس الجمهورية وأكد تمسكه بتمثيله بوزير وحقيبة بواحد من النواب الستة وليس من خارجه ومن الحصة السنية، لكن «اللقاء» لم يأخذ وعداً من عون بذلك واعداً ببحث الأمر مع الحريري فور عودته، وصارح سنة اللقاء عون بحقهم في التمثيل شارحين له أن «الحريري نال 60 في المئة من المقاعد النيابية وبالتالي ينال 60 في المئة من المقاعد الوزارية ولا يمكن أن نقبل باحتكاره كل التمثيل السني». كما علمت «البناء» أن وفد حزب الله شدد أمام الرئيس عون على ضرورة تمثيل هذا المكون السني ويدعم ما يقررون ولم يعِد الحزب الرئيس عون بأن يمارس الضغط على حلفائه للتنازل بل أصرّ على أن الحل بالحوار معهم والتوافق على حل وسطي».

وأكد رئيس « تيار الكرامة » النائب فيصل كرامي ، عقب اللقاء مع رئيس الجمهورية أن «مبادرة الرئيس عون لا تزال قائمة والتي لا نعرف مضمونها، وهو سيتابع مشاوراته على ما يبدو، وعندما يطرح المبادرة علينا سيكون لنا رأينا فيها، ولكن لا بأس من أن يعرف اللبنانيون جميعاً بأننا لسنا في وارد إلغاء أنفسنا لصالح أي أحد».

أما النائب الوليد سكرية فقال عقب اللقاء: «لا يبدو أن هناك وصولاً لحل بهذا الموضوع، لأن رئيس الحكومة المكلف لا يزال على موقفه ولا يعلن شيئاً الا انه رافض الاعتراف بنتائج الانتخابات، وان هناك نواباً من خارج «تيار المستقبل» فازوا ولهم رأي يتعارض مع تيار المستقبل وهو مصرّ أن يحتكر التمثيل السني».

مؤكداً «اننا نحن 6 نواب متحالفين نمثل نهجاً معيناً ونعبر عن شريحة شعبية ولنا حق بأن نمثل بوزير، وثبتنا موقفنا عند الرئيس عون»، مؤكداً أن «الكرة الآن عند الحريري وليس عند أحد آخر وهو الذي يسكر الطريق».

بدوره، أكد عضو « اللقاء التشاوري» النائب عبد الرحيم مراد، الى أن «مأخذنا على الحريري، فهل من المقبول أدبياً أن يستقبلنا عون والرئيس بري ولا يستقبلنا الحريري». وأوضح مراد في حديث تلفزيوني «أننا طلبنا الموعد ثلاث مرات مع الأستاذ محمد منيمنة في مكتب الحريري ولم نتلقَ أي رد منه»، مشيراً إلى أنه «يكفينا شرفاً أن 30 ألف مواطن أعطونا الثقة في الانتخابات النيابية ». وشدّد على أن «على الحريري أن يتذكّر أنه لا يواجه 6 نواب بل 30 ألف سنّي أعطوهم ثقتهم»، مشيراً إلى أن «الحريري أخطأ عندما قال إنه أبو السنة بل كان يجب أن يقول إنه أبو السنة وفق خياراته». وأوضح مراد أن «عون أكد لنا أن موضوع الرسالة إلى مجلس النواب فهم بشكل خاطئ، فهو لم يكن يسعى لسحب التكليف من رئيس الحكومة بل لوضع المجلس أمام الوضع الذي يمرّ به البلد».

وكان الحريري قال على هامش مشاركته منتدى الأعمال والاستثمار اللبناني البريطاني في لندن: «لا أزال على موقفي من مسألة توزير سنّة 8 آذار». أما وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل فقال: لا مشكلة لدينا في حكومة من 18 أو 24 وزيراً بل قد تكون المشكلة عند غيرنا. ولفت الى «أننا لسنا متمسكين بالثلث المعطل فالحكم ليس بحاجة إلى ذلك بل المعارضة تحتاجه»، مضيفاً «نحن متمسكون بالحصة التي نستحق وهي 11 وزيراً وهي مجموع حصتي التيار ورئيس الجمهورية». وأشار باسيل في كلمته في المؤتمر الى «أننا هنا مع الحريري كي نوجه لكم رسالة إيجابية وهي أن تثقوا ببلادنا»، مؤكداً أن «الشراكة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ستؤدي حتماً إلى ولادة الحكومة».

ومساء أمس عُقد اجتماع مطول في لندن بين الحريري وباسيل عرضت خلاله أفكار جديدة عدة تتصل بملف تشكيل الحكومة وتم الاتفاق على متابعة الموضوع الى حين عودة رئيس الحكومة الى بيروت .

تفاؤل حذر في عين التينة

أما في عين التينة فساد تفاؤل حذر بنجاح مساعي عون، فأمل الرئيس بري أمام النواب في لقاء الأربعاء النيابي أن تنتهي المشاورات والاتصالات التي يقوم بها رئيس الجمهورية الى تأليف الحكومة قريباً. وجدد تأكيد أننا بحاجة الى حكومة منسجمة ومتآلفة للقيام بمسؤولياتها تجاه الاستحقاقات الكثيرة التي نواجهها على الصعد كافة. وقال إن هناك افكاراً عديدة تطرح على صعيد عدد اعضاء الحكومة لتوفير العناصر التي تساعد على ولادتها وتجاوز العقد التي تواجهها حتى الآن.

وأكد عضو النائب علي بزي بعد لقاء الأربعاء ان «بري متفائل حكومياً وأبدى كل مرونة لتسهيل ولادة الحكومة»، مشيراً إلى أن «بري سمع بالتواتر بصيغة الـ18 وزيراً لكن لم يتم التحدث معه رسمياً عنها»، مضيفا «ستبصر الحكومة النور قريباً»، أما وزير المال علي حسن خليل فقال من عين التينة «لم يطرح علينا حكومة 18 وزيراً ولا نريد العودة الى الوراء طالما ان العقدة باتت محددة بتمثيل نواب اللقاء التشاوري».

على خط جبهة الجنوب، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلية لليوم التاسع على التوالي، على حدود قرى قضاء مرجعيون، أعمال الحفر والبحث عن أنفاق قبالة بوابة فاطمة ومحلة العبارة في بلدة كفركلا، وبالقرب من الطريق العسكرية المحاذية للسياج التقني في محلة خربة شعيب خراج بلدة بليدا، بالتزامن مع استمرار قادة العدو بإطلاق التهديدات ضد لبنان، فقد حذر وزير الإسكان الإسرائيلي يوآف غلانت، من أن بلاده «ستخلع القفازات إذا هاجمها حزب الله، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من أبعاد». وأكد أن بلاده ستحمل لبنان المسؤولية الكاملة عن عواقب الحرب، لأنه «لا يمكن الفصل بين تصرفات قيادة لبنان وتصرف حزب الله الذي تدير إيران عبره الدولة اللبنانية»، إلا أن مصادر مطلعة استبعدت لـ«البناء» أي عمل عدواني إسرائيلي ضد لبنان، في ظل موازين القوى الجديدة في المنطقة ومعادلات الردع التي ثبتتها المقاومة، لكن المصادر وضعت جلسة مجلس الامن الدولي التي انعقدت على نية الأنفاق في إطار اثارة الصخب الدولي ضد حزب الله وتشويه صورته في الخارج في ظل عجز «إسرائيل» في الميدان، فتستعيض عن ذلك بإنجازات إعلامية ودبلوماسية. واستبعدت أن تتمكن «إسرائيل» وحلفاؤها من الولايات المتحدة وبريطانيا من تمرير مشروع القرار ضد الحزب بسبب الفيتو الروسي والصيني. واستغربت المصادر عدم تماسك الموقف اللبناني من العدوان الدبلوماسي والإعلامي الإسرائيلي ضد لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى