الحريري مسؤول عن كلامه.. فما هي إشاراته؟

روزانا رمّال

من يستمع لكلام الحريري في لندن أمس، يتأكد انه خارج عن موقف خاص لا ينبع من اي استشارة او تبعية سعودية تحديداً كما تجرى العادة في تصنيف سياسات تيار المستقبل، بما له وما عليه من مواقف خارجية وارتباطات واضحة ضمن لعبة إقليمية مفتوحة منذ أكثر من سبع سنوات.

الحريري قال إن حرب تموز لم تضعف حزب الله وأسهب بالشرح بلغة «المؤيد» لما يقوم به الحزب من دور بوجه «إسرائيل» كاشفاً أنه: «أن يقال بكل وقاحة أن «حزب الله» ينتهك القرارات الدولية بسبب الأنفاق، يجب علينا أولاً أن نسأل عن عدد الانتهاكات الإسرائيلية بالبر والجو والبحر»، معتبرا أن «الجيش اللبناني يعالج موضوع الأنفاق و»نقطة على السطر» وإسرائيل لا تزال تحتل أراضي لبنانية في مزارع شبعا»، مشيراً الى أن «حرب تموز لم تضعف لبنان، ولم تضعف «حزب الله» الذي يقول إن لديه 100 ألف صاروخ»، وختم الحريري بهذا الإطار أنه «إذا شنّت إسرائيل حرباً على لبنان فأنا اقول إن اسرائيل في السابق لم تحقق أهدافها والطريق الوحيد نحو الأمان هو عبر الحوار».

هذا الكلام البعيد كل البعد عن رؤية المملكة العربية السعودية تجاه عمل حزب الله المسلح بالتأكيد لن يكون مدعاة ترحيب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي اضطر حديثاً للقاء الرئيس الحريري بعد أزمة الخاشقجي وبعد أن صار اللقاء مع الحريري ضرورة ودليلاً «يبرئ» إبن سلمان من فعلته في خطف الحريري العام الماضي ما يؤكد إمكانية أن يكون الشك بدور له في مقتل الخاشقجي ممكنة، طالما أن الاعمال البوليسية واردة في سياق عمل المعنيين بالأمن السعودي، لكن وبالعودة لكلام الحريري فإنه من دون شك يؤكد مساحة من الاستقلالية الموجودة في ذهنيته والتي تأخذه نحو «لبننة» حركته السياسية أكثر فأكثر. فالحريري يرسل في غير مرة إشارات للمملكة العربية السعودية بعدم قناعته في مواجهة حزب الله، خصوصاً أن قدر اللبنانيين التعايش مع بعضهم البعض فكيف بالحال وأن الاستحقاقات المقبلة لا يمكن أن تتم بدون فصيل أساسي أو لاعب سياسي وازن في الساحة الشيعية كحزب الله.

يدل موقف الحريري أيضاً على أن العلاقة مع المملكة العربية السعودية ليست على ما يرام ولا تبدو كتلك التي كانت في عهد الملك عبدالله، حيث كان يحظى الحريري بمكانة وازنة واهتمام بالغ بالديوان الملكي الأمر البعيد عن تعاطي إبن سلمان معه والذي لا يبدو انه سيكون في المستقبل القريب تحسّن في هذه العلاقة. فالكيمياء بين الرجلين ليست قوية كما يجب، او كما اعتاد اللبنانيون مع عائلة الحريري، لكن هذا لا يعني أبداً ان يكون الحريري قد خرج عن الموقف الاستراتيجي السعودي.

موقف الحريري من لندن يمكن وضعه ضمن إطار مهادنة حزب الله او إرسال رسائل إيجابية إليه، خصوصاً أن الكلام أخذ اللبنانيين الى لحظة قال عنها الحريري ذات يوم تموزي إنها مغامرة واصفاً المقاومين الذين قاموا بعملية الأسر بـ»المغامرين».

وهي الكلمة الشهيرة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية المتهمة من قبل حزب الله بتحريض الأميركيين والإسرائيليين على ضرب لبنان، لا بل على إطالة أمد الحرب مع حلفاء محليين أيدوا توسيع الضربات على الحزب.

موقف الحريري الوطني حيال أزمة الأنفاق يتقاطع اليوم مع الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري والمسألة الأساسية هنا تؤكد أرضية وحدة قادرة على الخروج بموقف قوي حيال أي عملية إسرائيلية تجاه لبنان أو أي تعدٍّ بذريعة درع الشمال او معركة الأنفاق التي فتحها نتنياهو مؤخراً.

كل هذا يُصرف في المعنى العام لكن أبعاده السياسية المحلية كبيرة ولكلمة الحريري من قلب لندن عن حزب الله، وهي الحليفة الأساسية لواشنطن الداعمة لعملية درع الشمال مهم وأساسي، كما أن مندوبة بريطانيا بالأمم المتحدة كانت قد دعت المجتمع الدولي منذ يومين بدعم عملية نتنياهو والتوقف عند المخاطر التي يسبّبها حزب الله للبنان.

من دون شك يؤكد هذا الموقف على رغبة من الحريري لإيجاد طريق يُطرّي الأجواء باتجاه حزب الله، خصوصاً والأزمة الحكومية التي يعتبر الحريري فيها دور الحزب «معطلاً» لحكومته المنتظرة. وهذا من شأنه أن يؤكد إيجابية متوقعة باتجاه حلحلة المشهد الحكومي، كما قال قبل الاعياد او مطلع السنة وولادة حكومة جديدة. لكن الاهم هو ان الحريري أرسل اشارات للداخل «حزب الله» والخارج «المملكة العربية السعودية» تؤدي المطلوب وتضعها أمام أمر صار واقعاً، وإلا قد يخسر الحريري فرصة تكليفه بتشكيل الحكومة، خصوصاً أن رئيس الجمهورية قد رفع ورقة التلويح بإحالة هذا التعطيل على مجلس النواب. وهذا يعني خسارة الحريري لغطاء رئيس الجمهورية وهو الغطاء الأخير الذي يساند الحريري ويغطيه في مجمل خياراته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى