«مهرجان أفلام المقاومة الخامس عشر» يختتم فعالياته في بيروت

عبير حمدان

يصعب حصر الفعل المقاوم ضمن إطار محدود، حيث أن للرصاص صولاته وللثقافة حضورها في كافة الميادين، ولأن المقاومة نتاج فكر حضاري ينبذ الاستبداد والظلم واستباحة الحقوق المشروعة للشعوب في كل مكان وزمان ينبثق منها فن ملتزم بالقضايا الإنسانية في سعي جدي لتعميم ثقافتها.

حين تقدّم المادة السينمائية رسالة هادفة تتعاظم قيمتها بعيداً عن فعل التسويق المبتذل، لكن يبقى الرهان الأساس على المتلقي ومدى تفاعله وبحثه عن الطرح الواقعي للسيناريوات المشغولة سينمائياً في مواجهة أسلوب الإبهار المضاد الذي يروّج لأعمال تقارب الابتذال حيناً ويعمل صُنّاعها على مسايرة الغزو الاستعماري أحياناً.

وبمنأى عن المبالغة، يمكن القول إن الجمهور الذي حضر فعاليات «مهرجان أفلام المقاومة الخامس عشر» بنسخته اللبنانية لم يخرج كثيراً من إطار الفئات المؤيدة للفكر المقاوم، ذلك أن في بلد مثل لبنان تخضع النشاطات الفنية والثقافية لمنطق التقسيم، حيث لكل فئة اهتماماتها السينمائية الخاصة، ولكل فئة رؤيتها الخاصة لمفهوم المقاومة.

وقد اختتمت فعاليات المهرجان الذي استضافته الجمعية اللبنانية للفنون ـ «رسالات» وشاركت فيه 92 دولة بفيلم «إمبراطور جهنم» للمنتج الإيراني محمد خزاعي، وهو أمين عام إدارة المهرجان في دورته الخامسة عشرة، ويتطرق الفيلم إلى جرائم آل سعود وجذور نمو وتطور التيارات التكفيرية في المنطقة والعالم، حيث يظهر كيفية تغلل الفكر التكفيري في النسيج الاجتماعي بتمويل مشبوه على قاعدة فرِّق تسُدْ وبالتالي يصبح القتل فعلاً روتينياً باسم حماية الدين وتشريع ما يتناسب ومصالح أمراء الحروب المتنقلة في الميادين كافة، ولا يغفل العمل الحضور الصهيوني في خيوط اللعبة التي تحركها الإدارة الاميركية كما يتضح في المشهد الأخير من الفيلم الذي يُظهر الدور الفعلي للحرب الاعلامية التي لا يمكن فصلها عن الجانب العسكري.

خزاعي: بيروت عاصمة المقاومة

وقد التقت «البناء» على هامش المهرجان المنتج الإيراني محمد خزاعي وسألته عن أهمية تفعيل الدور الثقافي والفني للمقاومة، ليقول: «بيروت هي عاصمة للمقاومة، وإيران ولبنان هما عينا المستضعفين في هذا العالم، اليوم المقاومة في مجالها الثقافي لها كلمتها في هذا العالم. ونحن نشهد هذه المستجدات في ثقافة المقاومة. هناك مشاركة في هذا المهرجان من 92 بلداً والأفلام تناولت كل ما يتصل بحقوق الإنسان في فلسطين ولبنان والعراق. وهذا المهرجان الذي يُقام في إيران سنوياً من أقدم المهرجانات فيها ونحن لدينا فقط عشرة مهرجانات في العالم وهذا المهرجان من ضمنها».

وعن المواضيع التي يركّز عليها المهرجان، يقول خزاعي: «لدينا مواضيع محدّدة نركز عليها ونطلب أن تكون مشاركة في المهرجان وأهمها المطالبة بالعدالة ومقاومة الظلم في العالم، وكل ما يتصل بالمواضيع التي تتناول حقوق الإنسان، والكثير من المخرجين والمنتجين لا يمكنهم صناعة أفلامهم في بلدانهم، ونحن نسعى لدعمهم إذا كانت الفكرة ملائمة لتوجّهاتنا، مثلاً كان لدينا ضمن الأفلام المشاركة فيلم يحمل عنوان «ليس خاشقجي فقط» وقد طلب منا منتج ومخرج العمل أن يشارك فيلمه، ولكن دون أن يضع اسمه لأنه مُهدّد بهدر دمه وهناك أيضاً منتجون تعرضوا للتهديدات من قبل الكيان الصهيوني، بمعنى أن الفن والسينما يشكلان قوة ردع لا يُستهان بها. وقد أشارت إحدى الصحف العبرية «نحن اليوم نواجه خطراً يتعدّى السلاح العسكري وهو الخطر المتمثل بثقافة المقاومة التي تنشأ في الكثير من البلدان»، وربما يمكننا أن نقول إن أحد أخطر الأسلحة في العالم هو سلاح السينما والإعلام ولذا علينا صدّ الغزو الثقافي الذي يصنعه المستعمر في افلامه ويعمل على ترويجه إعلامياً، لأننا بلاد ذات حضارة ويمكننا تقديم مادة فنية وسينمائية من صميم حضارتنا، وكما انتصرنا عسكرياً يمكننا أن ننتصر ثقافياً وفكرياً».

ضاهر: تظاهرة فنية للجميع

من ناحيته أكد الشيخ علي ضاهر رئيس الجمعية اللبنانية للفنون ومسؤول الأنشطة الإعلامية فيها على أن هذا المهرجان أتى في لحظة انتصار الحق على الباطل، فيقول: «أهمية المهرجان الدولي لافلام المقاومة أنه يأتي في لحظة انتصار محور المقاومة، لحظة انتصار الحق على الباطل، وهذا المهرجان أخذ على عاتقه نوعاً من الرعاية والمساعدة لكل من يحمل فكرة أو قصة مرتبطة بالساحات التي يقاتل أهلها الباطل، هو أتى في لحظة مصيرية سواء في لبنان أو سورية أو العراق ليقول إننا حاضرون وبكل شموخ في وجه أعتى هجمة كونية على محور المقاومة».

وفي ما يتصل بالحضور الرسمي المتمثل بالتنسيق بين الجمعية ووزارة الثقافة يقول ضاهر: «في هذا النشاط تحديداً لا يوجد أي تنسيق مع وزارة الثقافة، ونحن نعتبر أنها تظاهرة فنية تقوم بها الجمعية كأي جمعية موجودة في لبنان، وليس بالضرورة أن تكون الجهات الرسمية حاضرة في كل نشاط نقوم به، نحن فتحنا المجال لتعريف المتلقي على إنتاجات سينمائية تستحق المشاهدة وفتحنا الدعوات للجميع».

ويختم ضاهر: «الجمهور فيه تنوّع بشكل نسبي، ولكن شئنا أم أبينا هذا النوع من الأفلام لديه جمهوره الخاص، إلا أننا حين نضع الإعلان نتوجه به لكل فئات المجتمع ونأمل أن يحضر الجميع».

الجدير ذكره أن أبرز الأفلام التي عرضها المهرجان كانت «أحداث الظهيرة» الحائز على خمس جوائز في مهرجان الفجر السينمائي الدولي 2017 وهو من إخراج محمد حسين مهدويان و»سرو تحت الماء» و»مضيق أبو غريب» و»امبراطور جهنم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى