لا يتحمّل الكرد وحدهم مسؤولية الكارثة…!

محمد ح. الحاج

إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرّر الانسحاب من الشمال والشرق السوري دون أن يلتفت إلى الكرد أو الدفاع عنهم فلأنه ومن الأساس لم يكن معنياً بهم ولا بمصالحهم، ترامب كان معنياً بأموال الخليج لقد قالها صراحة سوف ننسحب إنْ لم يدفعوا، فنحن لن نكون شرطياً بالمجان!

التحالف مع بعض القيادات الكردية تجارة قد يجدها البعض في الغرب رابحة، فرنسا تلعب الورقة وتعتبرها الجوكر للبقاء في المنطقة متذرّعة بحماية الكرد، وهي الكذبة الأحدث فرنسا لن تواجه تركيا ولن تصطدم قوتان من الحلف الأطلسي، ربما يتبادلون الأدوار في اللعبة الدولية على الرقعة السورية، فهل ستطلب فرنسا من حكام الخليج ثمناً أقلّ لبقاء قواتها أم تتبرّع مجاناً لمزيد من توريط الكرد وتكتفي بكميات من النفط تتقاسمها مع بعض العصابات الكردية والتركية؟

يتحدث الجميع عن الكرد في مسألة الشمال السوري، ولا يذكر إلا القلة عن شركاء قد يماثلون الكرد في العدد وهم من العشائر المختلفة هناك، وربما معهم من أعراق أخرى وبأعداد محدودة، لكن الواجهة أخذها الأكراد وأبعدوا غيرهم، ليس حباً في مناكدة الحكومة السورية، بل حرصاً على الحصة الأكبر من الدعم الخارجي الخليجي الذي تستولي عليه القوى الخارجية وترمي لهم بالفتات إضافة إلى السلاح والمعدات وهي بطبيعة الحال من المستهلك في العلم العسكري والإمداد اللوجستي منتهي الصلاحية ، حتى الكرد هنا والذين شكلوا الأداة والغطاء للوجود الغربي، الأميركي وغيره هم أقلية بالنسبة لأبناء شعبنا في الجزيرة، سواء من الكرد أو غيرهم من عشائر وقبائل واثنيات عرقية.

إطلاق الأحكام الشمولية مجافاة للحقيقة والعدالة، بعض السوريين ارتكب الخيانة بحق الوطن، لا تتحمّل مذاهبهم أو أحزابهم مسؤولية خيانتهم، كذلك لا يمكن القول إنّ كلّ ذوي الأصول غير السورية هم خونة اعتماداً على خروج بعضهم على الوطن.

الكرد، هذه الاثنية الثانية في البلاد، ولها امتدادها شرقاً وشمالاً، قلة من أبنائها ارتضوا العمالة فكانوا بندقية في خدمة الأميركي الذي تلاعب بهم، وفي النهاية سخر منهم ومن غيرهم في المنطقة، ونعلم أنّ أغلب أبناء منطقة الجزيرة السورية وطنيون متمسكون بانتمائهم وولائهم، وإذا كان البعض سقط بفعل التضليل والخداع إلا أنهم في الحقيقة سوريون لا يتنازلون عن هويتهم بما في ذلك الكرد، الذين لا يقتصر وجودهم على الجزيرة بل لهم امتداد في كلّ المدن السورية وحتى في جبل لبنان، وأغلب المؤرّخين ينسبهم إلى جذور سومرية وليسوا من العرق الآري كما يُشاع، ويشهد على ذلك لغتهم وإرثهم التاريخي، فهي لغة سامية وحروفها من السريانية الأمّ التي تطوّرت إلى العربية، وإذا كان من ضمن مطالب هذه الشريحة الحفاظ على لغتهم وتدريسها فهذا مطلب حق لأنها لغة تراثية سورية أشبه بالسريانية التي يجري العمل على إحيائها، وتبقى المطالب الأخرى قابلة للحوار والنقاش على أن تكون دون الانفصال أو الفيدرالية، في سياق الإدارة المحلية وهي إدارة ذاتية بطبيعة الحال من حيث النظام، ومجالس المحافظات هي برلمانات محلية ولا يمكن استثناء محافظة الحسكة التي تتمثل بأبنائها من الكرد والعرب والكلدو آشور وغيرهم دون استبعاد أحد وتبقى مؤسسات الدولة وعلمها ولغتها الرسمية هي الأصل في التعاملات دون أن تؤثر على سير الحياة الطبيعية، ففي الهند مئات الأديان، ومئات اللغات منها خمسة وثلاثين لغة رسمية معترف بها، وتبقى الهند أمة واحدة تجمع المسلمين بكلّ مذاهبهم مع الهندوس والسيخ والبوذيين والمسيحيين وأديان لم نسمع باسمها حتى اليوم.

تقع الحروب بين الدول على قواعد اختلاف متعددة، أغلبها اليوم حروب الاقتصاد والطاقة والمصالح، وعندما تسقط التناقضات يحصل اللقاء ويتمّ تناسي مآسي الحروب وخسائرها، لا تحالف دائم بين الدول، ولا خلاف دائم، وفي الحالة السورية لم تقع حرب ولا صدام بين العرب والكرد بمعنى الحرب، ما حصل بتحريض خارجي يتحمّل مسؤوليته أفراد وجماعات محدّدة من الكرد وأيضاً من العرب وغيرهم، وليس من المنطق والعدل أن نحمل سيف العقاب فنسلطه على رقاب الكرد كلّ الكرد، ولا على رقاب غيرهم سواء من المذاهب أو الطوائف أو الأعراق والاثنيات، وعلى قاعدة لا تزر وازرة وزر أخرى، فالمغرّر بهم من البسطاء على أيدي زعماء قبائل أو عشائر ينتمون إليها يمكن مقابلتهم بالصفح دون أن يشمل قادتهم، الذين تعاملوا مع الأميركي وكانوا أدواته في احتلال الأرض الوطنية تحاسبهم القوانين وتوصف موادها جريمتهم وتحدّد عقوبتها وهي عقوبة مشدّدة في القانون السوري كما اللبناني كما في كلّ الدول الوطنية، الخيانة العظمى هي التعاون مع محتلّ أو تسهيل احتلاله أو دعوته للاحتلال، والدولة السورية وأجهزتها تعلم من هم وتفاصيل تعاملهم ومدى عمالتهم، وتدرك أنهم بمجرد عودة المؤسسات الحكومية لن يكونوا هناك، فهؤلاء سيخرجون مع المشغل أو يكون قد وجد لهم ملاذاً آمناً في بعض مستعمراته، كما في حالة الخوذ البيضاء واستيعابهم في كندا أو أستراليا.

العملاء من الكرد وغيرهم من أبناء العشائر والقبائل السورية يدركون مدى جريمتهم وعقوبتها، وهم اتخذوا من الأساس خيارهم بقبول العمالة لقاء المال، بمعنى أنهم باعوا حقهم في الوطن ليصبح وطنهم حقيبة المال أو صندوق البنك الذي أودعوا فيه، هؤلاء لم يعد لهم وطن حقيقي تظللهم سماءه أو يضمهم ثراه.

أيها السادة، لا تشحذوا سيوفكم، واتركوا لأصحاب الحكمة أن يبادروا ويتصرفوا فهناك أيضاً على الضفة الثانية حكماء وعقلاء ووطنيون يعملون لوحدة الوطن وحريته لتسود فيه العدالة والمساواة في الحقوق كما في الواجبات ولا تشمتوا إذا ما هاجم السلطان التركي الأرض السورية فهو طامع وليس محرّر أو فاتح، وليكن موقفنا واحداً بمواجهته، وتذكر أخي في دمشق أو حلب أو أية مدينة أخرى أنّ بجوارك وقريب منك بيت يقطنه صديق لا تعرف انتماءه العرقي، هو أخ وشريك لك في الوطن ونظير لك في الخلق والإنسانية تتعامل معه بأريحية ومودّة، لكنه أيضاً قد يكون كردياً أو تركمانياً، أرمنياً أو آشورياً، ويبقى أنّ الأخلاق هي الحكم العدل في كلّ علاقة وطنية يمكن لها أن تنجح وتستقرّ، بل تجعلنا نرتقي إلى سوية سبقنا إليها عالم آخر.

تذكروا أننا سوريون وأننا أصحاب الأرض السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى