وداعاً يا نهى

عبد الحميد فاخوري

بالكاد أستفيق من صدمة رحيلك المفاجئ. أهكذا تغادرين دون استئذان من زملائك في الندوة وكأنك لم تكوني يوماً حارستها الأمينة وحاملة رايتها الثقافية في بلادنا ولم تنخرطي وسائر الزملاء في المناداة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.

منذ تأسيس الندوة من قِبل الرئيس سليم الحص ونخبة من المثقفين والمثقفات وأنت تسعين إلى أن تصبح منبراً ثقافياً مميّزاً عبر تأمين عدد وافر من المحاضرات التي يتناول فيها محاضرون كبار مختلف القضايا على تنوّعها من اقتصادية وسياسية واجتماعية تضاف إليها طبعاً القضايا الوطنية. فنجحتِ بذلك أيما نجاح. ولقد كان للمقدّمة التي تعدّينها وتلقينها قبل كلّ محاضرة، وهي بالفعل بحث مختصر حول المطروح، أبلغ الأثر في نفوس الحاضرين.

على مدى عشر سنوات كان لي فيها شرف رئاسة الندوة لمست مدى سعة اطلاعك على مختلف أوجه الحياة الثقافية في لبنان والوطن العربي. من الصعوبة بمكان إيفاؤك حقك في هذه العجالة، ولكن لن أنسى طلتك على اجتماعات الندوة بابتسامتك الهادئة وأدبك الجمّ وذوقك الرفيع، وعندما أكون على وشك رفع الجلسة بعد حوالى ساعتين يأتي صوتك الهادئ «وماذا عن محاضرة جديدة؟» فأجيبك متبرّماً وهل عندك موضوع معيّن؟ تسحبين ورقتين، إحداهما تحوي عدة عناوين والأخرى لأسماء محاضرين محتملين! ويُستأنف النقاش من جديد.

على صعيد شخصي، فقد جمعنا إيماننا بالعروبة وبتحرير كامل فلسطين مهما طال الزمن، وكذلك عشقنا للمتنبي أعظم شاعر عربي، وللغة العربية التي تتفوّق بثرائها على أية لغة في العالم ومناقشاتنا المستفيضة حول شؤون الندوة. وأحسبك الآن وأنت مقيمة في جنات الخلد بإذن الله تسعين إلى لقاء أبي ياسر هاني فاخوري والدكاترة محمد المجذوب، نزار الزين ولواحظ مسيكة… للتباحث في أمور لبنان والعرب، ومن ثَم تخرجين من حقيبتك ورقتين… ليبدأ النقاش من جديد.

رحمك الله رحمة واسعة يا دكتورة، مع تقديم خالص العزاء لعائلة الحسن الكريمة ولندوة العمل الوطني وللمؤسّس الرئيس سليم الحص وللحركة الثقافية التي تناضل للمحافظة على حرية الرأي في لبنان.

وأحسبني أردّد مع الشاعر:

ما بين غمضة عين وانتباهتها

يغيّر الله من حال إلى حال

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

رئيس ندوة العمل الوطني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى