«منبج» بين البازار الأميركي والتركي

 

نظام مارديني

من الواضح أن مشهد «منبج» المفتوح على احتمالات وسيناريوات عدة، عكست صدى ردود الفعل التركية على تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، في فلسطين المحتلة، الذي طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعدم القيام بعمل عسكري ضد «الكرد» حلفاء الولايات المتحدة، حيث اعتبر أردوغان تصريحات بولتون بالفصل بين الإرهابيين والكرد «خطأ كبيراً». وشدد أن تركيا لا يمكنها التنازل في قضية «وحدات حماية الشعب الكردية» السورية، معتبراً إياها وحزب العمال الكردستاني وجهين لعملة واحدة.

ولكن قبل قراءة لواقع الحال بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسحب قوات بلاده من شرق سورية ومنبج، لا بد من رؤية العوامل التي نتجت عن هذا القرار:

1- إنجاز أتفاق «منبج» بين «وحدات حماية الشعب الكردية» والدولة السورية، القاضي بانسحاب المقاتلين الكرد من المدينة وتسليمها للجيش السوري، برعاية روسية إيرانية، حيث جرت تلك المفاوضات في قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، وهو إنجاز يحسب لوحدات الحماية التي عودتنا أنْ تأتي قراراتها متعنتة ومتأخرة وبعد ذلك نادمة، ولذلك سيصعّب هذا الإنجاز أي قرار تركي في العدوان على المدينة، لاسيما أن قرار عودة الجيش السوري إلى منبج وشرق الفرات، قرار استراتيجي وكبير أتخذته القيادة الروسية ولا جدال فيه.

2- بدء وحدات الشرطة العسكرية الروسية، أمس، بتسيير دورياتها في المناطقِ الآمنة بأحياء منبج وضواحيها، وهو ما أكده المتحدّث باسم الشرطة الروسية في سورية، يوسوب ماماتوف، الذي قال إن الدورية الأولى عبرت الحدود الخلفية للمنطقة الآمنة قرب منبج. وأضاف أن وحدات الشرطة العسكرية قطعت 10 كلم في الجزء الشمالي من المحافظة وستغيِّرُ مسارَها بانتظام في المستقبل.

مهمة هذه الشرطة تتمثل بضمان الأمن في المناطق الواقعة ضمن مسؤوليتها ورصد مواقع وتحركات الجماعات الارهابية»، وفق ماماتوف.

3- اعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استعداد تركيا لعملية عسكرية في سورية.. هذه المعادلة العسكرسياسة، هل ستكون عتبةً لصراع مفتوح مع ايران، أو رغبة في توريط تركيا في منطقة ملغومة بالصراعات الاثنية؟

4- تأكيد الرئيس الأميركي، المعروف بتقلباته ولا توازنه، عن عزم بلاده وقف العمليات العسكرية في المناطق التي لا تتلقى فيها الولايات المتحدة مساعدات مالية وعسكرية كافية من الدول الغنية والمستفيدة من ذلك.

وأمام هذا المشهد، يجب التذكير بأن الرئيس ترامب لم يخفِ نواياه لابتزاز دول العالم سواء في منطقة الشرق الاوسط، او اوروبا، او الصين وروسيا، وحتى دول بحر الصين. فهو قال لأكثر من مرة سواء في حملته الانتخابية او ما بعدها بأنه لا يريد ان يدافع عن الآخرين دون مقابل. واستناداً إلى ذلك استلم من السعودية 460 مليار دولار كعربون للدفاع عنها. كما انه قال بداية العام 2018 ان بقاءه في سورية يكلّف 7 مليارات دولار.. وهو الآن يبتز تركيا بالبعبع الكردي. ولكن ويبقى السؤال أين هي المليشيات الكردية في لعبة الأمم والكبار؟

هذه الميليشيات مجرد فقاعة صغيرة ولا قيمة لها أو للدماء الكردية في هذه اللعبة الجهنمية على الأرض السورية كما العراقية؟

لقد توصلت إدارة ترامب بقرار انسحاب القوات الأميركية الى إعادة الأفكار التي تتعلق بإمكانية تفعيل المسارات القديمة التي حققت من خلالها الإدارات الأميركية المتعاقبة، نتائج بالغة الأهمية ألا وهي استراتيجية التحكم عن بعد، التي تتضمن اللجوء الى استخدام وكلائها الذين يقودون المعارك التي تشنها من دون المساس بمكانتها على الصعيد الإقليمي والدولي.

فهل يعدُّ ذلك إشارة واضحة بأنَّ ترامب أوكل أهداف إدارته الاستراتيجية في سورية الى حلفائها الدائمين سواء أكانت تركيا أو دول الخليج، سواء كان ذلك بالعمليات العسكرية أو بالنفقات المالية، أم إنها مسارات أميركية جديدة لتشكيل حلقة التوازن الاستراتيجي الإقليمي، كما كشفتها تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الأردن أمس، وتصويبه على «الخطر» الإيراني في المنطقة؟

هكذا دخلت «منبج» في بازار الاستهلاك من قبل ترامب وأردوغان حيث كان يُراد لخريطة الشمال السوري أن تتغيّر مع استمرار احتلال إدلب وريفها الذي يخوض أردوغان معاركها حتى الرمق الأخير من السوريين الذين أصابتهم لوثة الحوريات عبر تنظيمي «النصرة» و»داعش» وما يسمى بـ «الجيش الحر» هذا الجيش يذكرنا بجيش الضابط اللبناني «الحر» أنطوان لحد وعمالته للاحتلال الصهيوني ، والهدف قوات «قسد» و«وحدات حماية الشعب» الكردية.. أردوغان الذي لم يبقَ لديه سوى ورقة عسكرية واحدة وهي دعم الجماعات الإرهابية في ادلب وضرب أكراد سورية.. يسعى لإثبات وجوده في مقبل الأيام، وهو لذلك يحضّر نفسه ويعزّز شروط حضوره بتصريحات عنترية.. إنها الأرض السورية حيث تنبت شقائق النعمان في كل قراها ومدنها ودساكرها بعدما تعمّدت بدماء أبنائها!

التمركز العسكري التركي، ليس احتلالاً للأرض فقط، بل احتلال للناس أيضاً وتحويلهم «دمى عثمانية» بل و«دمى أردوغانية» يُراد لمواطني الشمال السوري أن يكونوا حطباً بشرياً في حضرة الباب العالي وضد إخوانهم الكرد..

إياكم أيّها السوريون الوقوع في فخ الفتنة الأردوغانية وعليكم أن تتذكّروا أيام «الجندرمة العثمانية» وأيام «السفربرلك» وكيفية تعاطي «الباب العالي» مع الأقليات على أنها حثالة بشرية.

ختاماً: بعدما كان الغرب يعطي بيتهوفن، وجان جاك روسو، وهيغل وكارل ماركس، كان يُراد لثقافتنا، ثقافة حمورابي وأبي العلاء المعري، وعبد الرحمن الكواكبي، وأنطون سعاده وعبد الله العلايلي، أن تتوقف عند ثقافة.. «باب الحارة!».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى