الاستراحة المناخية لن تدوم طويلاً… والمنخفضان «ترايسي» و«أريمي» يتزاوجان الأحد

أحمد موسى

انحسرت العاصفة نوعاً ما، بعد بركات السماء ولعنة البنى التحتية، لكن لبنان لا يزال تحت تأثير المنخفض الجوي «نورما»، حيث أدّت كثافة الثلوج المتساقطة في البقاع إلى إقفال معظم الطرق الجبلية، لا سيما ضهر البيدر وترشيش – زحلة، واتخذ كلّ من محافظي جبل لبنان والبقاع القاضيين محمد مكاوي وكمال أبو جودة قراراً بإقفالهما منذ ما بعد ظهر الثلاثاء حفاظاً على سلامة المواطنين، وأمس أصبحت طريق ضهر البيدر سالكة للسيارات المجهّزة وذات الدفع الرباعي فقط باستثناء الشاحنات.

كما غطت الثلوج قرى وبلدات السلسلتين الشرقية والغربية التي يبلغ ارتفاعها 800 متر وما فوق، وأصبحت السهول الزراعية كناية عن برك اصطناعية تجمعت فيها المياه، وفاض منسوب نهري الليطاني والغزيل، وأصبحت نقطة جسر تل عمارة مصفاة للنفايات والمستوعبات البلاستيكية.

أما حركة السير على الطرق فهي أقلّ من طبيعية، كما هو حال السوق التجاري في زحلة والفرزل باستثناء الأفران ومحال السمانة والسوبرماركت والصيدليات.

هذا وكانت جرافات وزارة الأشغال والبلديات واتحادات البلديات والبلديات، أكدت جهوزيتها استعداداً للمنخفض، حيث عملت بلدية زحلة على فتح جميع الطرق في ضهور زحلة والطرق الداخلية تسهيلاً لحركة المواطنين ومن وإلى المستشفيات.

«ترايسي»

وفيما أكد رئيس مجلس الإدارة/ المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة – رياق الدكتور ميشال افرام انّ «الاستراحة المناخية لن تدوم طويلاً، فالمنخفض «ترايسي» وفق تسمية مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية يتجه الى لبنان ويصل يوم الأحد المقبل، وسيتبعه منخفض آخر آتٍ من أوروبا الوسطى ويندمجان معاً ويحملان الى لبنان أمطاراً غزيرة، انما قد لا تكون غزيرة قياساً الى المنخفض «غطاس». وستحمل «ترايسي» الثلوج على الجبال»، ونبّه افرام من الرياح القوية وخصوصاً في بيروت. لكن مصلحة الأرصاد الجوية رأت انّ شتاء لبنان سوف يكون حافلاً بالعواصف الجادة كـ «نورما» الممتلئة بالكوارث يحلّ علينا منخفض جديد لا يقلّ أهمية عن نورما بل يزيد.

«اريمي»

هو اسم العاصفة الجديدة التي سوف تضرب لبنان بداية الأسبوع المقبل حاملةً معها ثلوجاً تلامس الـ 400 متر، وقد تغطي معظم الأراضي اللبنانية وتبدأ الاثنين المقبل، وتشتدّ قوتها مساء، وتستمرّ بالاشتداد حتى يوم الثلاثاء لتصبح سرعة الرياح تقارب الـ 80 كلم/ الساعة مع نشاط كبير في الأمطار والثلوج على الـ 800 متر. ثم تشتدّ أكثر صباح الأربعاء لتصل الى ذروة قوّتها وتتساقط الثلوج على ارتفاع 600 الى 400 متر مع سرعة رياح تصل ما بين الـ 100 الى 110كلم/ الساعة مع أمطار غزيره في الساحل وخاصة في بيروت بمعدل لم تصله الهطولات منذ قرن.

حزرتا

وفيما تلقت «البناء» سيلاً من الاتصالات من أهالي قرية حزرتا البقاعية 1450 متراً لمطالبة السلطات المعنية إرسال جرافات إلى المنطقة لفتح الطرقات بعدما عزلتها الثلوج لا سيما أنهم بدأوا يعانون من نقص في المواد الغذائية الأساسية، أكد رئيس بلدية حزرتا الدكتور حسين أبو حمدان في اتصال «البناء» أنّ جرافات وزارة الأشغال وفرق البلدية موجودة على الأرض وتقوم بإزالة الثلوج التي وصلت سماكتها إلى المتر ونصف المتر جراء العاصفة.

جزين

ومع الانحسار التدريجي للعاصفة «نورما»، شهدت منطقة جزين موجة صقيع خففت من وطأتها إشراقة شمس أول صباح منذ وصول العاصفة، ما أتاح لعشرات العائلات الخروج الى رحاب الطبيعة ساحلاً وجبلاً للاستمتاع ببعض الدفء طيلة أيام وليال عدة.

مدينة جزين التي احتفظت شوارعها بطبقة خفيفة من ثلوج العاصفة نورما شهدت تفجّر عدد من ينابيعها الطبيعية بشكل غير مسبوق ولا سيما نبع السيدة وباقي الروافد التي تصبّ في شلال جزين الذي سجل أعلى منسوب تدفق له لهذا العام، بينما ارتدت المناطق التي ترتفع فوق الف متر ولا سيما عين مجدلين وطريق جزين – كفرحونة حلة بيضاء استقطبت بعض العائلات والمواطنين للتمتع بجمال الطبيعة.

تجمعات النازحين

وفيما امتنعت المفوضية السامية لشؤون النازحين عن نقل مخيمات النازحين عن ضفاف نهر الليطاني وأنكرت تحويل مياه الصرف الصحي العائدة للمخيمات الى نهر الليطاني والأنهر الرديفة كشفتها السيول وأظهرت أنها لم تقدّم للنازحين الا مخيمات عائمة في النهر شتاء وغارقة في الصرف الصحي صيفاً، وسط تدفق السيول والأمطار التي تفضح الإهمال وتكشف أطنان النفايات التي استمرّ رميها في مجرى نهر الليطاني لتستقرّ في بحيرة القرعون في البقاع الغربي. في حين أنّ السدود المفتعلة من قبل الاستراحات في بلدة الدلافة تمنع جريان المياه نحو الحوض الأدنى ما يؤثر على حجم التصريف ويمنع التخلص من الترسبات.

واجتاحت المياه معظم مخيمات النازحين السوريين في البقاع الأوسط، في برالياس وسعدنايل والفيضة وسهل زحلة وتعنايل، والمخيمات في البقاع الغربي في المرج وغزة وحوش الحريمة وجب جنين، حيث جرى نقل العديد من المتضرّرين إلى أماكن آمنة، وتمّ تخصيص مأوى لهم في البلدات المجاورة. وفي برالياس أعطى وزير الشؤون الاجتماعية وبتنسيق مع وزير شؤون النازحين ومحافظ البقاع نقل عشرات العائلات التي فقدت خيامها بفعل العاصفة إلى مخيم URDA في بر الياس وكانوا بحالة بائسة جدا من البرد والجوع.

قتله البرد

ونتيجةً لتدني درجات الحرارة عثر مساء أمس على جثة شخص داخل غرفة يقطنها في بلدة أبلح البقاعية، ولفتت مصادر خاصة «البناء» أنّ الجثة تعود لمواطن سوري، ورجحت أن يكون سبب الوفاة «جراء الصقيع»، وحضرت عناصر الأدلة الجنائية والطبيب الشرعي وفتح تحقيق في الحادثة.

البقاع الغربي

ففي ظلّ العاصفة نورما والحضير لاستقبال «تريسي» و»اريمي» واشتدادها في المناطق الجبلية، والتراكمات الثلجية التي عزلت قرى وبلدات في البقاع الغربي وراشيا عن محيطها، كانت أفواج جرف الثلوج والدفاع المدني التابعة لـ «مؤسسات الغد الأفضل» الاجتماعية، وبتوجيهات من مديرها العام حسن مراد، تمّ وضع غرفة عمليات تعمل على فتح الطرقات الرئيسية والداخلية في قرى البقاع الغربي وراشيا، مانعةً العزلة لهذه القرى، وإستطاع فوج جرف الثلوج والدفاع المدني من الوصول الى الجبل العربي حيث عملوا على مساعدة الجيش اللبناني على إنقاذ جنود من الجيش اللبناني الذين كانوا عالقين في تلك المنطقة الجبلية، كما فتحوا العديد من الطرقات الجبلية الحدودية، وسحبوا العديد من السيارات العالقة في الطرقات التي تراكمت عليها الثلوج، وكذلك كانت فرق أخرى تعمل على تنظيف «مجرى نهر الليطاني» عند نقطة جسر المنصورة، من النفايات التي جرفتها السيول وتجمّعت عند الجسر، تحسّباً من الفيضانات على منازل الأهالي وممتلكاتهم.

تنبيه للبقاعيين

هذا وصدر بيان مشترك عن محافظ البقاع القاضي كمال ابوجوده والمدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة رياق الدكتور ميشال افرام، بعد متابعتهما مفاعيل المنخفض الجوي وآثاره على لبنان وبخاصة ضمن نطاق المحافظة، وجاء في البيان الآتي: «إنّ المنخفض الجوي الذي ضرب لبنان والذي تسبّب بفيضانات في العديد من الأنهر أمثال الغدير، الليطاني وغيرها، وغمر الأراضي الزراعية والمنازل، ونظراً لاختلاط مياه الأمطار بالمجارير بما فيها نهر الليطاني والذي يحتوي على ملوثات جرثومية وكيمائية، وبما انّ النهر المذكور بدأ يفيض ويغمر الأراضي المحيطة به ويدخل الى منازل البلدات المجاورة له، وبما انّ هذه المياه قد تشكل خطراً على صحة الناس، كما انها قد تتسبّب بتلوث الأراضي والمنازل أو أيّ شيء قد تلمسه لذلك ينصح باتخاذ الاجراءات الوقائية» التالية: اتخاذ إجراءت النظافة عند ملامسة المياه الملوثة كالاستحمام، غسل الأحذية والملابس، تنظيف المنازل التي دخلتها هذه المياه وتنظيف الأثاث الذي لامسته، الاتصال بالأطباء عند ظهور أيّ أعراض صحية غير طبيعية، استعمال المنظفات التي تحتوي على الكلور في عملية تنظيف المنازل والأثاث ويمنع على المزارعين زرع هذه الأراضي قبل إجراء الفحوصات المخبرية اللازمة، كما ينبغي تلفّ المحاصيل التي لامستها هذه المياه.

وشدد البيان على «ضرورة أخذ الموضوع على محمل الجد وعدم الاستهتار بخطورته».

الدفاع المدني

وكان لافتاً نشاط وجهوزية مركز الدفاع المدني في المصنع عند النقطة الحدودية، لمواجهة العواصف وما يمكن ان يترتب عنها من كوارث إنسانية، حيث تمكن عناصر المركز من إنقاذ عشرات العالقين عند النقاط الحدودية اللبنانية السورية، كما عملوا على مواجهة السيول بمساعدة الأهالي في سحب المياه وتحويل مسارها في بلدات مجدل عنجر والصويري والروضة، كما ساهم العناصر في إنقاذ العالقين في ضهر البيدر، ووصل نشاط عناصره حتى ترشيش ضهور الشوير حيث عملوا على سحب سيارات لمواطنين ولقوى الأمن الداخلي نتيجة تراكم الثلوج التي وصلت سماكتها الى نحو نصف متر على الطريق الذي لا يزال مقفلاً بالاتجاهين نتيجة تراكم الثلوج عليه. كلّ ذلك بإمكاناته المتواضعة وبآليات استطاع رئيس المركز بالتعاون مع بلدية مجدل عنجر تأمين عدد من الآليات والأجهزة اللازمة من خلال تبرعات بعض الميسورين في بلدة مجدل عنجر للمركز.

الليطاني

وعمّمت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني التقرير اليومي 8 كانون الثاني2019 لإنتاج معامل الطاقة الكهرومائية، على مدار الـ 24 ساعة الماضية، في معامل عبد العال القرعون وشارل حلو جون وبولس ارقش الاولي ، بالاضافة الى جدول حركة المياه في معامل الإنتاج وسدّ القرعون، ومخزون البحيرة وتصريف النهر فيها.

وقالت إنّ القياسات المائية لنهر الليطاني من قبل فرق المصلحة الوطنية لنهر الليطاني عند الدلافة نقطة الالتقاء في نهر الليطاني بين الجنوب والبقاع الغربي الارتفاع 0.8م التصريف 11,952 متر مكعب/ الثانية.

البحيرة

وقالت إنّ ارتفاع مخزون بحيرة القرعون أكثر من 21 مليون متر مكعب نتيجة المتساقطات خلال العاصفة ليبلغ 54.3 مليون متر مكعب. عارضةً المصلحة الوطنية لنهر الليطاني رسماً بيانياً يقارن مخزون بحيرة القرعون في الفترة الواقعة بين السنوات 2002 و2019 وأظهر المنحنى ارتفاع المخزون في الأيام الثمانية الاولى من كانون الثاني 2019 بشكل قياسي حيث ازداد المخزون 21,3 مليون متر مكعب ليبلغ 54,3 مليون متر مكعب بعد ان كان 29 مليون متر مكعب في نهاية كانون الاول 2018 علماً أنّ معدل التصريف النهر في البحيرة بلغ حتى اليوم 70 متر مكعب/ الثانية بما فيه الينابيع في البحيرة، والينابيع من جب جنين الى البحيرة وعين الدب والمتساقطات في البحيرة.

وتوقعت المصلحة ان يرتفع معدل التصريف الى 100 متر مكعب بالثانية اذا استمرّت المتساقطات، كما انه من المنتظر ان يستمرّ معدل التصريف المرتفع خلال الأسابيع المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى