الحرب النفسية وأبعادها في إطلالات السيد نصرالله…

حسين مرتضى

يوماً بعد يوم يثبت العدو قبل الصديق، انّ إحدى أهمّ وسائل المواجهة مع العدو الصهيوني، والتي تبرع المقاومة في استخدامها، هي خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، سلاح استطاعت المقاومة استثماره منذ ما قبل العدوان «الإسرائيلي» عام 2006، وزاد هذا السلاح فعالية في داخل الكيان الغاصب، حيث أصبح قادة الكيان ومجتمعهم المفكك، ينتظر إطلالة السيد لتسجيل مواقفه وكلماته، والانطلاق منها كأدلة لما هو آت في الأيام المقبلة على الكيان، ما يدلّل على نجاح الحرب النفسية والناعمة التي يشنّها الحزب، في موازاة انخفاض وتدنّي مستوى مصداقية قادته، بل وتراجع مكانتهم في داخل الشارع والأوساط السياسية.

جديد هذه الحرب، ما حققته المقاومة من انتصار واضح ضمن فريقها المتخصّص بالحرب النفسية، في ما يخصّ ما أسماه الكيان عملية «درع الشمال»، وبالذات بعد إعلانه انتهاء هذا النشاط في شمال فلسطين المحتلة، حيث خرجت علينا صحيفة «معاريف» نقلاً عن العميد احتياط ورئيس أركان المنطقة الجنوبية سابقاً في الجيش «الإسرائيلي» تسفيكا فوغل: صمت السيد حسن نصر الله مقلق جداً، نحن نرغب جداً بسماع ما سيقول وأن نسمع منه هل نحن أمام معركة، فنصر الله موجود هناك لأنّ لديه هدفاً وهو إخراجنا من هنا. صمت نصر الله يمكن أن يدلّ على التخطيط لأمور جديدة أو محاولة لإحصاء الضرر، لا اعتقد أنّ حزب الله طرف سلبي، فهو يحاول على مدى سنوات الوصول إلى وضع كاسر للتوازن ويحاول أن يشكل تهديداً وجودياً على الأقلّ لجزء من «إسرائيل».

بالطبع عند تحليل ما ورد في الصحفية المذكورة، نعلم تماماً انّ ما شكلته خطابات السيد، والحرب النفسية التي يشنّها حزب الله، تأتي ضمن مفهوم الحرب النفسية والحرب الناعمة، ذات أبعاد وحمولات ودلالات وأغراض متعدّدة، هي حرب قوامها برمجة الوعي في داخل الكيان الصهيوني، وهي حرب الأفكار التي حرص القائمون عليها في المقاومة على أن تستحوذ على العقول إنْ كان لقادة الكيان أو لجمهوره، واستلاب الإرادة في الفعل، وتحقيق أيّ مكاسب، والعمل حتى على الذاكرة والخيال، هي حرب فكرية، اعتمدت على تحطيم المرجعيات السياسية والعسكرية والأمنية في كيان الاحتلال، وحتى القيم الحاكمة فيه، هي حرب باردة وحرب أعصاب وتغيير السلوك، ما جعل القادة في الكيان يصرخون بأعلى صوتهم، عند استخدام الحزب، تكتيك الصمت الذكي الحرفي، والغموض البناء، ضمن منهجية عدم إعطاء العدو أيّ معلومات مجانية، ضمن ضوابط وقواعد حاكمة في دوائر المقاومة، إذ لا فوضى في إعطاء المعلومات، ولا تضارب في المواقف، ودراسة واقعية وسياسية للإطلالات الإعلامية لسماحة الأمين العام، وحسابات دقيقة لقدر المعلومات التي سترد في خطابه، واتباع أسلوب المعرفة على قدر الحاجة، ما يؤدّي إلى إحباط ايّ انشطة ضمن الحرب النفسية للكيان الصهيوني، وتصل حتى إحباط الكثير من العمليات الاستخباراتية والأمنية التي يشنّها بشكل لحظي على المقاومة، هذا كله كما نعلم يكون تحت رعاية ومعرفة الأمين العام السيد حسن نصر الله، تكتيك الغموض البناء والصمت الذكي استخدم أيضاً في عملية التفاوض حول أسرى كيان الاحتلال لدى المقاومة في عملية الرضوان، والآن يستخدم من جديد، ويحسب لقادة الحرب النفسية في المقاومة هذا الإنجاز، فهو ليس بالأمر السهل ولا العادي، انها مهارات تتطلب معرفة عالية بتفاصيل العدو اليومية، وحتى طبيعة تفكيره وردود أفعاله، وتوازي هذه المهارات الجهد الحربي والعسكري للحزب، ما جعل قادة الكيان يلصقون آذانهم بالأرض، تحسّباً لأيّ صوت جديد ناتج عن أيّ حركة آلية أو حفريات أو وقع خطى مقاوم، وما يدفعهم لحساب كلّ كبيرة وصغيرة، ولا ننسى انّه بحركة أصبع سماحة السيد، يحرم المستوطنون ضوء الشمس لأسابيع.

إنّ براعة حزب الله في استخدام تكتيكات الحرب النفسية، والاستفادة من خطابات السيد حسن نصر الله، والتي نجحت في إرباك العدو وضرب وعي قادته، كانت محط إدارة مراكز البحث، حيث أعدّت دارسات عديدة في كيان الاحتلال تتحدّث عن سلاح خطابات السيد نصر الله، وإحدى هذه الدراسات، بحث أعدّه غادي أيزنكوت رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي»، كرسالة ماجستير، بحث فيها أيزنكوت شخصية سماحة السيد حسن نصر الله وكاريزميّته، وكونه جزءاً من المعركة على الوعي في كيان العدو إلى جانب المعركة العسكرية التي يخوضها مجاهدو المقاومة، وذكرت صحيفة «يديعوت احرنوت» انّ هذه الدراسة حاول فيها أيزنكوت بحسب وصف الصحفية «الدخول الى رأس العدو» بعد محاولته تحليل خطابات السيد نصر الله العلنية، وحتى الصحافة الأميركية كانت لها أبحاثها أيضاً، والتي نقلت عن عدد من قادة الكيان، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في مقال نشرته «نيوزويك» الأميركية في 18/10/2017، نقلاً عن العقيد احتياط غابي سيبوني مدير برنامج الشؤون العسكرية والاستراتيجية في مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، الذي طالب بضرورة مواجهة خطاب السيد نصر الله المعرفي، و»تأثيره السلبي في الجمهور والجيش الإسرائيليّين، في زمن الحرب واللاحرب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى