هل ينجح الأميركيون في إحياء 14 آذار؟

د. وفيق إبراهيم

جولة وكيل وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل اشتملت على جزء علني طلبه على شكل تهديد من الدولة اللبنانية، إلى جانب قسمٍ يجري العمل عليه بهدف تنظيم آلية لبنانية تعمل سياسياً في التصدّي لأدوار حزب الله الداخلية والخارجية وتهدّد بالتسلح لحماية لبنان مما تسمّيه «إرهاباً إيرانياً»، وهكذا يصبح لبنان عضواً في «حلف وارسو» المرتقب حتى من دون أن تشارك الدولة اللبنانية في أعماله المتوقعة الشهر المقبل.

طلب هيل من الدولة اللبنانية مسألتين: وقف ما أسماه الأعمال الإرهابية لحزب الله في لبنان وسورية ملوّحاً بنفاد صبر الإسرائيليين الذين أصبحوا يمتلكون تغطية أميركية مفتوحة لضرب مواقع الحزب من دون الاستشارة المسبقة مع واشنطن، ولا يتوجب عليهم حتى إعلام الروس مسبقاً بالغارات كما كانوا يفعلون سابقاً.

هي إذاً حرب إسرائيلية يلوّحُ بها هيل على لبنان إذا استمرت رئاسة الجمهورية بتغطية دوري الحزب المقاتل للإرهاب والمجابه لمطامع «إسرائيل».

أما المسألة الثانية، فتتعلق بسلسلة أوامر أميركية بالامتناع عن الاقتراب من سورية سياسياً واقتصادياً وبأيّ شكل من الأشكال الأخرى وعدم دعوتها الى أيّ لقاء داخلي أو تأييد دعوتها للقاءات خارجية، مع التشديد على عدم الموافقة على مساهمة شركات لبنانية في إعادة الإعمار فيها، مشدّداً على امتناع لبنان عن خوض مفاوضات فعلية مع سورية لتنظيم فاعل للوظائف الاقتصادية لحدودها التي تربط لبنان بالأردن والخليج والعراق.

وللكشف عن الدور الأميركي السعودي في تعطيل تشكيل حكومة جديدة للبنان، أصرّ هيل على رفض مشاركة حزب الله بشكل قوي في أيّ حكومة مرتقبة مشجعاً على تعويم حكومة تصريف الأعمال الحالية، وهذا أكثر من كشف صريح عن الجهة التي تعرقل هذا التشكيل منذ أكثر من تسعة أشهر.

ولم ينسَ من تذكير لبنان بضرورة عدم استفزاز «إسرائيل» في المناطق الحدودية وترك الخلاف حول الحدود البحرية والبرية التي تحتوي على كميات من النفط والغاز للوساطات الأميركية حصرياً.

لا شك هنا في أنّ السيد هيل تلقى ردوداً رافضة ومتحفظة على معظم «أوامره» من رئاسة الجمهورية حيناً ووزير الخارجية حيناً آخر.

والطريف أنه لم يتجرأ على مهاجمة حزب الله إلا بعد لقائه برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والمضحك أكثر أنّ الشيخ سعد التقى بعدها بسفير إيران في لبنان وسلّمه مذكرة تطالب طهران بإطلاق سراح معتقل أميركي من أصول لبنانية مسجون عندها بتهمة التجسّس ليس لصالح لبنان، بل للولايات المتحدة، فهل وافق مجلس الوزراء «مجتمعاً» على هذه المذكرة؟ وما هو موقف وزير الخارجية صاحب الصلاحية بهذا المجال؟

هذا جانب رسمي مكشوف وتقليدي عن فحوى جولة الوكيل الأميركي الذي يعرف انها مجرد عرض مواقف لا تؤدي الى الغرض الأميركي المنشود، فالخطر الإسرائيلي على لبنان موجود دائماً ومجابهته من قبل حزب الله بشكل رادع موجود بدوره، هذا بالاضافة الى إصرار رئاسة الجمهورية الحالية على دور قوي للجيش اللبناني في صدّ أيّ عدوان.

ويعرف هيل استحالة حضور لبنان مؤتمر وارسو وممارسته لأيّ سياسة عدائية تجاه سورية ومدى حاجته لحدودها كركن أساسي لإعادة تنشيط الاقتصاد اللبناني المضمحلّ، فموازنات القوى في الداخل لم تعد تسمح للأطراف الداخلية المحسوبة على السياسات الأميركية الخليجية بالسيطرة على سياسة لبنان الخارجية ولا الداخلية.

هذا ما يدفع الى الاستنتاج بأنّ الأميركيين يعوّلون لجذب لبنان إليهم على مسألتين: العدوانية الإسرائيلية والآليات الداخلية.

لجهة «إسرائيل» فإنّ أيّ عمل عسكري من جانبها لن يكون محدوداً لأنه يؤدّي إلى حرب كبيرة تشمل إلى جانب لبنان جبهات عدة أخرى، وقد تفتح نحو حرب إقليمية لا تريدها واشنطن حالياً.

تبقى مسألة استنهاض قوى سياسية في لبنان تنضوي في إطار المشروع الأميركي بمواجهة خليجية، لكن هذه القوى لم تعد تعمل كفريق واحد في إطار حركة 14 آذار لخلافات على توزيع الأدوار السياسية والحصص في لبنان، فحزب المستقبل الحريري يهتمّ بتأمين تحالفات تُبقي الشيخ سعد رئيساً دائماً للحكومة ما يفرض على هذا الأخير فتح خطوط على التيار الوطني الحر. الأمر الذي يزعج حزب القوات اللبنانية المتنافس مع التيار الوطني، وكذلك الحال بالنسبة للوزير السابق وليد جنبلاط الذي يترأس الحزب التقدمي الاشتراكي والمتنافس انتخابياً مع التيار الوطني الحر الذي يترأسه وزير الخارجية جبران باسيل.

ضمن هذا التشابك والتناحر في المواقف أصبح صعباً على الأميركيين لملمة قوى 14 آذار، في جبهة سياسية واحدة، ولأنّ لبنان يجتاز حالياً مرحلة «حكم القناصل» كما كان في القرن التاسع عشر فقد تعهّد سفيرا السعودية والإمارات إعادة وصل المنقطع بين قوى 14 آذار على أساس تسليم قيادتها للوزير وليد جنبلاط إيماناً منهم بحنكته من جهة وعدائه الكبير لسورية من جهة أخرى، فهل تنجح المحاولات الأميركية الخليجية؟

العمل متواصل، لكنه يصطدم بإحساس قوى 14 آذار بأنّ الدور الأميركي يتراجع مقابل عودة دبلوماسية لدول الخليج إلى سورية، هذا بالإضافة الى انّ حزب الله ازداد قوة عما كان عليه في مرحلة صعود حركة 14 آذار، فكيف الحال اليوم مع حزب يمتلك مئات آلاف الصواريخ والمكتسب خبرات قتال تضعه في صف القوى الاساسية؟

هذا إلى جانب ما يتمتع به من تأييد شعبي مقابل تراجع شعبية 14 آذار.

لذلك فإنّ الوزير جنبلاط المعروف بقدرته على التوازن في لعبة الحبال لن ينجذب الى التطرف مهما تضخمت الإغراءات، ما يضع المحاولات الأميركية في مهبّ الريح السورية العائدة على متن انتصارات عميقة تؤسّس لعصر جديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى