بعض من الإمام الصدر

بلال رفعت شرارة

بغضّ النظر عن تراجع السلطات الليبية عن تلبية دعوة الجامعه العربية، وغضّ النظر عن بعض لبنان الرسمي الدعوة لحضور القمة الاقتصادية العربية في بيروت، فإنه وبالأساس يحق لدولة الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل ان يقول لمن يعنيهم الامر: لا تمزحوا معنا بقضية الإمام الصدر، لا تجرّبونا ويحق له ان يلوّح بـ 6 شباط سياسي وأكثر إذا جرى الإصرار على حضور السلطات الليبية للقمة العربية الاقتصادية.

يحق للرئيس بري أن يعبّر عن موقف سياسي غاضب، ويحق لنا غداً أمام الدعوة و التطنيش الرسمي اللبناني البلد المضيف عن دعوة سورية وإلصاق تهمة دعوة ليبيا وتجاهل سورية بجامعة الدول العربية ان ننزل إلى الشارع ونقول ونفعل ما يجدر بنا قوله أو فعله لأسباب ليست خافية على أحد أبرزها انّ الإمام الصدر ليس رجل دين عادياً أسّس مجلساً ملياً المجلس الشيعي الأعلى لإحدى كبريات الطوائف اللبنانية بل لأنه أسّس:

1 ـ أفواجاً وطنية لمقاومة العدوان ومن ثم الاحتلال «الإسرائيلي» على أرضنا.

2 ـ اعتبر أنّ من مسؤوليتنا اللبنانية دعم الشعب الفلسطيني لتحقيق أمانيه الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

3 ـ حوّل الإمام الصدر الحرمان والغبن المحلي من حالة الى حركة مطلبية تبدأ بالمشاركة في كلّ ما يصنع حياة المجتمع والدولة ولا تنتهي بتحقيق المطالب الإنمائية وفرص العمل والعدالة الاجتماعية.

4 ـ اعتبر انّ صراعنا مع الصهيونية صراعاً ايدولوجياً وليس صراعاً عابراً، ايّ صراع وجود وليس مجرد صراع حدود او على نيل بعض الحقوق.

5 ـ تضمّنت أدبيات الإمام الصدر إضافة الى تفسيره لبعض آيات القرآن الكريم محاضرات قيمة حول: حقوق الإنسان، الإسلام وكرامة الإنسان، مفاهيم الوطن والمواطن والمواطنية والعاصمة والحدود، المرأة، الأسرة واقع ومرتجى، حوارات حول الوحدة والتحرير، تأسيس مجتمع مقاوم، أفكار اقتصادية توزيع الدخل بين أصحاب الإنتاج، التوزيع في المذهب الاقتصادي الإسلامي، عملية التنمية الاقتصادية ، الإسلام والتفاوت الطبقي، الدين والعامل، العمل والعامل ورأي الإسلام في العمل، نظرية القيمة، الملكية في الإسلام، الإسلام وثقافة القرن العشرين وعشرات المحاضرات حول عناوين إنسانية.

ومن أجل أجيالنا خمسة أجيال ولدت… أربعة منها بعد تغييب الإمام الصدر وجيل كان صغيراً على استيعاب المرحلة وجريمة التغييب من أجل بناء وعي حول أدوار الإمام لا بدّ أن نشير إلى الحرمان والغبن الذي تحرك ضدّه الإمام وعمل على تحويله من حالة الى حركة. لم يكن شيعياً ومركزاً على الجغرافيا والناس في مناطق انتشار الشيعة بل شمل كلّ الطوائف وأحزمة البؤس حول العاصمة وبقية المدن وأعالي جرود جبيل وكسروان وعكار وقد تحرك الإمام بنفسه الى كلّ المناطق مطالباً بالمشاركة في صنع القرار الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

ومن أجل بناء وعي لدى تلك الأجيال لا بدّ من التأكيد انّ إسرائيل كانت تواصل العدوان على لبنان وتؤكد على أطماعها الجغرافية والمائية في بلدنا في ظلّ رفع المسؤولية الرسمية لذلك عمل الإمام الصدر على إطلاق مقاومة لبنانية لمواجهة استتباعات العدوان ايّ الاحتلال وفي مرحلة الاحتراب الأهلي اللبناني اعتصم الإمام الصدر في مسجد الصفا في الكلية العاملية ودعا الى وقف العنف والترفع عن الجراح والعودة الى الضمير والعقل مشيراً الى انّ القتال وحمل السلاح لا يمكن ممارسته إلا في سبيل الأهداف الوطنية الكبرى، مؤكداً في الوقت عينه ان لا عودة لدولة الامتيازات، مشيراً الى أننا نريد لبنان واحداً عربياً عصرياً لا لبنانيات ولا إسرائيليات، واعتبر انّ كلّ من يستشهد على أرض الجنوب في مواجهة المطامع والطغيان الإسرائيلي فهو مع الإمام الحسين.

بالنسبة إلى فلسطين والقدس أكد سماحته انّ شرف القدس يأبى أن يتحرّر إلا على أيدي المؤمنين، وقال لقد قدّمنا للوطن وللقضية الفلسطينية أعزّ ما نملك، كان شديد الرفض لمشاريع الوطن البديل للفلسطينيين خصوصاً على حساب لبنان، وقال سماحته لقد دفعت ثمن إخلاصي الكبير للمقاومة الفلسطينية ولا أشعر بالخسارة، لأني مارست فعل إيماني، وقال قدّم الشيعة الخسائر الكبيرة بإراده قيادية. دفاعاً عن لبنان ووحدته وصيانة عروبته ودوره في القضيه الفلسطينية، ورأى من جهة أخرى انّ من مصلحة الفلسطينيين تنظيم علاقتهم مع اللبنانيين والبدء من الجنوب.

بالنسبة الى لبنان رأى الإمام الصدر دائماً انّ تعايش الطوائف قدر ومسألة أساسية انّ ما يحدث مؤامرة أميركية «إسرائيلية»، انّ لبنان ضرورة حضارية للعالم، وانّ التعايش أمانة عالمية في أعناق اللبنانيين، وأنّ مسألة الحرية فيه شرط أساسي لبقاء صيغة التعايش الذي نعتبره أمانة الله والإنسان بيدنا، ونبّه اللبنانيين الى انّ الأزمة اللبنانية كانت في بدايتها واستمرارها ونتائجها «إسرائيلية»، واعتبر انّ المجتمع اللبناني بوجوده وواقعه يمثل إدانة لـ «إسرائيل» التي تعتمد على العنصرية الدينية ورأى انّ الحلّ للمشكلات اللبنانية يكمن في رفض كلّ أشكال التقسيم والتوطين، مؤكداً انّ الوفاق الوطني وحده يسدّ الثغرات وانه السبيل الوحيد لمنع الانهيار، وقال لا حلّ للبنان إلا في إقامة الشرعية ولا شرعية إلا بتذويب الدويلات أياً كانت صيغتها وكان اسمها أو شكلها وفعلها.

هذا غيض من فيض في تعريف أجيالنا على الإمام السيد موسى الصدر، ولكن يبدو انّ هناك قوى سياسية لا تزال تعيش في الماضي وتمارس أحقادها ضدّ الإمام الصدر وأدواره وأدبياته…!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى