ورد وشوك

سجّل يا زمان، واحفظ صوراً لأناس من وطني عانوا من العدوان، لتخبر القادم من الأجيال عن الذين هربوا من الموت الزؤام نحو الحياة. سجّل يا زمان، صورة مصغّرة ملايين المرّات لحقيقة تجسّدت. كنّا نحسبها ضرباً من الخيال يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً جلّ وعلا من بيده هذا القرار كأن يوم الحشر لاح في قرن ازدهرت فيه الحضارات وانتشرت التكنولوجيا، والمفروض أنها مسخّرة لخدمة الإنسان. لكن على العكس، كثرت الحروب بعدما ضاقت أوطان ببعض حكامها، فقرّروا التطاول على حدود آمنة للجيران بظلم واستبداد فاقا كلّ التوقعات، تساندهم دول تدّعي العظة من وراء البحار. ما أتفه الأشياء مهما غلت أثمانها مقارنة بنجاة الأبدان من الهلاك والوطن من الضياع. بالآلاف جاؤوا سيراً على الأقدام هرباً من الإرهاب، يحملون بعضهم إلى أن وصلوا إلى برّ اعتبروه برّاً للأمان. حَلّوا بين أخوة لهم في وطن ما زالت جراحه تنزف منذ سنوات. وجوه مستبشرة بالخلاص رغم الخسارات، فيها الدمع والابتسام معاً. صورة تعجز عن تجسيدها ريشة الرسام، لرجال ونساء وأطفال بتلقّفهم بترحاب أخوة لم تلدهم أمهاتهم. سجّل يا زمان تلك اللقطة لجنديّ من بلادي وضع بندقيته على كتفه وراح يمسح دمعة طفلة ويلقّمها قطعة حلوى، على أمل وصول أمها بأمان. وآخر لم ينحنِ لغير الله، سجد شاكراً ربه، جاعلاً من ظهره درجاً لأمّ سورية ذكّرته بأمه التي لم يرها منذ بدء السنوات العجاف، يساعدها في النزول من مركب النجاة. لا تنسَ يا زمان تسجيل مدى حقارة المعتدين، يدّعون أنهم حفظة للديمقراطية والسلام، وما هم سوى لصوص للأرض والتاريخ وكل المقدرات، وتجار لأدوات القتل والدمار، يمدّون أزلامهم بكل المساعدات لترجح كفّتهم في الميدان، لكنهم ما عرفوا أن الأرض التي تُروى بدم الطهر، تأبى أن يختال فوقها الغرباء مهما طالت وتعدّدت جولات القتال. دنت ساعة الخلاص يا وطني، وآن لبعض الجراح الشفاء، ولحماة الوطن استراحة مقاتل بعدما أثبتوا جدارتهم بالحياة، وأنهم أهل لنصر يليق بما قدّموا من تضحيات. من الكفر أن يضيع كل هذا في غياهب المتسلطين سارقي النعم من امتهنوا في الخارج والداخل تجارة الأزمات.

رشا المارديني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى