الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية بين لبنان وسورية

د. زهير الخطيب

مع الخلفية السياسية لهذه المسألة الحيوية لا بدّ من معالجة علمية وبرنامج موضوعي نضعه كقوى متحالفة مع الدولة السورية وبمسؤولية الجزء من المحور المنتصر وعليه نقسم عرض الموضوع إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: نطرح سؤالاً: أين كانت هذه العلاقات قبل الحرب المؤامرة على سورية؟

– استهلك السوق السوري أكثر من 25 في المئة من الصادرات اللبنانية.

– أكثر من 90 في المئة من الصادرات إلى دول الخليج والأردن والعراق استخدمت إلزامياً المعابر السورية.

– لعب مرفأ بيروت دوراً لوجستياً أساسياً لواردات الأقطار المذكورة وصادراتها.

– لعبت المصارف اللبنانية دوراً مهماً في التجارة مع ولصالح الأقطار المذكورة.

– كان للعمالة السورية دور أساسي في نمو قطاعات البناء والزراعة.

المرحلة الثانية: مرحلة فترة المؤامرة على سورية

يمكن القول إنه لو لم يكن لبنان في غيبوبة عن مصالحه الاستراتيجية لوقف بقدراته الرسمية لدعم الدولة السورية، أمنياً واقتصادياً ولوجستياً، ولكن على العكس من ذلك كان الموقف اللبناني سلبياً يتناقض مع المصالح الوطنية اللبنانية:

– بسياسة معلنة بالنأي بالنفس شكلاً وبالتآمر ضمناً.

– عبر مساهمة أطراف لبنانية في تسعير الحرب العدوانية على سورية بدعم العصابات المسلحة وإيجاد قواعد لوجستية ودعائية واستشفائية لها.

– عبر النيْل من فريق المقاومة والتشكيك به عند تحمّله واجب دعم الدولة السورية والدفاع الاستباقي عن لبنان.

ورغم أنّ البعض رفع منسوب الهواجس من وجود النازحين السوريين وتحدّث عن كلفة وجودهم والأعباء الإضافية على البنى التحتية وادّعاء اقتناص فرص العمل، إلا أنّه تم تغييب حقائق مداخيل لبنان من المساعدات المباشرة وغير المباشرة التي فاقت المليار دولار بسبب وجود الإخوة النازحين وقد ذهب قسم مهمّ منها إلى جمعيات ومؤسّسات وإلى جيوب الفريق المعادي لسورية، ناهيك عن دور الوجود البشري السوري في توسيع حجم الاقتصاد المحلي أو تنشيطه، إضافة إلى الودائع التي دخلت ولا تزال تدخل إلى لبنان بوجود السوريين، ولعلّ أحد أهداف قرار النصب بتسديد التحويلات الصغيرة المرسلة بالدولار بالليرة اللبنانية فقط عبر شركات التحويل الإلكترونية هو الضغط على عوائل طبقة العمال من لبنانيين ومقيمين من السوريين والفلسطينيين من العاملين خارج لبنان.

ـ المرحلة الثالثة موضوع اليوم أيّ ما بعد هزيمة المؤامرة ودور لبنان في التحضيرات الإقليمية والدولية لإعادة الإعمار، حيث يستمرّ الموقف الرسمي اللبناني، الذي لا يمكن وصفه إلا بالغبي والعبثي، في النأي بالنفس عن المصلحة الوطنية العليا للبنان وشعبه في ضمان حجز حصته من مشاريع إعادة الإعمار التي قدّرت في السنة الرابعة من الحرب الكونية على سورية بـ 400 مليار دولار وتقارب التقديرات اليوم بعد 7 سنوات التريليون دولار وهي التي تتطلع إليها ليس فقط الحكومات العربية، ومنها التي تآمرت على سورية وتسارع اليوم إلى تطبيع علاقاتها مع الدولة السورية، بل هناك أيضاً دول أوروبية كبرى ومعها الولايات المتحدة الأميركية تعتبرها فرصة لا يمكن تفويتها لدعم اقتصادياتها المتأزمة، وقد شهدنا قرار إيطاليا بإعادة فتح سفارتها في دمشق، علماً بأنّ المجموعة الأوروبية حافظت خلال الفترة الماضية على مكاتبها وكانت زيارات القائم بأعمالها تتمّ شهرياً.

إنّ علاقة لبنان التاريخية مع سورية بشرياً وتشابك مصالحهما وتجاورهما الجغرافي، كلّ ذلك يشكل بوابة أساسية لإعادة الإعمار بمنتجات صناعية لبنانية ومساهمة مباشرة عبر الموانئ والمصارف والقوى العاملة. وكان يمكن لمؤتمر القمة الاقتصادية في بيروت أن يشكل فرصة لإبداء حسن النوايا من جانب لبنان الرسمي لترميم العلاقة الرسمية ومباشرة التخطيط وتوثيق العلاقات مع القطاعين العام والخاص في سورية لحجز المكانة الطبيعية للبنان، إلا أنّ ذلك لم يحدث.

وهنا، ورداً على الادّعاءات الرسمية السخيفة بأنّ مسؤولية الدعوات كانت في يد الجامعة العربية التي سبق أن غيّبت سورية، ظلماً وجوراً عن مقعدها في الجامعة، نسأل: لماذا إذاً جال المسؤولون اللبنانيون على العواصم العربية لتوجيه الدعوات؟ ولماذا لم تشكل الدولة اللبنانية، في سياق التحضير للقمة، فريقاً متخصّصاً يسوّق دعوة سورية لدى الدول العربية الأخرى التي تتلهّف للعلاقة مع سورية، على أمل أن تحظى بحصة من إعادة الإعمار؟ هي لم تفعل ذلك لأسباب مهينة، وقد كشفت جريدة «الأخبار» لماذا لم تسع اللجنة المنظمة إلى دعوة شركات الإعمار والأعمال السورية، على الأقلّ، لحضور المنتدى، على هامش المؤتمر وهي لم تفعل، لتكون الحجة أقبح من ذنب التقصير حين استمزجت الخارجية اللبنانية، عبر سفارة لبنان في واشنطن رأي موظفي الخارجية الأميركية إذا كان هنالك عدم رضى أميركي في حال حضرت سورية المؤتمر وفي حال مشاركة لبنان في إعادة الأعمار، وعليه بنى المسؤولون اللبنانيون الضعفاء الموقف الرسمي ضاربين عرض الحائط بالسيادة والمصالح اللبنانية وبموقف القوى الوطنية وواقع التوازنات الجديدة الناتجة عن انتصار الدولة السورية، وهذا ما سيتطلب منا وضع خطة لعودة العلاقات بين لبنان وسورية تفرض على الدولة الهزيلة في لبنان تفعيل الآليات التي تضمن للبنان فتح الأبواب في مشاريع إعادة الإعمار. فلا يمكن أن يستقيم وضع الحكومة المقبلة أو أن تستطيع علاج الوضع الاقتصادي المتردّي من دون أن تضع في أولوياتها آليات وإجراءات للتكامل بين المقدرات الاقتصادية في البلدين، وبما يضمن بالتشريع والمشروع أن يكون لبنان في مقدّمة الدول المساهمة في البرامج العملاقة للإعمار والتنمية في سورية.

كلمة ألقاها أمين عام جبهة البناء اللبناني د. زهير الخطيب

في الندوة الخاصة التي نظمتها «الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي» بعنوان: «مواجهة الأزمة الاقتصادية والمشاركة في إعمار سورية بالارتقاء بالعلاقات اللبنانية ـ السورية كأولوية وطنية»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى