رسالة عربية للبنان: التمسّك بالمقاومة والعلاقة مع سورية ممنوعان باسيل: عار تاريخيّ تعليق عضوية سورية بأمرٍ خارجي وإعادتها بإذنٍ خارجي

كتب المحرّر السياسيّ

لم يعُد ثمة مجال للشك بأن قراراً قد اتخذ خلال الأسبوع الأخير رتب الاعتذارات التي تبلّغتها بيروت من الحكام العرب في ثماني دول على الأقل، أدت إلى رسم صورة أرادها أحد ما في مكان ما، عنوانها رسالة موجهة لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، بأن إفشال القمة التي يترأسها أبعد من الغياب الليبي والخلاف اللبناني حوله، وأبعد من الخلاف الذي ينتج تعثراً حكومياً، هو ليس إلا وجهاً من وجوه القرار نفسه بالعقاب الذي استحقه لبنان ورئيسه لموقفه الداعم للمقاومة والمتمسك بها والداعي لإعادة العلاقات العربية بسورية، والمساند لحربها على الإرهاب. وهو الإرهاب الذي يموله الحكام العرب، والذي ترعاه راعية القرار العربي، وبصمات وزير خارجيتها مايك بومبيو وموفدها ديفيد هيل في تعطيل القمة وتعطيل الحكومة بائنة لم يرد أن يرى ولا يتلهى بالسخافات الصغيرة.

النصيحة بتأجيل القمة كانت حرصاً على مقام الرئاسة وعلماً بما يُدبَّر، لأن افتراض تجاوب حكام لا يملكون قرارهم في قضية تتصل بأمن «إسرائيل»، حيث لبنان عقدة العقد والعلاقة اللبنانية السورية مكمن الخطر، هو رهان ينطلق من نية حسنة لكنه لا يستند إلى وقائع أكدها الغياب المريب عن القمة ممن سبق وأكدوا الحضور. وكان للرئيس اللبناني عليهم ديون الزيارات الأولى التي كانت تستحقها دمشق قبلهم.

غداً يفتتح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون القمة العربية الاقتصادية، ولا يجد مَن يخاطبه من أصحاب الجلالة والسمو والفخامة إلا الرئيس الصومالي، بعدما بات شبه مؤكداً غياب الرئيس الموريتاني الذي لا يبدو غيابه للعذر الشخصي مفهوماً، في ظل تزامن زيارته لسورية مع مشاركته في قمة بيروت وغيابه عنهما.

غداً ستكون الرسالة التي حملها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو وترجم مضامينها نائب معاون وزير الخارجية ديفيد هيل، واضحة للعيان، الحكام العرب وأموالهم رهائن لقرار أميركي يرتبط بأمن «إسرائيل» ونقطة على السطر.

إلى وارسو سيذهب العرب لأن واشنطن هي الداعية، ولو كانت الدعوة على مستوى الملوك والأمراء والرؤساء لذهبوا، والموضوع هو التصعيد الأميركي ضد إيران وقوى المقاومة، والموعد حدّد قبل أيام، ويغيبون عن قمة لهم هم حددوا موعدها منذ زمن، وتستضيفها عاصمة عربية للبحث في شؤون عربية.

منتدى الغاز في شرق المتوسط المخصّص لتعويم وشرعنة السطو الإسرائيلي على ثورات لبنان ستستضيفه القاهرة، وتشارك فيه «إسرائيل»، وتستبعد عنه سورية ولبنان كي لا يحرجهما وجود «إسرائيل»، أو كي لا يضيع الهدف من المنتدى وهو جعل السطو الإسرائيلي على ثروات لبنان شرعية، بدلاً من استبعاد «إسرائيل» ورفض كل مشاركة معها في أي تعاون على مستوى دولي، لأن التعاون الإقليمي معيب ومريب في ظل مسارات التطبيع على حساب حقوق العرب المغتصبة في فلسطين وغير فلسطين، أما في المستويات الدولية فأي أخوة تبرّر التعاون مع إسرائيل قبل أن تعترف بحقوق لبنان؟

سيجد رئيس الجمهورية الكلمات المناسبة ليقولها غداً، في نعي الوضع العربي، بعدما كانت كلمة وزير الخارجية جبران باسيل معبرة بقوة عن موقف لبناني متمسك بالثوابت المتصلة بالخيارات الكبرى، خصوصاً العلاقة بسورية ودورها العربي حيث قال، «سورية هي الفجوة الأكبر اليوم في مؤتمرنا، ونشعر بثقل فراغها بدل أن نشعر بخفّة وجودها، سورية يجب أن تعود الينا لنوقف الخسارةَ عن أنفسِنا، قبل أن نوقفها عنها، سورية يجب ان تكون في حضننا بدل أن نرميها في احضان الارهاب، دون ان ننتظر اذناً او سماحاً بعودتها، كي لا نسجّل على أنفسنا عاراً تاريخياً بتعليق عضويتها بأمرٍ خارجي وبإعادتها بإذنٍ خارجي، وكي لا نضطر لاحقاً الى الإذن لمحاربة إرهاب او لمواجهة عدو او للحفاظ على استقلال وكي لا نسأل ماذا يبقى من عروبتنا أن هكذا كنّا، وكي لا أسألكم انا اليوم ما معنى جامعتنا وأين الجمع إن نجحت فقط في الإقصاء والمقاطعة والتخفيض بدل التعزيز والتعليق وكي لا يسألنا أولادنا غداً لماذا حافظتم على هذه الجامعة إن كانت للتفرقة؟».

قمة «رفع العتب»…

كرّت سُبحة الاعتذارات عن عدم حضور القمة العربية الاقتصادية في بيروت غداً الأحد، وكان «آخر العنقود» الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي اعتذر عن عدم الحضور بسبب وفاة طارئة، فضلاً عن اعتذار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أيضاً، ما يعني اقتصار الحضور العربي على رئيسين فقط هما رئيس القمة ميشال عون والرئيس الصومالي.

ورغم أنّ وقع انعقاد القمة جاء خافتاً وباهتاً لكن الاجتماعات التحضيرية للقمة سارت بشكل طبيعي إن من خلال الاجتماع المغلق للجنة الوزارية المعنية بالمتابعة والإعداد للقمة برئاسة الأمين العام للجامعة أحمد ابو الغيظ وإن عبر اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب برئاسة رئيس المجلس الوزير جبران باسيل أو عبر المؤتمرات الصحافية التي تلتها، وقد بدا الخجل والإحراج جلياً على وجوه وزراء الخارجية العرب عند دخولهم من أمام المكان المخصص للإعلاميين، ما دفع عدداً من المسؤولين العرب الى حرف الأنظار عن مستوى التمثيل والتركيز على جدواها وأهمية البنود التي تطرحها وتأكيد تطبيقها، ويمكن وصف القمة بقمة «رفع العتب وجبر الخاطر».

وقد توالى الوزراء العرب على الكلام الذي جاء تكراراً لكلمات سابقة ولم يقدّم أيّ جديد على مستوى القضايا العربية الاقتصادية كما البنود التي أقرّها مجلس الخارجية العرب لتقدم على طاولة القمة غداً الأحد.

وحدها كلمة وزير الخارجية اللبنانية دوّت في قاعة القمة علها توقظ ضمير العرب الذين دعاهم باسيل الى احتضان لبنان، متهماً دولاً غربية لم يُسمّها بالضغط على الدول العربية لمنع إعادة سورية الى الجامعة العربية، وقال: «احتضنوا لبنان ولا تتركوه، فهو لم يطعن يوماً أحداً منكم ولم يعتد يوماً على اي مواطن عربي، بل كان ملجأً وحامياً وحافظاً لشعوبكم ومعمّراً لبلدانكم، ومستوعباً لتنوّع حضاراتكم وثقافاتكم ويبقى دوماً واحة المحبة لكم والضيافة بكم والتهليل لكم ولقدومكم».

وإذ لم يُلحظ استجابة الوزراء العرب لوضع بند النازحين السوريين المقدّم من الأردن على جدول أعمال القمة بسبب الخلاف العربي حول الحلول بحسب معلومات «البناء»، توجّه باسيل إلى المؤتمرين بالقول: «كم جميل أن نخرج بخطّة إعادة النازحين واللاجئين الى أرضهم، بمعزل عن رغبة مَن هجّرهم، لأنّ من هجَّرَهم يريد إبقاءَهم، أما نحن المستقبلين لهم نريد عودتهم الكريمة ولا أحد يمكن ان يمنعنا من ذلك إذا جعلناها كريمةً لهم، ومفيدة لاقتصاد بلدانهم».

وقال: «سورية هي الفجوة الأكبر اليوم في مؤتمرنا، ونشعر بثقل فراغها بدل ان نشعر بخفّة وجودها. سورية يجب أن تعود الينا لنوقف الخسارةَ عن انفسِنا، قبل ان نوقفها عنها. سورية يجب أن تكون في حضننا بدل ان نرميها في أحضان الإرهاب، دون أن ننتظر إذناً او سماحاً بعودتها، كي لا نسجّل على أنفسنا عاراً تاريخياً بتعليق عضويتها بأمرٍ خارجي وبإعادتها باذنٍ خارجي، وكي لا نضطر لاحقاً إلى الإذن لمحاربة إرهاب او لمواجهة عدو أو للحفاظ على استقلال، وكي لا نسأل ماذا يبقى من عروبتنا ان هكذا كنّا. وكي لا أسألكم انا اليوم ما معنى جامعتنا وأين الجمع انْ نجحت فقط في الإقصاء والمقاطعة والتخفيض بدل التعزيز والتعليق، وكي لا يسألنا أولادنا غداً لماذا حافظتم على هذه الجامعة إن كانت للتفرقة؟».

وسلّم وزير الخارجية المصري سامح شكري الرئيس عون رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي تضمّنت اعتذاره عن عدم تمكنه من المشاركة في القمة نظراً لارتباطات أوجبت بقاءه في القاهرة، فاستعاضت مصر عن ذلك من باب التعويض على لبنان بجولة قام بها شكري إلى الرؤساء الثلاثة أكد خلالها دعم مصر لأمن واستقرار لبنان.

وبحسب مصادر سياسية ودبلوماسية لبنانية مطلعة على عمل القمم العربية، فإنّ المطالبة بعودة سورية الى الجامعة العربية فات أوانها وكان يجب على لبنان المطالبة بعودتها خلال المؤتمرات العربية والإقليمية والدولية التي عقدت منذ تجميد عضوية سورية حتى الآن، مبدية استغرابها كيف يعمل البعض على استلحاق قطار العودة العربية القسرية الى سورية بعد فشل مشروع إسقاط النظام والدولة فيها وتقسيمها والسيطرة عليها.

ولم تتفاجأ المصادر بهذا الحجم الضئيل للتمثيل العربي موضحة لـ»البناء» أنّ «جميع القمم العربية التي عُقدت لم تجمع أكثر من نصف الرؤساء العرب تحت أسباب واهية». وتوقفت عند غياب الرئيس المصري علماً أنّ موعد القمة محدّد منذ سنة ما يتوجب على جميع الرؤساء اتخاذ كافة الاحتياطات وإلغاء جميع المواعيد في هذا التاريخ ما يدلّ على استخفاف بالعمل العربي المشترك». وانتقدت المصادر التبرير الذي قدّمه الوزير باسيل لتغيّب معظم الرؤساء عن القمة وتفهّمه لذلك، مشيرة الى أنه «كان على باسيل التعبير عن الأسف الشديد لذلك بدل التبرير»، إلا انّ المصادر أوضحت أنّ «نجاح القمة ليس بمستوى التمثيل رغم أهميته بل بتطبيق القرارات التي تتخذها».

وإذ تنفي المصادر أن يكون خفض مستوى التمثيل العربي يعكس موقفاً عربياً سلبياً تجاه لبنان، لفتت الى أنّ «دولة عربية ضغطت على معظم الدول كي لا يشاركوا في القمة على مستوى الرؤساء لأسباب وحسابات إقليمية»، رابطة بين الموقف المصري ومن ورائه السعودي والعربي عموماً بزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى المنطقة حيث التقى الملك السعودي والرئيس المصري.

هذا المناخ العربي المتأثر بالحسابات الأميركية لم يستطع الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي إخفاءه، ففي ردّه على سؤال أحد الصحافيين اعترف زكي بأنّ أجواء سياسية خارجية أثرت على تخفيض مستوى التمثيل، مشيراً الى أنّ «عودة سورية إلى جامعة الدول العربية حتمية لا لبس فيها»، وأكد أنّ «ما حدث في 2011 هو تعليق مشاركة الوفود السورية كافة في أعمال منظومة الجامعة العربية بالكامل، وبالتالي العودة حتميّة لأنّ سورية لم تفقد مقعدها ولم تُطرد من الجامعة».

أما أبو الغيظ فحاول التعمية على حقيقة الضغط الغربي على الجامعة العربية للجم الانفتاح العربي على سورية، وقد أظهر قوله بأنّ «الظروف لم تنضج بعد لإعادة سورية الى الجامعة» بأنّ قرار عودتها ليس عربياً بل أميركي وغربي ما يدلّ عن عجز الجامعة عن اتخاذ قرار يتعلق بأمر عربي خاص، فسورية دولة عربية فماذا ينتظر العرب؟».

وقد تحدث باسيل خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع أبو الغيط في فندق «مونرو» في بيروت عن أن لبنان سيبذل جهوداً كبيرة في سبيل تأمين أكبر مستوى من التوافق عربي على إعادة سورية الى الجامعة.

وعلى أيّ حال بات انعقاد القمة غداً الأحد، مؤكداً برئاسة الرئيس عون، بحسب مصادر قصر بعبدا واللجنة المنظمة، ولن ينعكس مستوى التمثيل على ترؤس عون للجلسة الافتتاحية، وأكد وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري أنه «تمّ الاتفاق بنسبة 95 في المئة على معظم البنود»، مشيراً إلى أنّ «معظم هذه البنود كانت موجودة في القمة السابقة».

وفي تصريح كشف أنّ «الرئيس عون سيطلق مبادرة يوم الأحد ستكون لها علاقة بوضع هيكيلية تمويل للبلدان العربية التي شهدت نزاعات مسلحة في السنوات والأخيرة وسيتمّ وضع بند تتمّ متابعته في لبنان وطرح صناديق عالمية قد تشارك في هذا الموضوع».

أما رئيس المجلس النيابي نبيه بري فرابط على موقفه من المقاطعة ولن يحضر كما المقاطعة الإعلامية لقناة «أن بي أن» التابعة لحركة أمل، أما كتلة التنمية والتحرير فستشارك عبر وزير المال علي حسن خليل والنائبين ياسين جابر وميشال موسى، أما حزب الله فشارك في أعمال القمة عبر وزير الصناعة حسين الحاج حسن رغم مقاطعة الحزب للقمة بسبب عدم دعوة سورية، إلا أنّ الحاج حسن أوضح في حديث تلفزيوني أنه «سيشارك في القمة بدعوة من الحكومة اللبنانية «ولي الشرف أن أكون حليفاً لسورية لا مهرولاً للتطبيع مع إسرائيل ». وشدّد الحاج حسن على أنه «لدينا مواقف واضحة حول أداء الجامعة العربية خصوصاً في موضوع سورية و اليمن »، مشيراً الى انّ «مشكلة المشاكل هي الهيمنة الأميركية على الجامعة العربية».

بدوره أكد وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم بعد لقائه باسيل أنّ «تعليق عضوية سورية كان خطأ منذ البداية وأنّ التباحث مع الجانب السوري دائماً مهمّ. وسنحاول إعادة سورية تدريجياً إلى الحاضنة العربية».

عودة التوتر على خط «التيار» «أمل»

أما في الشأن الداخلي فاستمر الغياب الحكومي القسري عن المسرح الداخلي، وسط توقعات مراجع سياسية بأن يُستأنف النشاط مطلع الأسبوع المقبل مع تراجع احتمالات ولادة الحكومة في الأمد المنظور، فيما تحدثت مصادر «البناء» أن الحكومة بعيدة الولادة وتنتظر عوامل خارجية غير متوافرة حالياً، وعاد التوتر على خط التيار الوطني الحر وحركة أمل على خلفية الخلاف على انعقاد القمة منذرة بمزيد من الشرخ الوطني لا سيما على مستوى الرئاستين الاولى والثانية، وإذ نقلت قناة «أو تي في» عن مصادر مطلعة على سير أعمال القمة قولها إن «معظم المعطيات تؤكد ان ما حصل في القمة من تغيّب للرؤساء نتيجة للتحركات الشعبية لمناصري حركة «امل» التي أحدثت ضجة داخل الجامعة العربية»، اتهم عضو تكتل « لبنان القوي » النائب زياد أسود الرئيس بري بالتصرّف «خارج إطار الدولة»، متسائلاً: «هل يحاول بري استهداف المسيحيين من خلال إفشال القمة الاقتصادية التنموية العربية؟».

وإذ لم يخرج أي رد من حركة أمل استبعدت مصادر دبلوماسية محلية لـ»البناء» أن يكون سبب غياب الرؤساء هو التظاهرات التي حصلت في الشارع، مشيرة الى أن «الأسباب خارجية لها علاقة بتطورات الوضع الإقليمي، وإلا كيف أعلن ثمانية رؤساء دول الحضور وبدأ العدد بالتناقص بعد زيارة وزير الخارجية الاميركي الى المنطقة؟»، موضحة أنه كان الأجدر بلبنان أن يدعو مجلس وزراء الخارجية العرب الى اجتماع لبحث مسألة دعوة ليبيا واستباق الأمر إما بمخرج سياسي لذلك، وإما بطلب لبنان تأجيل القمة حفاظاً على الاستقرار الوطني والعلاقة المميزة مع سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى