السيد حسن نصر الله قيادة تاريخية تضيء عتمة الإقليم

د. وفيق إبراهيم

يستوي أمين عام حزب الله «السيد» حسن نصر الله إلى جانب كوكبة قليلة من قيادات من عصور أخرى، في خانة مَن نجحوا في إلحاق هزائم اساسية في المستعمرين وفيالقهم. ونشروا ثقافة المقاومة في إقليم محتل أو مستتبع.

«السيد» واحد من ألمع هؤلاء، تسلم قيادة حزب الله في أسوأ المراحل في منطقة الشرق الأوسط.

ثقل بدايتها كان مع سقوط العرب في «كمب دايفيد» التي أدّت إلى تسليم مصر لـ»إسرائيل» 1979 واجتياح لبنان وسقوط الثنائية العالمية لمصلحة هيمنة أميركية أحادية 1989 لا تزال تضرب العالم قتلاً واجتياحاً. هذا إلى جانب السقوط التاريخي للدول العربية في إطار علاقات وتطبيع مع العدو الإسرائيلي لم توفر حتى قسماً من الفلسطينيين.

حزب الله بقيادة «السيد الكبير» والمجاهدين سجلوا استثناءين كبيرين، تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي 1982 ـ 2000 وردع حرب «تموز» مغطاة بتأييد الوطنيين وردع «إسرائيل» عن احتلال لبنان مجدّداً بإلحاق هزيمة بقواتها المهاجمة 2006 .

كانت اهتمامات السيد وحزبه تتطوّر بمواكبة ارتفاع مستوى العدوانية الأميركية التي احتلت افغانستان 2005 والعراق 2003 حتى اتضح أن ما يجري هو جزء من خطة لتفتيت دول الشرق الأوسط على أسس مذهبية وطائفية وعرقية وقبلية.

هنا أدّت ثقافة الحزب بقيادة «أبي هادي» إلى انتشار ثقافة رفض المستعمر في كامل الإقليم، لأن حزب الله المنتصر أصبح قدوة قابلة للاقتداء بها، ولأن «السيد» أصبح نموذجاً للقيادات التاريخية التي تتمتع بعلاقات عميقة مع شعوبها بالثقافة والعاطفة والتواضع والذكاء والشجاعة والتضحية.

لذلك اقتحم الحزب ميدان سورية. وهو العارف بأن ما يجري فيها ليس إلا خطة أميركية ـ خليجية إسرائيلية وتركية لتفتيتها، وبالتالي تفتيت المنطقة والإضرار بإيران. لذلك شكل حزب الله ركناً من عناصر التحالف الذي أنقذ سورية والمنطقة بالتحالف مع الجيش السوري وروسيا وإيران.. وهنا تعجز الكلمات عن التعبير عن «ملحمة قوات أبي هادي» بأهميتها العسكرية والثقافية، وهي ثقافة مقاومة المحتل في فلسطين واليمن والعراق ولبنان وسورية ومعظم الشرق الأوسط التي نجحت في هذا الاختبار الكبير على الرغم من محاولات إجهاضها بهجمات إعلامية خليجية وغربية كانت تركز على التباينات المذهبية لمنع تراكم تأييد شعبي كبير للحزب.

إن نتائج هذه الجهود بدت واضحة في الميدان السوري والعراقي واليمني واللبناني بمجموعة من الانتصارات التي أربكت المشروع الأميركي وجعلته يجنح لسحب مرتقب لجيوشه المنتشرة مع اعتماده آليات جديدة تجمع بين الإسرائيليين وبعض الدول العربية في حلف معادٍ لثقافة المقاومة في الإقليم وسورية المنتصرة وإيران الصاعدة.

لذلك جاءت أولى حروب السيد الجديدة على شكل مقابلة تلفزيونية، ركزّ فيها على رئيس وزراء الكيان نتنياهو لإثارة الرعب في «إسرائيل».

فالسيد يعرف مصلحة نتنياهو بشِّن هجوم واسع على حزب الله وإيران ولبنان وسورية، مستغلاً تأييداً أميركياً واسعاً إلى حدود المشاركة مع تغطية تمويلية وسياسية خليجية، فحزب الله موضوع في هذه الدول على لوائح الإرهاب ومهاجمته مستحبة بالنسبة لحكام الخليج.

فتجتمع لدى رئيس وزراء العدو مصلحتان مترابطتان: الأولى أن هذه الحرب تدفع باتجاه تعميق الحلف الإسرائيلي الخليجي وربما الأردني المصري، والثانية أنها تمدّه بتأييد شعبي إسرائيلي يدفع نحو نجاحه في الانتخابات القريبة، فيعود مجدداً لرئاسة الوزراء.

هذا ما دفع «سيد المقاومة» إلى إعلان تغيير في قواعد الاشتباك في سورية، بإعلان معادلة جديدة، تقدم على الرد المباشر وبعيارات أقوى على كل اعتداء على أهداف إيرانية أو سورية ولحزب الله في سورية ولبنان.

وهذا تغيير كبير يعكس نصر المجاهدين في سورية على المشروع الإرهابي وتفرّغهم النسبي بصد الاعتداءات الإسرائيلية، مع استعدادهم للرد حتى ولو تحوّل الوضع حرباً مفتوحة. وببراعته، لمح أبو هادي إلى امتلاك حزبه اسلحة نوعية ودقيقة وأخرى سرية قد تتعلق بمنظومات متمكنة من أسلحة الدفاع الجوي، كاشفاً ان «إسرائيل» فشلت في منع وصول الإمدادات «النوعية» إلى لبنان.

فلماذا يكشف السيد هذه المعلومات؟

إن هذا الإعلان برسم الداخل الإسرائيلي الذي يتجه الى المزيد من المناكفات والمشاحنات بسبب كذب قيادته عليه.

يتبيّن إذاً أن «السيد» يضع النفوذ الأميركي و»إسرائيل» في خانة العداء الاستراتيجي الدائم، تليهما حليفتهما السياسة الخليجية التي تواصل تفكيك الحد الأدنى من التقارب العربي ـ العربي واستعداء إيران.

أما باقي الدول العربية فتؤدي دور المُستتبع الضعيف الذي يبتسم ويصفق مواصلاً طلب المساعدات والمعونات.

ولتركيا بدورها حصة من «مساءلات» السيد لأن سياساتها العثمانية والأخوانية تصبّ في معظم الحالات في مصلحة النفوذ الغربي و»إسرائيل».

إن أهمية لبنان عند السيد استراتيجية. فهو عرينه ومنطلقه إلى الإقليم و»إسرائيل»، لذلك أولاه الحد الأقصى من تركيزه بإحاطته بمجمل أسباب التناقضات، وإيجاده حلولاً سريعة لها تؤدي إلى مزيد من الاستقرار السياسي لذلك أعلن عن رفضه فكرة المثالثة في تقسيم السلطة السياسية بين المسيحيين والسنة والشيعة لأنها تمسّ بمكانة المسيحيين في البلاد، وتؤسس لعداء مع حليفه التيار الوطني الحر برئاسة ميشال عون.

فأزال براعة اللعب على خلاف محتمل مسيحي ـ شيعي وضرب في منحى آخر معلناً تأييده لاستمرار سعد الدين الحريري في تشكيل الحكومة الجديدة. وهذا يؤدي إلى خفض أهميات من يؤجّجون في الفتنة السنية ـ الشيعية. إلا أنه بدا مؤكداً على العدالة في توزيع الحقائب والمقاعد عبر توزير سني مستقل للقاء التشاوري المؤلف من نواب مستقلين.

صحيح أن السيد بدا حريصاً على تشكيل سريع للحكومة، إنما بعد إرضاء حلفائه من كل الطوائف السنية والدرزية والمسيحية، والشيعية.

كاشفاً أن حلفه السياسي كان يستطيع المطالبة بأكثر من عشرة وزراء ولكن اكتفى بثمانية فقط، حرصاً على الاستقرار السياسي في لبنان.

هذا هو «السيد»، لبنانياً وعربياً وإقليمياً، وصولاً إلى القيادي الدولي الذي كلّف نفسه مجابهة النفوذ الأميركي لأنه يعرف بعمق أن كل المصاعب داخلية لها حدود إقليمية ترتكز على دعم دولي، أليس هذا السيد ضوءاً كبيراً ينير عتمة الإقليم؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى